موجة نزوح كثيفة جراء العدوان.. وصعوبات جمّة تواجه النازحين في لبنان!
“المدارنت”..
يشهد لبنان موجة نزوح غير مسبوقة في تاريخه الحديث، أوضحت مؤشراتها الوقائع والبيانات الحكومية، حيث نزح ما يقارب المليون شخص من أماكنهم، نتيجة العدوان “الإسرائيلي” (الإرهابي الصهيوني”، المتواصل، مما يزيد تفاقم الأزمة الإنسانية في بلد يبلغ تعداد سكانه حوالي ستة ملايين نسمة.
وينذر هذا الوضع بكارثة إنسانية قد تكون الأعنف، ويزيد من التكهنات حول “سيناريوهات” أكثر سوءاً في المستقبل، وفي خضم هذا السياق، اللاجئون الفلسطينيون في لبنان الذين يعتبرون الشريحة الأضعف والأكثر هشاشة معيشية وقانونية، في ظل نسب فقر فاقت 90% في صفوفهم بحسب أرقام وكالة “أونروا”.
رئيس حكومة تصريف الأعمال (اللبنانية) نجيب ميقاتي، أشار إلى أن عدد النازحين قد يصل إلى مليون شخص، مؤكداً أن هذه العملية قد تكون الأكبر في تاريخ لبنان.
إلا أن ما يواجهه الميدان يفوق توقعات الحكومة، مع أعداد متزايدة من العائلات التي تجبر على الفرار من منازلها، خصوصاً في مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، التي تتعرض لقصف “إسرائيلي” تصاعد إلى مستوى العدوان الشامل منذ الاثنين 23 أيلول/ سبتمبر الفائت، بعد عدوان محدود على مناطق الجنوب وبعض الاختراقات في العمق منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 الفائت.
المخيمات الفلسطينية تفتح أبوابها أمام النازحين
في ظل هذا الواقع المأساوي، فتحت المخيمات الفلسطينية أبوابها لاستقبال النازحين، حيث لجأ البعض إلى المدارس التي جهزتها وكالة “أونروا” كمراكز إيواء، بينما استأجر آخرون منازل، أو لجأوا إلى بيوت الأقارب والأصدقاء.
وتضامنت بعض العائلات اللبنانية والفلسطينية في استضافة النازحين في مبادرات إنسانية تُظهر الدعم والتضامن في وجه العدوان.
الحالة الإنسانية تتفاقم في المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث يتحدث النازحون عن مشاعر الخوف والذعر التي رافقتهم في طريق الهروب، فيما لا يميز القصف بين مدنيين وسواهم، وسط حالة من الهول والصدمة والذعر، تختلط بمشاعر الغربة والحنين يعيشها النازحون.
إحدى الأمهات التي نزحت من الجنوب، قالت لـ”بوابة اللاجئين الفلسطينيين”: “ما لحقنا نجيب تياب معنا، ولا أي غرض، طلعنا بالتياب يلي علينا”.
نازحة أخرى من بلدة حاروف في جنوب لبنان، تقيم في مخيم البداوي في طرابلس شمال لبنان، مع إحدى العائلات التي استضافتها في منزلها قالت لموقعنا: إن لديها من الأطفال ثمانية والعائلة التي لجأت إليها منزلها صغير جدا، وبكت وهي تصف معاناتها، مؤكدة أنها لا تعرف إلى أين تتجه بعد أن لجأت مع أطفالها الثمانية إلى منزل صغير استضافتها فيه إحدى العائلات.
في المقابل، تحدث أحمد جميل أبو إسماعيل، نازح فلسطيني سوري من مخيم اليرموك، عن رحلته من صيدا إلى مخيم البداوي، وقال: إن القصف العنيف والشديد الذي طال صيدا دفعه للنزوح مع عائلته “زوجته وأطفاله الثلاثة” إلى مخيم البداوي، لافتاً إلى أن إيجارات المنازل أصبحت باهظة جداً، ويُطلب منه دفع ثلاثة أشهر مسبقاً، وهو مبلغ لا يستطيع تأمينه.
ونازحة أخرى من مخيم البرج الشمالي بجنوب لبنان لجأت إلى مركز إيواء في مخيم نهر البارد بعد أن قضت ليلة عند عائلة في المخيم، وبدأت بالبكاء وهي تتحدث عن زوجها الذي رفض مغادرة المخيم، فيما هي الآن مسؤولة عن طفلتيها اللتين نزحتا معها.
الشاب نديم من تجمع جل البحر بصور لفت إلى الصعوبات التي واجهها عند وصوله إلى الشمال بسبب العنصرية، ما دفعه إلى الانتقال إلى مخيم نهر البارد، حيث تلقى الدعم والمساعدة من أهالي المخيم الذين لم يميزوا بين فلسطيني ولبناني وسوري، مؤكداً تضامنهم جميعاً في مواجهة العدوان.
معاناة يومية في أماكن النزوح
النازحون يواجهون تحديات يومية تتمثل في نقص الماء والكهرباء والدواء، بالإضافة إلى الأوضاع النفسية الصعبة التي يعانونها جراء ترك منازلهم.
وعلى الرغم من وجود مراكز إيواء تديرها وكالة “أونروا”، يعاني النازحون المقيمون في المنازل من نقص في المساعدات، حيث تقتصر الإغاثة المقدمة من الوكالة على مراكز الإيواء فقط.
ورغم هذه المعاناة، يبقى الأمل قائماً لدى النازحين الذين يتابعون إنجازات المقاومة في لبنان، ويؤكدون دعمهم المستمر لها، فيما يتحدث الأطفال في مراكز الإيواء عن أهوال الحرب، ويعبرون عن رغبتهم في العودة إلى منازلهم، كما تقول الطفلة مريم من النبطية: “ننتظر بفارغ الصبر انتهاء العدوان والعودة إلى منزلنا”.
ولفتت الطفلة إلى أنهم لاقوا ترحيبا كبيرا من أهالي المخيم عند وصولهم، وأمنوا لهم جميع مستلزماتهم. أما الطفلة حميدة من النبطية بلدة كفر رمان تقول “رغم كل شي عم يعملوه، نحنا فدا فلسطين ولبنان”.
“الأونروا” تستجيب للأزمة
وفقاً للمتحدث باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” في لبنان، فادي الطيار، فإن الوكالة فتحت تسعة مراكز إيواء، تستضيف حوالي 3,350 نازحاً حتى نهاية سبتمبر 2024.
وأكد الطيار لـ”بوابة اللاجئين الفلسطينيين”، أن المراكز جميعها مجهزة بوحدات صحية، وبمراحيض إضافية ووحدات استحمام وإنارة وخزانات وقود أو أنظمة ألواح شمسية، كما تم تزويد المراكز بالمواد الأساسية من فرش وبطانيات ووسائد ومستلزمات نظافة، وتوجد صيدلية وعيادة طبية في مركز الإيواء في مركز تدريب سبلين، كما سيتم تجهيز مطابخ تديرها الأونروا لتأمين الغذاء للنازحين.
ورغم الجهود المبذولة، فقد تم استثناء مخيم البداوي في الشمال وبعض المخيمات في صور من خطط الإيواء، فيما تعتمد هذه المخيمات على مبادرات فردية لتأمين مستلزمات النازحين. كما فعلت “أونروا” استجابتها الطارئة للاستشفاء، والتي تغطي الجرحى المدنيين في المستشفيات المتعاقد معها وفق الأسعار المحددة مسبقا، لافتة إلى استمرار عملياتها الإنسانية في لبنان، بما في ذلك الخدمات الصحية الأساسية وإزالة النفايات، رغم الظروف الصعبة.
مديرة شؤون “أونروا” في لبنان، دوروثي كلاوس، أشادت بجهود موظفي الوكالة في تقديم الدعم خلال هذه الفترة العصيبة، مشددة على أن الوكالة تواصل تقديم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين والنازحين دون تمييز.
نداء عاجل لدعم النازحين الفلسطينيين في الجنوب
من جانبها، أصدرت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان “شاهد”، بياناً، طالبت فيه “أونروا” بإطلاق نداء طوارئ عاجل لتوفير السلع الغذائية والوقود للمخيمات جميعها في لبنان، لا سيما في منطقة صور.
كما طالبت بفتح العيادات الطبية وتوفير خدمات الرعاية الصحية في المخيمات، مع العمل على إزالة النفايات أو رشها بالمبيدات الحشرية كإجراء مبدئي في حال تعذر إزالتها ونقلها من المخيم.
وقالت “شاهد” في بيانها، إنه رغم اختيار “أونروا” مراكز إيواء في سبلين وكفربدا والقاسمية، فقد تعرض محيط مدرستي المنصورة والحولة الواقعتين في كفربدا والقاسمية لغارات جوية عنيفة تسببت في تحطيم زجاجها وتضرر مبانيها، مما جعل وصول النازحين إليها صعبا بسبب خطورة الطرق.
الاستجابة الإنسانية الدولية
أطلق برنامج الأغذية العالمي عملية طارئة لتقديم المساعدات الغذائية لما يصل إلى مليون شخص تضرروا من التصعيد في لبنان. وذكر البرنامج أنه يحتاج إلى 105 ملايين دولار بشكل عاجل لاستمرار عملياته حتى نهاية العام، داعياً المجتمع الدولي إلى تعبئة الموارد لدعم الاستجابة الإنسانية.
ويقوم برنامج الأغذية العالمي، بتوزيع حصص غذائية جاهزة للأكل وخبز ووجبات ساخنة وطرود غذائية، بالإضافة إلى مساعدات نقدية للأسر النازحة.
من ناحيتها، أشارت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة “كاثرين راسل” في بيان إلى أن ما لا يقل عن 80 طفلا فقدوا حياتهم، وأصيب المئات الأسبوع الفائت جراء العدوان المتواصل على لبنان.
وأعربت “يونيسيف” عن قلقها البالغ إزاء التدهور السريع للوضع الإنساني في لبنان، مشيرة إلى أن عدد النازحين تجاوز المليون شخص، من بينهم أكثر من 300 ألف طفل يعيشون حالياً في ظروف صعبة، سواء في الشوارع أو في الملاجئ.