مقالات

مقاربات فكرية بين المنطق واللامنطق.. مسؤولية الممسكين بالمؤسسات الحكومية والدينية الجزء (7-10)

أديب الحاج عمر/ لبنان

“المدارنت”..
لقد دخل الغزاة، فكرا وعسكرا، ولمرات عديدة، ولا يزالون، ذلك الباب العريض المفتوح، من دون اختراق السور أو تسلقه، لأنهم، كغزاة، يدفعون الرشوة للحارس ثم يدخلون، رغم وكما نعرف، أن كافة الدول، القوية منها والضعيفة، تنشغل بصرف ملياراتها من أجل بناء ما يحمي ويحفظ حدودها من الهجمات العدوانية.
في الوقت نفسه، تهمل وتغفل عن بناء ذلك الحارس، بناء المواطن الصالح وبناء الإنسان الفرد. وهذا يعني يجب الحفر داخل عقول المواطنين بحثا عن الابداع، عن المواطنة، عن الانسانية، عن.. الخ، بدل حفر الأرض بحثا عن المعادن، فالبشر هم المعادن، وهم طاقة الوطن الوحيدة والتي لا تنضب، فمقياس التقدم العلمي التطويري، مختصر في ما يخرجه الوطن من مستويات علمية ومحصنات ثقافية، وهذه هي القيمة المعرفية والثقافية التي ستحدد مستقبل الدول والأمم. من المفيد جدا أن يكون لدى الدول: نفط وغاز ومعادن، ولكن تبقى بلا فائدة أن لم تستفد منه بطريقة سليمة شريفة.
لا شك أن اصل بناء الأوطان وحمايتها، إنما تبدأ من بناء الإنسان المواطن الذي هو أمانة المؤسسات، اسرة، مدرسة، حكومة، وغيرها، مما له الأثر في الثقافة والتوجيه، حيث يربى ويوجّه محملا بثقافات المواطنة ومخافة الله، في الوطن والمجتمع والأسرة وذاته الخاصة، حيث الانطلاق نحو البناء، بناء الوطن ورسم غده المستقبلي. وهكذا، إن أردت هدم حضارة أمة فعليك بثلاث:
1/ هدم الأسرة، وهذا يعني تغييب دور الام، مثلا، تجعلها تخجل كونها ربّة منزل، وتجهيلها انسانيا، ثم جعلها ناقصة عقل ودين. وإن ذهبت بجعلها صاحبة القرار متجاهلا دور الأب وقوامته. فهذا يعني ذهاب الأسرة إلى التفكك والانحلال، ما يؤدي الى انهيار قواعد القيم والأخلاق.
2/ هدم المناهج التربوية التعليمية، وإضعاف أسس التعليم ومستواه المعرفي، يعني مثلا: الذهاب الى تهميش دور المعلم المربي، والاستهزاء بدوره الاجتماعي التكويني، وتصغير مكانته، مما يؤدي الى خلل بقواعد العلائق بينه وبين تلاميذه، الذين يأخذونه مأخذ استهزاء وسخرية، مما يؤدي الى فقر ونقص على المستوى التعليمي والعلمي، حيث به يبدأ الانهيار، فيموت المريض بين أيادي الطبيب، وينهار البناء أمام المهندس.. الخ. وهكذا، تتحول الدرجات العلمية وشهاداتها إلى نوع من البزار التجاري العفن.
3/ استبعاد المتميزون من الأفراد وهدم القدوة الصالحة، حيث تولٍد القادة، فيعملون على الطعن بملكات ما يتحلّون به من مواصفات القدوة التي تاأخذهم إلى موقع القادة، ويقللون من شأنهم وادراكهم، ثم يشككون بوطنيتهم باضعاف مفاهيمهم النضالية، إلى جانب إضعاف الثقة اؤلاءك المؤيدون والمريدون.
هذه العوامل السلبية الثلاث، تهزّ أركان الحضارة، هدما وتخلفا، إذ أن محو الام الواعية ودورها الفاعل، تربية وتوجيها، في بناء الرجال القدوة، وايضا، بناء وأخوات الرجال، علما واخلاقا. واما انعدام فعالية دور المعلم المربي، وفاء واخلاصا، يحوٍّل المؤسسات التعليمية إلى أن تخرج اصنافا من الفاسدين المفسدين، إلى جانب فقدان الرجال القدوة الصالحة والمصلحة، ممن يزرعون الفضيلة الخير والامل لمستقبل زاهر.
ويبقى الجواب لسؤال من يربّي النشء ويرعاه في زرع بذور الوعي الوطني السوي على أسس من القيم والأخلاق؟ لا شك أن من يتحمل اوزار ذلك الانحلال القيمي وذلك الهبوط الفكري الاجتماعي، إنما أولائك، هم المسؤولون الحاليون المتسلطون وما يكنزون من نفوس مريضة، جلّ همهم تحقيق الأنا وما ينسحب عنه من مصالح خاصة على حساب ثروة الوطن وانتهاك حرمة شعبه، من حقوق العيش الكريم. أولئك المسؤولون الذين يديرون المؤسسات العامة، حكومية أو دينية، بكل ما تحمله من إشكاليات وأزمات، يعملون من دون معالجة، إنما يزيدون المشكل أشكالا، لأنهم دونيون لا ياأبهون إلا التمسك بما يكسبونه جراء وجودهم في موقع السلطة والمسؤولية. لذلك تراهم يستميتون من أجل لقاءهم على رأس مواقعهم السلطوية، جاعلين منها داء بلا دواء ولا شفاء. فلا تأملوا منهم خيرًا، إنما التجذر في التخلف وزيادة بلاء. وهكذا تنهار الحضارات وتسقط المبادىء والشعارات.
لقد ذهب المسؤولون من أبناء الامة إلى تطبيق نظرية: “الرزق السايب بعلم الناس الحرام”. نظرية اجتماعية خاصة بعلم الجريمة، والتي تعمل على أن الاهمال في معالجة المشكلات، مهما كان نوعها، سيؤثر سلبا وضياعا وهدرا، في مواقف الناس وتصرفاتهم. ونحن كشعوب، زرعوا فينا اللامبالاة واللامسؤولية، لأنهم كمسؤولين يقدمون ما يحملون من مواصفات.
لقد تركنا حق الشروع في الدفاع عما نملك، نظريا وماديا، ذلك ردة فعل لما يمارسونه أولئك المسؤولون من حماية ما يرمونه من جماعات معاكسة ضالة، تزرع الفوضى والتعديات لصالح أولئك المسؤولون. مما أدى إلى استسهال أمر الاعتداء على كرامة الشعوب، الوطنية والاجتماعية، والأسرية والفردية، ايضا، مما زاد الطين بلة في اللامسؤولية، والسبب طغيان اللامنطق في ممارسة القيم والعدل والحقوق والواجبات، إذ حولوا الظلم في المعاملات، والباطل في اغتصاب الحقوق، إلى مشاريع تقنية يعمل بها ضعاف النفوس من أبناء الوطن، برعاية مسؤولو المؤسسات، الحكومية والدينية، من دون أن يرف لهم جفن. وهكذا أصبحت الشرائع السماوية، والقوانين الوضعية، شرائع غاب تتحكم بها أنياب المتسلّطين من ابناء الوطن.
المشكلة تتوالد مشكلات، وتنهار المؤسسات، وتعمّ الفوضى وتزدهر السرقة والاغتصاب، ويصبح النصب والاحتيال، فخر واعتزاز، فيختال اللصّ ماشيًا.
أما لو سلكنا مسلك العلاج، من دون تأخير وبطريقة سليمة، لأدى إلى توفير بيئة أفضل واستجابة سلوكية إيجابية حسنة، آخذين مبدا تلك النظرية، ببساطة وتروّي من دون علل. مثال: اترك، في حيّ سكني، أبواب سيارتك مفتوحة، ما النتيجة؟ اترك زجاج نافذتك مكسور، أو اترك مدخل بيتك مخلوع! كل شيء سيتحول إلى العبث والفوضى والسرقة.. الخ، والواقع الذي نعيش واضح للعيان، حيث أولئك المتربعون على كراسي المسؤولية، من صغيرهم إلى كبيرهم، يمثلون المشكلة نفسها، والإجرام عينه. فهم رعاة الجريمة في الهدم والتدمير، دينيون ومدنيون.
هذه النظرية قلبت الموازين الاجتماعية، وغيرت طريقة تطبيق القوانين، في الوطن والمجتمع، في الإدارة والحكومة، فكان حصاد الانحلال القيمي الاجتماعي، وحصاد ضياع الوطن والتقاط الأنفاس الاخيرة.
وقبل أن يتم الهلاك، فالتصحيح ممكن ووارد، عن سبل الأخذ بالقوانين وتشريعاتها، والأخذ بالعدل الإلهي تحقيقا للامر والنهي. فيتحقق العدل الاجتماعي، ويحسن أحوال الناس، مما يدفعهم الى الإسهام في الحفاظ على الإنجازات الحضارية، جرّاء تحقق القيم الإنسانية في ذوات الأفراد والجماعات. وبهذا الأسلوب السليم يرتفع مستوى الأمن المحلي والوطني، ويتحول الإفساد والفساد إلى أمن وجمال وينعدم التعدي والإجرام، وتتجه الأمور العملية إلى تطوير العمل ورفع مستوى الإنتاجية، وإلى تحسين التقنية الإدارية في التنفيذ والتوجيه. وعلى هذه الأسس ترتقي الأوطان والأمم مستوى العالمية على كافة الصعد الحياتية عامة.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى