“ملائكة الرداء الأزرق”.. ممرضو إيران يواجهون القمع والعنف!
خاص “المدارنت”
أشارت “المقاومة الإيرانية، في بيان، الى أن “ممرضي غيران، الذين يُطلق عليهم عن حق “ملائكة الرداء الأزرق”، يخدمون في الخطوط الأمامية لرعاية المرضى بتفانٍ وتضحية. لكن هؤلاء الأبطال في مجال الصحة، في ظل نظام ولاية الفقيه، لا يواجهون فقط ظروف عمل مرهقة وأجوراً زهيدة، بل يتعرضون أيضاً للقمع والتهديد وحتى العنف الجسدي. التقارير الأخيرة، بما في ذلك تصريحات محمد شريفي مقدم، الأمين العام لمنظمة “بيت الممرض” (خانه پرستار)، لوسيلة الإعلام الحكومية “ديدبان إيران” في 21 أيار/مايو 2025، تكشف عن عمق هذه المأساة: ممرضون يتجمعون للمطالبة بحقوقهم الأساسية، فيواجهون الاستدعاءات وتلفيق القضايا وحتى الضرب. في هذا التقرير، نتناول قمع الممرضين في إيران وجذور هذه الأزمة بلغة إعلامية ومنهج تحليلي.
قمع للممرضين واعتداءات بالضرب
وفقاً لتقرير “ديدبان إيران”، أفاد محمد شريفي مقدم، الأمين العام لمنظمة “بيت الممرض”، بالضغوط المتزايدة على الممرضين المحتجين. يقول: “يتم استدعاء الممرضين، بسبب مشاركتهم في تجمعات مهنية ويتعرضون للضغط. نشهد كل يوم تعاملاً مهيناً وحتى عنفاً جسدياً”. وفي مثال صادم، أشار شريفي مقدم إلى حالة ممرضة تعرضت لكسر في الأنف وإصابات في الوجه جراء تعرضها للضرب من قبل قوات الأمن الداخلي، لكن المعتدي أُطلق سراحه بسبب انتمائه إلى المؤسسات الأمنية. هذه الحادثة لا تُظهر فقط العنف ضد الممرضين، بل أيضاً إفلات مرتكبي هذا العنف من العقاب في ظل نظام ولاية الفقيه.
هذا القمع لا يقتصر على العنف الجسدي. فبناءً على التقارير، تم استدعاء ممرضين محتجين في مدن مختلفة، بما في ذلك كرمان، وكرمانشاه، ومازندران، والبرز، إلى هيئات المخالفات الإدارية بسبب مشاركتهم في تجمعات مهنية. وفي بعض الحالات، واجهوا تهديدات بالفصل، أو النفي الوظيفي، أو التوبيخ الكتابي وغير الكتابي. هذه الممارسات، التي أدانتها حتى منظمة العمل الدولية باعتبارها انتهاكاً لحقوق العمال، هي جزء من سياسة ممنهجة لوزارة الصحة لإسكات صوت الممرضين.
مطالب مشروعة وردود غير مشروعة
يناضل ممرضو إيران منذ سنوات من أجل مطالبهم الأساسية، بما في ذلك التنفيذ الكامل لقانون تعرفة الخدمات التمريضية، ووقف العمل الإضافي الإجباري، وتحسين الظروف المعيشية. لكن بدلاً من الاستجابة، يواجهون القمع. أكد شريفي مقدم في حديثه مع وسائل الإعلام أن هذه الممارسات، بما في ذلك استدعاء حوالي 60 ممرضاً في كرمان وعدد آخر في كرمانشاه، هي جزء من سياسة وزارة الصحة لقمع المطالب القانونية.
في مدن مثل شيراز، ويزد، وإيلام، ومشهد، حاول الممرضون إيصال صوتهم من خلال تجمعات سلمية أمام المستشفيات أو المؤسسات الحكومية. لكن رد النظام لم يكن التفاوض وحل المشكلة، بل التهديد، وتلفيق القضايا، وحتى الفصل. ووفقاً لشريفي مقدم، فإن الممرضين المتعاقدين والعاملين بنظام الشركات، الذين يتمتعون بأمان وظيفي أقل، هم الأكثر استهدافاً بهذا القمع.
العنف في بيئة العمل
إهانات لفظية وإعتداءات جسدية
العنف ضد الممرضين لا يقتصر على التجمعات المهنية. تشير الدراسات إلى أن الممرضين في بيئة العمل يواجهون أيضاً عنفاً لفظياً وجسدياً من قبل المرضى ومرافقيهم، وحتى من قبل الأطباء ومديري المستشفيات. أظهرت دراسة حكومية في إيران أن 96% من الممرضين تعرضوا للعنف مرة واحدة على الأقل خلال مسيرتهم المهنية، وكان العنف اللفظي هو النوع الأكثر شيوعاً.
في أقسام الطب النفسي، يزداد هذا العنف حدة، حيث يتعرض الممرضون لخطر دائم بسبب نقص الكوادر، وغياب مرافق السلامة، وعبء العمل الثقيل. هذه الظروف، المصحوبة بالتعامل المهين من قبل المديرين والمؤسسات الأمنية، فاقمت من الإرهاق الوظيفي والمشاكل النفسية والعاطفية بين الممرضين.
تُعد حالة الممرضة التي تعرضت للضرب على يد قوات الأمن الداخلي مثالاً صادماً على هذا العنف الممنهج. هذه الحادثة لم تلحق الأذى الجسدي بالممرضة فحسب، بل عطلت أيضاً حياتها المهنية بعد أن مُنع زوجها من مواصلة عملها. إن إفلات القوات الأمنية من العقاب يرسل رسالة واضحة للممرضين: “احتجاجكم سيُقابل بتكلفة باهظة“.
الهجرة والهروب من جحيم العمل
دفع القمع وظروف العمل اللاإنسانية الممرضين إلى الهجرة أو تغيير المهنة. أفاد شريفي مقدم بأن حوالي 3000 ممرض يهاجرون من إيران سنوياً، بينما يلجأ آخرون إلى مهن مثل قيادة سيارات “سنب” (أوبر إيران) التي تدر دخلاً أكبر من التمريض. وأكد أن الأجر الزهيد البالغ 20 ألف تومان للساعة مقابل العمل الإضافي للممرضين، مقارنة بالدخول الأعلى في مهن أخرى، لم يترك لهم أي حافز لمواصلة العمل.
تحدث موجة الهجرة هذه في وقت تواجه فيه إيران نقصاً حاداً في الكوادر التمريضية. أعلن عباس عبادي، مساعد وزير الصحة لشؤون التمريض، في عام 1402 (2023-2024)، عن نقص يبلغ 100,000 ممرض، لكن سياسات النظام القمعية فاقمت هذه الأزمة. الممرضون الذين يبقون يواجهون تهديدات بالفصل والإيقاف عن العمل، بينما المستشفيات على وشك الانهيار بسبب نقص الكوادر.
جذور القمع: نظام ولاية الفقيه وأولوياته
إن قمع الممرضين هو جزء من السياسة العامة لنظام ولاية الفقيه للحفاظ على السلطة بأي ثمن. هذا النظام، الذي يرى في المطالب المهنية تهديداً لسلطته، يلجأ إلى أدوات القمع بدلاً من حل المشكلات. من الاستدعاء إلى هيئات المخالفات وتلفيق القضايا إلى العنف الجسدي على يد قوات الأمن الداخلي، كلها تشير إلى نهج يقمع الاحتجاجات القانونية بأدوات غير قانونية.
لم تتمكن التنظيمات المهنية الصورية، مثل تلك التي تسيطر عليها الحكومة في مجال التمريض وحتى “بيت الممرض” نفسه بدرجة ما بسبب الضغوط، من أن تكون ممثلاً حقيقياً لمطالب الممرضين، هذا القصور جعل الاحتجاجات تتخذ طابعاً عفوياً ومتفرقاً، مما يجعلها هدفاً سهلاً للقمع.
يواجه ممرضو إيران، الذين ينقذون أرواح المرضى بتفانيهم، الإذلال والتهديد والعنف في ظل نظام ولاية الفقيه. من الاستدعاء إلى هيئات المخالفات وتلفيق القضايا إلى الضرب على يد قوات الأمن الداخلي، أصبح هؤلاء “الملائكة ذوو الرداء الأزرق” ضحايا للسياسات القمعية لـ”خفافيش الولاية”.
نظام خامنئي، الذي لا يطيق حتى الصوت القانوني للممرضين، لا يعرض صحة المجتمع للخطر من خلال قمعهم فحسب، بل يفاقم أيضاً أزمة نقص الكوادر البشرية في المستشفيات. إذا استمر هذا الاتجاه، فإن هجرة الممرضين وانهيار نظام الرعاية الصحية لن يكونا سوى جزء من الإرث المشؤوم لهذا النظام. لقد حان الوقت ليقف المجتمع لدعم هؤلاء الأبطال الصامتين في وجه القامعين. وقفة ومقاومة تمهد طريق الانتفاضة والإطاحة بهذا النظام الفاشي.