محاضرة للبعلبكي عن “تاريخ بلدة المنارة البقاعية من العصر الروماني الى اليوم“

البقاع/ “المدارنت”..
تحت عنوان ”تاريخ المنارة من العصر الروماني الى اليوم“، القى الإعلامي عاطف البعلبكي محاضرة يوم الأحد الماضي في حضور حشد من الشخصيات الثقافية والإجتماعية من بلدة المنارة/ البقاع الغربي والبلدات المجاورة، في قاعة دار طيبة، وذلك برعاية موقع nextlb.com وبالتعاون مع نادي الوحدة/ المنارة، وقدم للمحاضرة د. أسعد صدقة.
وعرض المحاضر لتاريخ البلدة العريق وتسميتها في التاريخ بإسم ”حمًارة/ Hammara”، مركزاً على شواهد عديدة منها وجود اسم القرية منقوشاً على حجر أثري روماني قرب قلعة بعلبك في منطقة راس العين، والقصر الروماني (قصر الوادي) الذي تحتضنه القرية منذ آلاف السنين، والمدافن البيزنطية المسيحية التي وجدت في القرية مطلع السبعينيات قبل اندلاع الحرب الأهلية.
اعتمدت المحاضرة على أطروحة دكتوراه لعالم الآثار الدكتور الراحل شاكر الغضبان، ونال على أساسها درجة الدكتوراه في ستراسبورغ – فرنسا، وكان موضوعها عن “الآثار الرومانية في سهل البقاع” من بعلبك الى دورس الى الكرك وعنجر ومجدل عنجر وحمّارة والدكوة وكامد اللوز، وعلى مادة علمية لقسم الاثار في الجامعة اليسوعية – بيروت.
وسلّط البعلبكي الضوء على بعض الجوانب التاريخية لمنطقة البقاع الغربي بشكل عام من بلدة كامد اللوز التاريخية الى قلعة عنجر الأموية.
وقال: “بلدة المنارة البقاعية وآثارها التي نحب تميزَها وجذورَها الضاربةُ في أعماق التار، هي ليست بنت الأمس ولا مستعمرة حديثة، بل هي قرية تاريخية يبلغ عمرها آلاف السنين.
اسم البلدة في التاريخ هو حمّارة “Hammara”، وقد وجد منقوشاً على حجر روماني قرب قلعة بعلبك في حفريات آثار رأس العين في السبعينيات من القرن الماضي، هكذا كان اسمها منذ آلاف السنين. وقد أجرى الدكتور الغضبان دراسة معمقة عن تاريخ البلدة يمثلها قصر الوادي ومدافن المنارة، عنيت بها المدافن التاريخية التي اكتشفت تحت منزليّ المرحوم أبو سامي سليمان خالد أبو شاهين في عام 1974، والمربي أبو رئبال محمد حسين الورداني أطال الله في عمره في عام 1975، والبحث الذي اقتبست منه المعلومات كتبه الغضبان وأرخه في عام 1985 مع بحث إضافي قصير لقسم الآثار في الجامعة اليسوعية ببيروت”.
اسم حمّارة
ورد الإسم بالرومانية بعد ترجمة كلمات مكتوبة على حجر أثري مهم قياسه 32×36 سم وجده عالم الآثار كالايان في السبعينيات في منطقة راس العين قرب قلعة بعلبك مصورا هكذا نقشاً ”Hamapa”.
اذا فالتاريخ يوصل الى قرية حمّارة، وفي حال استخدام اسم “المنارة” الحديث، علينا أن نعي جيداً الرابط الأساسي ما بين الإسمين، لأن مسمى “المنارة” طبعاً ليس له جذور في التاريخ. ويصف الدكتور شاكر الغضبان ذلك بالقول عند إعداده بحثه التاريخي بالفرنسية:
“ما زال أهل البلدة والمناطق المجاورة يطلقون اسم حمّارة “Hammara”، على القرية، على الرغم من تغييره رسمياً في نهاية الستينيات 1969، الى “المنارة” Manara، وتبديل الإسم هذا أمر خطير ويقطع التاريخ الموصول للبلدة ” إنتهى ( ترجمة حرفية من النص الفرنسي).

“قصر الوادي”
في وادي المنارة شمالي شرق البلدة ، وعلى بعد عدة كيلومترات من الحدود اللبنانية – السورية وقرية جديدة يابوس السورية يقع ” قصر الوادي ” على تلة صغيرة مشرفة على أرض الوادي الزراعية .
وتسمية “قصر الوادي” كانت معتمدة في الدراسات الألمانية السابقة التي أجريت منذ القرن التاسع عشر، وتحديداً في عام 1848 ، والكتابات الرومانية والبيزنطية التي تمت ترجمتها من قبل علماء الآثار تؤكد على العمر السحيق لهذا المعبد المهم جداً على الصعيد التاريخي الذي سبق بناء قلعة بعلبك بمئات السنين .
ودليل الدكتور الغضبان على ذلك أن قص الصخور ونحت أعمدة قصر الوادي من الناحية التقنية بدائي بشكل واضح ، لأن نحت الأعمدة لا يرقى الى تقنية أعمدة قلعة بعلبك ومنحوتاتها ، وكذلك غياب التيجان المنقوشة من رؤوس الأعمدة مع عدم استبعاد سرقة بعضها في عهود سحيقة.
تاريخ البلدة
عمر البلدة المؤكد يرجع الى قبل اكثر من 2000 عام، في الحقبة الرومانية قبل السيد المسيح ، ومثلها بعد السيد المسيح ليصير أكثر من 4000 عام وتنتقل القرية والجوار الى المسيحية ويتحول المعبد الروماني الى كنيسة مسيحية.
ويؤكد ذلك وجود الصلبان البيزنطية عند مدخل القصر الشمالي الشرقي وبعض الآثار تم نقلها وحفظها في مستودعات قلعتي عنجر و بعلبك حسب الدكتور الغضبان، وقد وصفها في بحث مطول عن “حمَّارة” بلغ أكثر من 80 صفحة باللغة الفرنسية.
وفي البحث في أرشيف المديرية العامة للآثار التابعة لوزارة الثقافة، بإذن من وزير الثقافة محمد المرتضى، تم العثور على مستند يوثق وصول بعثة أثرية ألمانية الى قصر الوادي في القرن التاسع عشر الميلادي في عام 1848 قامت بنشر بحثها باللغة الألمانية طبعا في المانيا ومن دون صور.
أما الأمر الجيد أن بعثة أخرى ألمانية أيضاً قدمت الى البلدة في عام 1938 قبل الحرب العالمية الثانية بعام واحد بقيادة عالم الآثار الألماني كرينيكر، وأوضحت الكثير من المعالم التي كانت قد درست، وتركت معلومات قيمة وصورة نادرة للقصر المهدم بدت فيها أحجاره ملقاة على الأرض والأعمدة كذلك والعتبات المنقوشة.
أضافت معلومات البعثة أن هذا القصر كانت له توابع هي حمّارة وعين قنيا المذكورة بالخط الروماني على العتبة الشرقية، وقد تمكن علماء الآثار من ترجمتها.
ويوضح البحث الألماني أن قرية عين قنيا الرومانية كانت تبعد بضعة كيلومترات شرقاً باتجاه قرية جديدة يابوس السورية حسب البحث المذكور في عام 1938.
ويقول الدكتور شاكر الغضبان أن الموجودات التي كانت تكتشف في منطقة البقاع والتي يمكن نقلها، كانت تحفظ غالباً في قلعتي بعلبك وعنجر لتواصلها معاً تاريخياً وموضوعياً.
وقامت المديرية العامة للآثار منذ الستينيات بإعادة ترميم القصر بالشكل المعروف حالياً، واستمر العمل فيه حتى ما قبل الحرب الأهلية في عام 1975 وصيانة الآثار.
ونال “قصر الوادي” بوستراً بالألوان من وزارة السياحة منذ سنوات عديدة ليصبح على الخارطة السياحية للآثار الرومانية في البقاع الغربي وفي كل لبنان.
وشرح الدكتور الغضبان العبارات المحفورة بحروف بارزة وواضحة حتى اليوم ما هو مكتوب على عتبات قصر الوادي الروماني، وهو ما يشبه “دعاء استسقاء” وعبادة مرفوع الى الإله “زيوس” الذي هو إله السماء والصاعقة في الميثولوجيا الإغريقية.
و”زيوس” لدى الإغريق كان يحكم قوى الطبيعة التي كانوا يخشونها كالبرق والرعد والسماء والمطر: BeeAIABOC4[I]OAü)POY<jKAIBAPeAAACAZIZOYZeYBOH0I
وترجمتها: “نرجو من الإله العظيم زيوس زيادة ثروة عين قنيا في عام… تحت سلطة أبيمويس بن أبوليناريوس، الكاهن الأكبر للآلهة، الإلهة روما والمقدس أوغسطس قيصر“.

نقوش قصر الوادي
وقال عالم الآثار الراحل شاكر الغضبان” كشفت بعض أعمال التدعيم والترميم التي قام بها المهندس كالايان والحفريات التي أجريتها في ما بعد في الموقع عن حجرين تابعين للقسم الشرقي المنقوش للمعبد، وقدّمت أيضاً تفاصيل جديدة عن البنى التحتية للمباني الملحقة بالمعبد، والمصاطب، الواقعة عند مستوى مدخلها على الجانب الشرقي، والتي تشكل امتداداً ودارا لها، وكان هذا النقش قد جذب انتباه علماء الآثار الألمان منذ عام 1848 في القرن التاسع عشر“.
كرينيكر
وفي عام 1938 زار عالم الآثار الألماني كرينيكر الذي ندين له مع فريقه بالدراسة الكاملة لهذه الآثار “قصر الوادي” ليؤكد على وجود كنيسة مسيحية ومنزل داخل نفس المربع، وتبعه في ذلك عالم الآثار تايلور والدكتور الراحل شاكر الغضبان.
وقال الغضبان “في ظل الإمبراطورية الرومانية – حسب كرينيكر، كان سكان عين قنيا المجاورة قد بنوا ملاذاً في قصر حمّاره نفسه، على أراضي قريتهم، وبالتالي هذا يمكن أن يعطينا فكرة عن تنظيم مدينة صغيرة في سلسلة لبنان الشرقية كانت تحت تعيش حكم الإمبراطورية الرومانية”.
لمحة تاريخية
قبل ظهور الإسلام وانتشاره وسيطرة المسلمين العرب ثم الدولة العثمانية على بلاد الشام، خضعت منطقة الشرق الاوسط للحقبة الرومانية، وكان سهل البقاع ممراً مهماً باتجاه الممالك الداخلية، من مملكة تدمر والشام وبلاد مابين النهرين ويربط بين مصر الفرعونية وفلسطين ، وبين ممالك الداخل والحضارات القديمة هناك، وكانت مدينة كوميدي (كامد اللوز) محطة تاريخية هامة ضمن هذا الطريق.
وبين منتصف القرن الثالث وبداية القرن الرابع تحولت حمّارة في عهد الملك قسطنطين من الرومانية وعبادة الآلهة المتعددة الى المسيحية مع مدينتي صيدون وصور.
في حوالي القرن الخامس بعد المسيح تحول معبد “زيوس” الروماني (قصر الوادي) الى كنيسة مسيحية ، وتحولت حمّارة من الرومانية الوثنية الى المسيحية مع صور وصيدون، ولا تزال آثار كنيسة قديمة في أعلى البلدة وتحمل الإسم الى اليوم ” وادي الكنيسة”.
وتدل الآثار البيزنطية المسيحية التي وجدت في البلدة على تاريخ يقع ما بين 430 و523 ميلادية، ولكن ذلك لم يدم طويلا في حمّارة بعد الفتح الإسلامي من عام 637 على يد القائد خالد بن الوليد في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما هزم البيزنطيين في موقعة اليرموك، مما فتح له بلاد الشام ومنها لبنان، وأنهى الحقبة البيزنطية والمسيحية في المنطقة.
وفي بداية القرن الثامن، وتحديداً في عام 714 كانت منطقة بلاد الشام (ولبنان ضمناً) تحت سلطة الدولة الأموية، وقام الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان ببناء مدينة عنجر على أنقاض معبد روماني لا تزال بعض أعمدته ترتفع في وسط القلعة حتى اليوم.

عنجر وكامد اللوز
ففي بدايات القرن الثامن قرر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بناء قلعة عنجر كمصيف له عند أحد منابع نهر الليطاني، فأرسل الحجارين الى مقالع كامد اللوز المجاورة شرق البلدة لقطع الاحجار، وقد ترك هؤلاء كتابات بالسريانية في المحاجر تفيد بأنهم من الأقباط والنساطرة، وتقول بأنهم أحضروا من العراق ليعملوا في قطع الحجارة والبناء مع الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بن مروان وفي بناء قلعة عنجر، وطبعا فقد انسحب الأمر على كل منطقتنا التي صارت تحت حكم الخلافة الأموية.
ولكن الوليد لم يغير في المعبد الروماني ثم البيزنطي في حمّارة كما فعل في عنجر، وكما فعل الأمويون في بعلبك وحلب ودمشق والأندلس، حيث بنوا المساجد والأثار التي تدل عليهم حتى داخل مواقع الآثار الرومانية، وهذه بصمات حضارية تسجل للأمويين الذين بنوا أركان الدولة الإسلامية العربية الحديثة وعربوا الدواوين ومراسلات الدولة الأموية التي كانت تكتب بالفارسية.
وكانت الدولة البيزنطية المسيحية المشرقية وعاصمتها القسطنطينية قد ورثت الرومان وامتد حكمها الف سنة بعدهم، حتى قضت عليها الدولة العثمانية في القرن الخامس عشر يوم فتح القسطنطينية بقيادة محمد الفاتح.
واختتمت المحاضرة بتقديم بعلبكي صوراً تذكارية تاريخية من آثار البلدة تنشر للمرة الأولى، الى بعض الحضور.