من «المعمداني» إلى «مار جرجس»: رسائل “إسرائيل” الى المسيحيّين!
“المدارنت”..
أعادت “إسرائيل”، باستهدافها مشفى المعمداني، أمس، تذكير العالم بمجزرتها المهولة التي ارتكبتها في 17 تشرين أول/أكتوبر 2023 (أي بعد عشرة أيام من انفجار الحرب الأخيرة في قطاع غزة) في الموقع نفسه، والتي أدت إلى استشهاد أكثر من 500 نازح فلسطيني كانوا يحتمون حينها بالمنشأة الطبية الرئيسية في مدينة غزة، وأحد أقدم المشافي في القطاع (تأسس عام 1882) إضافة إلى طبيعته الدينية، باعتباره يتبع الكنيسة الأسقفية الأنغليكانية في القدس. كانت الرسالة المتقصّدة من ذلك القصف حينها وقف المحادثات المستعجلة التي بدأت بين الإدارة الأمريكية والزعماء العرب لوقف الحرب، كما كانت إحدى الرسائل الأولى الموجهة للعالم، وللغرب خصوصا، بأن لا خطوط حمراء ستوقف إسرائيل عن انتقامها الوحشي ضد الفلسطينيين.
استهدفت الغارة الجديدة لإسرائيل بصاروخين مبنى في «المعمداني» من طابقين يضم قسم الجراحة ووحدة العناية المركزة، وقسم الطوارئ والاستقبال، ومصنع الأوكسجين، وبذلك أصبح المشفى، حسب تقارير إعلامية، «خارج الخدمة».
ألغت الكنائس في فلسطين المظاهر الاحتفالية بكافة الأعياد منذ انطلاق الحرب على قطاع غزة، واقتصرت أعيادها على إقامة القداديس والصلوات والشعائر الدينية، وقد اختارت إسرائيل الهجوم في يوم مقدّس للكنائس المسيحية الشرقية والغربية هو «أحد الشعانين» (الأحد الأخير قبل عيد الفصح، وذكرى دخول المسيح إلى مدينة القدس) ولكي تكون رسالتها لا لبس فيها فقد حرمت الآلاف من المواطنين الفلسطينيين المسيحيين من الضفة الغربية من الوصول إلى مدينة القدس المحتلة للمشاركة في أداء الطقوس الدينية للعيد.
امتدّت الرسائل الإسرائيلية ضد المسيحيين إلى لبنان حيث قام جيش الاحتلال، أمس الأحد، بهدم تمثال مار جرجس في بلدة يارون المسيحية في الجنوب، وهو فعل لا يمكن أن يُفهم إلا في السياق السياسي ـ الديني المذكور، ويمكن اعتبار زيارة مبعوث بابا الفاتيكان، الأسقف الإيطالي للكنيسة الكاثوليكية باولو بورجيا مع كاهن لبناني، في اليوم نفسه، إلى مبنى دمره الجيش الإسرائيلي في بلدة الخيام الجنوبية شكلا من أشكال الرد الرمزيّ للمسيحية الغربية على التغوّل الإسرائيلي ضد الوجود التاريخي للمسيحيين في المنطقة العربية.
يمكن اعتبار ما تقوم به إسرائيل جزءا من استكمال إسرائيل استراتيجية «إبادة» القطاع الصحي في القطاع، فقد دمرت عمدا 34 مشفى وأخرجتها عن الخدمة، وخصوصا بعد مجزرة طاقم المسعفين (تبيّن أمس أن الناجي الوحيد بينهم تم اعتقاله أيضا) لكن الواضح أن إسرائيل أرادت بالهجوم، على المعمداني، وبإعاقة وصول مسيحيي الضفة إلى القدس، وبهدم تمثال مار جرجس في لبنان، إيصال رسائل «سياسية» و«دينية» أخرى توسّع معاني هجومها لتحمل معاني الاستئصال لعموم الفلسطينيين، مسلميهم ومسيحييهم، كما بتهديد مسيحيي الشرق عموما، واستدخال ذلك في السياق العالمي الذي دشّنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يقسم العالم بين دول مفترسة وأخرى ضعيفة يمكن استباحتها وافتراسها، مع التأكيد على مكانة إسرائيل في هرم «البقاء للأقوى» وخصوصا أمام الدول الأوروبية.