مختصر الصراع العربي/ الصهيوني في سطورٍ قليلة..!
خاص “المدارنت”..
«لقد تأكدت خلال وجودي في غزّة وهي تواجه حرب الإبادة، أننا نواجه حلف “الناتو” وليس إسرائيل فقط »… الدكتور غسان أبو ستة، طبيب وجراح فلسطيني، يحمل الجنسية البريطانية، منظمة أطباء بلا حدود.
تجاوزًا لكل المراحل العقدية من السنين، منذ مؤتمر بال 1897، الذي شكل الانطلاقة الأساسية، لزرع الغدّة السرطانية في قلب الوطن العربي، تحت مسمى « إسرائيل » على أيدي الانتداب البريطاني في العام 1948، حيث كان من أهم قرارات المؤتمر، تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتنظيم اليهود، وربطهم بالحركة الصهيونية، واتخاذ السبل والتدابير للحصول على تأييد دول العالم للهدف الصهيوني وإعطائه شرعيةً دولية، بالتزامن مع تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية، بقيادة تيودور هرتزل، فإن الحقيقة التي لم يكن من السهل إخفاءها. أن المصلحة المشتركة بين الغرب الاستعماري المتمثل بالانتداب البريطاني، والآباء المؤسسين للكيان الصهيوني آنذاك، كانت تتمثل ليس فقط في فصل الشطر المشرقي من الوطن العربي عن توأمه المغربي، وإنما كان اختيار فلسطين بالذات في قلب هذا الوطن، للتحكُّم بكل ما لديه من نبضٍ وخلجاتٍ وجعله مسلوب الإرادة والفؤاد على مدى العقود المتتالية.
وهذا ما تم تثبيته بعد تكريس اتفاقية سايكس ــ بيكو، التي شطرت الوطن العربي إلى أقطارٍ ودويلات ومشيخات، بالتزامن مع النهوض التاريخي الاستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية، التي تولت زمام قيادة مُعسكر الغرب الامبريالي، بعد الحرب العالمية الثانية، مع تأسيس منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو NATO)، ووجدت في الكيان الصهيوني موقعًا متقدمًا لحماية مصالحها ومشاريعها التوسعية، لتجعل منه قاعدةً عسكريةً بكل ما للعسكرة من ترساناتٍ وذخيرة وتدريب لمجموعةٍ من العصابات المسلحة، التي جعلت منها جيشًا يتحكَّم بكيانٍ مصطنع، يدَّعي أنه دولة ذات تاريخ وشرعية، صُبِغَت بعبارة « أرض الميعاد »، وأحقيةٍ كاذبةٍ عن الوجود، تعود لألفين من السنين، وعزم توراتي على إعادة بناء هيكل سليمان، الذي رأوا أنه لا يتحقق إلا بتدمير المُقدَّسات الدينية للمسلمين (المسجد الأقصى)، وتهميش ما للمسيحيين من تراث ديني وروحاني، في استعادةٍ محدّثةٍ ومنقّحةٍ لما خططت له الحملات الصليبية، من أجل تحقيق أطماعها في الوطن العربي، تحت مُسمَّى حماية الأماكن المسيحية، لتندحر على أيدي أصحاب الأرض الحقيقيين من مسلمين ومسيحيين، بعد ثلاثة قرون من الحرب (1099 ــ 1291)، ثم لتعاود الكرَّة بعد ستمائة عام بالشكل المتصهين، الذي كان أداته يهود العالم، وشعب الله المختار، وكل ما ورد في التلمود من أحقادٍ وكراهيةٍ للشعوب وتصنيفها، بالـ « غوييم » في أخطر توصيفٍ لغير اليهودي، واعتباره الأقل منزلةً.
إنها الكذبة التي يريدون منا تصديقها منذ إنشاء الكيان، وفرض ذلك بالقوة، والتهجير، والسَّحْل، والإبادة، في مقاربات جهنمية لما فعله الآباء الأوائل لمؤسسي الولايات المتحدة الأميركية، لسكان أميركا الأصليين، وبات أحفادهم في البيت الأبيض اليوم، يرون في دويلة الكيان الصهيوني الابن المدلل لهم، بل واعتبار الكيان بمثابة الولاية الواحدة والخمسين لدولة اليانكي، وباتت إسرائيل اليوم حاجةً استراتيجيةً ودفاعية للولايات المتحدة، تفوق حاجة الأخيرة إليها. من هنا نستنتج الأسباب الحقيقية التي جعلت أمن الدولة العميقة للولايات المتحدة الأميركية مرتبطًا بأمن الكيان الصهيوني. ولا عجب أن لا يترك الأخير فرصةً إلا ويتطاول على أوامر البيت الأبيض، والإمعان في حروبه الإبادية، التي تؤكد أن ما يجري في غزة اليوم لن يتوقف، وسيبقى الجبروت الصهيوني مسلطًا على أكبر وأطول رقبة عربية، وتبقى الأمة وأقطارها تحت رحمته، والدوران في فلكه دون منازع.
لقد كان الشرفاء العرب على حق عندما اعتبروا أن صراع الأمة مع العدو الصهيوني، هو صراع وجود، وليس خلافات على حدود.. فأُسقِطَت الناصرية في مصر ليقودها أنور السادات إلى المصالحة والتطبيع مع الكيان الصهيوني بعد اتفاقية كامب ديفيد، التي أخرجت أكبر دولة عربية من الصراع، ليُلتَفَت بعدها إلى العراق، في ظل نظامه الوطني، الذي واجه كل محاولات الترهيب والترغيب، للاعتراف بالكيان الصهيوني، وهو الذي لم يبخل بالدم والشهادة ليبقى على جذوة مقاومته حتى في استشهاد قائده، وهو يواجه الموت مردِّدًا:
– عاشت فلسطين من البحر إلى النهر..
وكان مطلوبًا إنهاء هذا النظام الوطني التقدمي الحاكم باسم « البعث »، ليس لإزالة كل من يهدد الكيان الصهيوني وحسب، وإنما لعاملٍ آخر لا يقل أهمية، ألا وهو النفط.. وتيقُّن الغرب الاستعماري الأوروبي والأميركي مؤخرًا أن آخر برميل نفط سينضب بعد عشرات السنين هو برميل عراقي حتمًا. لذلك، لا غرابة في كل ما تعرضت له فلسطين، مسرى النبي محمد، ومهد المسيح، من قتل وعذاب ودمار وتشريد، منذ وعد بلفور للصهاينة في العام 1917، في إنشاء وطنٍ قومي لهم حتى يومنا الحاضر، حيث ما يجري في غزة، ليس سوى صورة للواقع، الذي يريد الصهاينة منه، قبولًا بهم، وتطبيعًا معهم بالرضى أم بالقوة المفرطة..
وليس مستغربًا أن تحقق المخابرات البريطانية مع عائلة الطبيب غسان أبو ستة، الذي يحمل جنسيتها…! لأنه توجَّه ليواسي أبناء شعبه في غزة، وليداويهم بما لديه من مستلزماتٍ طبيةٍ متوفرة، وأهم ما توجَّهت به المخابرات إلى هذه العائلة من أسئلة:
– أين كان ينام الدكتور في غزة…؟ وفي أية غرفةٍ مكان مبيته…؟
وذلك تمهيدًا لتزويد القتلة بتلك الإحداثيات، من قبل أن تُكتَب له النجاة، ويكون شاهدًا على أبشع إبادة جماعية في التاريخ الحديث، لم توفر حتى المدنيين العُزّل، والأطفال، والنساء، والشيوخ.. لتتجاوز العملية الإجرامية ما يزيد عن الأربعين ألف شهيد وما فوق المائة ألف جريح، وتدمير الحَجَر عن بُكْرة أبيه في قطاع غزة، وتهجير مليوني وربع مليون فلسطيني، جميعهم أهداف يومية للقصف، والقتل، والتشرد، والجوع.. في أبشع وأخطر محاولة لتفريغ القطاع من سكانه، والقيام بعملية ترحيل (ترانسفير) لم يسبق لها مثيل. وقد أثبت أبناء غزة بشعبها ومقاتليها أنهم ليسوا متشبثين بترابهم المقدس وحسب، وإنما يُسطِّرون بصمودهم ومعاناتهم، ما تعجز عنه الجيوش النظامية عن المواجهة، وهذا ما يؤكد على أن نظرية الكفاح الشعبي المسلح، هي ما تحتاجه الأمة اليوم، في صراعها مع العدو الصهيوني، على طريق حرب التحرير الشعبية الشاملة، في ظل كل هذا الصمت القاتل للأنظمة العربية، التي اكتفت بموقع المُتفرّج على ما يجري وحسب.. .