عربي ودولي

من يصمم “اليوم التالي”.. “مِنصّة حماس” أم خطة ترامب أم المبادرة المصرية؟!

ترامب

“المدارنت”..
“نحن اليوم التالي”، الشعار الرئيس الذي كتب على منصة تحرير المخطوفين الثلاثة السبت الماضي. ليس هناك تعبير آخر كـ“اليوم التالي”، يجسد الفجوة الواسعة بين الأفكار السائدة في إسرائيل منذ بداية الحرب، والواقع عملياً، وكذا الميل لخلق خيالات بدلاً من التصدي لوضع مركب، وفي الغالب غير متفائل.
التصور السائد في إسرائيل حول اليوم التالي هو “غزة بلا حماس”. أو على الأقل بلا حكم الحركة. يدور الحديث عن تصور نقي يعكس أماني ويفتقد لتفسير كيف ومتى يمكن تحقيق الهدف وما احتمال تحقيقه. عملياً، كما يتضح منذ وقف النار (بل وقبله)، ثمة واقع مغاير تماماً: حماس هي الجهة السائدة في غزة، رغم الـ 15 شهراً من القتال تعرضت فيها لضربات غير مسبوقة، فإنه لا بديل عنها ولا يتطور أيضاً احتجاج جماهيري ضدها.
هذا وضع محبط للإسرائيليين. يدور الحديث عن عدم تحقيق هدف الحرب الأول: القضاء على حماس. صحيح أن المنظمة فقدت من قوتها، بخاصة العسكرية، لكنها ما زالت مسيطرة على كل مستويات الحياة، بما في ذلك التعليم الذي يسمح بمواصلة غسل عقول الفلسطينيين. إسرائيل، وعن حق، توجهت لتحقيق الهدف الثاني، تحرير المخطوفين، انطلاقاً من فهم يقضي بأن القدرة على تحقيق الهدفين معاً وهم، ومعناه استمرار حرب استنزاف عديمة الحسم في ظل تقليص الاحتمال لتحرير المخطوفين.
من الحيوي إجراء بحث واع حول اليوم التالي: أولاً، مطلوب تحديد الخيالات – الأفكار التي تعرض ظاهراً كإبداعية لكنها عملياً غير قابلة للتحقق، والانشغال بها قد يحدث الضرر. في هذا السياق تبرز اعتقادات بأن حماس ستوافق على مغادرة غزة، مثلما فعل عرفات في لبنان في 1982، أو نزع سلاحها والتحول إلى حزب سياسي أو حركة اجتماعية (فكرة “نشوء وارتقاء المنظمة”، الذي شكل أساساً مركزياً في مفهوم 7 أكتوبر) أملا بأن تسيطر السلطة من جديد على القطاع أو أن تأخذ قوة عربية أو دولية عنه الملكية، والأماني تطوير احتجاج جماهيري ضد حماس يهز حكمها أو العمل على نزع تطرف الغزيين من خلال هندسة وعي خارجية. الخيال الأكثر حداثة هو بالطبع رؤية ترامب بشأن “غزة بلا غزيين” وإقامة “ريفييرا شرق أوسطية”، بدلاً منها.
عملياً، هناك إمكانيتان فقط لليوم التالي: الأولى، السيطرة على غزة كلها الآن، في ظل توجيه ضربات قاضية لمنظومات حماس (عسكرية ومدنية)، مع البقاء في المنطقة ومحاولة تطوير بديل محلي. من جهة، الأمر كفيل بأن يسمح بـ “غزة بلا حماس”، لكن من جهة أخرى، ينطوي على تخل عن المخطوفين (لا احتمال بتحريرهم في أثناء حرب إبادة تدرك فيها حماس قرب نهايتها)، وذلك إلى جانب الحاجة لتخصيص مقدرات وقوات كبيرة للسيطرة والبقاء، ومراحل ستترافق، وتهديدات إرهاب وعصابات متواصلة، ومسؤولية مدنية على مليوني غزي، وعلى ما يبدو أيضاً احتكاك مع الساحات العربية والدولية.
 الإمكانية الثانية هي فحص المبادرة التي تطرحها مصر لإقامة حكم بديل في غزة، يقوم على أساس مندوبين عن السلطة وجهات مستقلة. يجب أن نكون واعين: صحيح أن حماس لن تكون الحاكم الرسمي في القطاع، لكنها ستؤثر من خلف الكواليس على عموم المجالات، واحتمال الموافقة على نزع سلاحها طفيف. لقد وافقت حماس على هذا المنحى قبل بضعة أشهر، ويعمل العالم العربي الآن على تحققه بنشاط، بأمل أن يرضي ترامب الذي لعله يرى فيه تحقيقاً بهدف “غزة بلا حماس”، ويكون بذلك مستعداً لترك رؤيته لترحيل الغزيين وإسكانهم في مصر والأردن.
هذا الوضع لن يكون مرضياً، وينبغي التعاطي معه كحل مؤقت، لكنه أفضل من باقي البدائل. ستكون إسرائيل مطالبة بثلاثة مبادئ عمل في مثل هذا السيناريو:
– أعمال فورية وحازمة ضد أي تهديد أمني يطل في غزة (الاستعداد لأي عملية تهريب سلاح، أو بناء بنية تحتية عسكرية).
– رقابة أمريكية، بخاصة في محور فيلادلفيا إلى جانب فرضية أن حماس ستسعى للتهريب، وبأن الإنفاذ لن يكون محكماً.
– عدم التدخل في الإعمار، العملية التي معناها تثبيت المعادلة، التي تشن حماس بموجبها حرباً تخرب فيها غزة، ثم يأتي العالم بعدها لإعمارها حتى موعد المواجهة التالية. غزة ما بعد الحرب قد تكون تحت نفوذ حماس، لكنها ضعيفة وسكانها بلا أفق اقتصادي.
الفرضية الأساس الواجبة هي أن حماس ستسعى إلى المس بإسرائيل وغرس رؤية إبادتها في الجمهور الغفير، الأمر الذي لن يسمح بالتعايش أو التسوية. خليل الحية، نائب السنوار، عبر عن الأمر في إعلان الأسبوع الماضي: “الحرب التي انتهت هي مقدمة لتحرير فلسطين وإبادة إسرائيل”.
ستضطر إسرائيل إلى خطة بعيدة المدى بهدف تغيير الواقع في غزة من أساسه. ستكون المسيرة المركزية تلك الوسيلة المحملة بالمصائب الآن: أي السيطرة على كل غزة، ضربة عميقة لحماس، وجود في المنطقة ومحاولة إقامة بديل محلي. كل هذا، دون العمل على استئناف الاستيطان في المنطقة أو إفراغها من الفلسطينيين. خطة استراتيجية كهذه ستكون مطلوبة في السنوات القريبة القادمة، وتستوجب تخطيطاً دقيقاً (لم يكن في 7 أكتوبر)، جمع المقدرات، وتجنيد الشرعية من الداخل والخارج. خطوة على مستوى تاريخي كهذه ظروفها الاستراتيجية غير قائمة لتنفيذها الآن، لكن لا مفر من تنفيذها في المستقبل.

المصدر: ميخائيل ميلشتاين/ “يديعوت أحرونوت” العبرية
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى