مذكرة اعتقال نتنياهو.. إمتحان العالم!
“المدارنت”..
في اليوم الـ412 على المحرقة الفلسطينية، المصوّرة والمبثوثة ساعة بساعة على وسائل إعلام العالم، صدر أخيرا قرار المحكمة الجنائية الدولية، آمرًا باعتقال (الإرهابي الصهيوني) بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الدولة العبرية، و(الإرهابي الصهيوني) يوآف غالانت، وزير دفاعه المُقال، وذلك بعد أن وجدت المحكمة «أسبابا منطقية» للاعتقاد بأن المسؤولين “الإسرائيليّين”، أشرفا على هجمات على السكان المدنيين، وتشمل الجرائم التي اتهما بها استخدام التجويع سلاح حرب، وجرائم ضد الإنسانية.
تتضمن مذكرات الاعتقال تفاصيل ووصف الجريمة والأسس القانونية لإصدارها، ويتم إرسال مذكرات الاعتقال إلى الدول الأعضاء في «نظام روما الأساسي» المؤسس للمحكمة، وهي 124 دولة، مما يفرض على هذه الدول توقيف المتهمين في حال زيارة أراضيها.
أهم ردود الفعل الدولية المؤيدة لقرار المحكمة شملت (حتى الآن) الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي اعتبر الأمر «إجراء قانونيا يجب احترامه من جميع الدول الأعضاء والشركاء في المحكمة»، وأكد على أنه «ليس له طابع سياسي».
وأعلنت فرنسا دعمها لاستقلالية المحكمة، وأكدت اعتبارها «جزءا أساسيا من النظام الدولي لضمان العدالة الدولية» وهو ما فعلته إيرلندا وبلجيكا وهولندا، التي ألغى وزير خارجيتها زيارة لـ”إسرائيل”، وكندا التي قال رئيس وزرائها جاستن ترودو، أنها «ستلتزم بأحكام المحاكم الدولية»، وبريطانيا التي قال رئيس وزرائها كير ستارمر إنها «تحترم استقلالية المحكمة» وإيطاليا، التي قال وزير خارجيتها إنها تدعم المحكمة، وكذلك صدرت تصريحات مشابهة من النرويج والسويد كما من المتوقع أن تعلنه دول أوروبية أخرى.
|في المقابل فقد انتقد الرئيس الأمريكي (المنتخب) جو بايدن القرار، أما مايكل والتز، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، فهدد المحكمة برد قوي عند استلام ترامب منصبه في كانون أول/يناير المقبل، وهو ما فعله قادة ومسؤولو “إسرائيل”.
استخدم منتقدو القرار الحجج المتهافتة نفسها، ومنها أن المحكمة «معادية للسامية» وأن “إسرائيل” دافعت بشكل قانوني عن شعبها، وأن مذكرتيّ الاعتقال «مكافأة للإرهاب».
ينتمي الاتهام بـ«معاداة السامية» إلى منطق مساواة الصهيونية باليهودية، والذي ينزع إلى تحميل يهود العالم مسؤولية أفعال الحكومة “الإسرائيلية” (الإرهابية الصهيونية)، وهو أمر تناقضه نسبة وازنة من “الإسرائيليين” أنفسهم المعارضين لحكومة نتنياهو، أو من اليساريين، أو من التيارات المناهضة للصهيونية، ناهيك عن مجمل شعوب ودول الأرض، كما ظهر ذلك عدة مرات في تصويت الأمم المتحدة على قرارات ضد “إسرائيل”.
أما أن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية واستهداف المدنيين بالقتل والتجويع باعتباره «الحق القانوني لـ”إسرائيل” بالدفاع عن نفسها» فهي حجّة تتفكك تلقائيا، وإذا غضضنا النظر عن وجود اتهامات متعددة لنتنياهو بخرق قوانين من قبل محاكم “إسرائيلية”، فإن وجود 124 دولة موقعة على نظام المحكمة الجنائية الدولية، وكونها المحكمة العليا في مجالات تطبيق القوانين الدولية، وتمثّل الأمم المتحدة، يجعل التشكيك من مصداقيتها إعلانا عن الخروج عن الشرع القانونية الدولية.
بإضافة وصف «مكافأة الإرهاب» إلى «معاداة السامية» و«حق الدفاع عن النفس» يستنفد مسؤولو “إسرائيل” وأمريكا مخزونهم من الحجج البائسة وتبقى التهديدات باستخدام القوة، كما فعل مستشار ترامب للأمن القومي، وكما فعل (الإرهابيّان الصهيونيّان) بتسلئيل سموتريتش وشريكه ايتمار بن غفير، اللذان اقترحا استكمال أجندة ضم الضفة الغربية لـ”إسرائيل”، وحلّ السلطة الفلسطينية.
القرار سيكون فاتحة لصراع كبير على معنى العالم، وعلى الإرث الذي انبنى بعد الحرب العالمية الثانية، وستكون المنظومات السياسية الدولية، من الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، في قلب هذا الصراع الذي سيحدد إن كان العالم قادرًا على حماية هذه المنظومات أم أن القوة الغاشمة لتحالف ترامب ـ نتنياهو ستقوم بدفنها.