مقالات

مَن أسقط الأسد؟!

“المدارنت”..
نشرت صحيفة “معاريف الإسرائيلية”، تقريرا جديدا، قالت فيه “إن العالم استيقظ يوم الأحد 8 ديسمبر الجاري على واقع جديد في الشرق الأوسط، إثر انهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد”، مشيرة إلى أنّ ذاك الانهيار كان «دراماتيكيا سريعا». أشار التقرير إلى أن ما أدى إلى تسريع انهيار نظام الأسد، كان بلا شكّ تأثر حزب الله الشديد نتيجة العملية العسكرية الإسرائيلية، التي بدأت قبل نحو شهرين بالهجوم على أجهزة «البيجر» و»اللاسلكي» التابعة للحزب، ومن ثم اغتيال أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله، خلال شهر سبتمبر الماضي، بالإضافة إلى قيادات أخرى في صفوف الحزب.

مما لا شكّ فيه، أن التقرير أصاب في قراءته، لاسيما وأن حزب الله تراجعت قوته كثيرا بعد حرب الستين يوما عليه من قبل إسرائيل، إذ لو كان السيد على قيّد الحياة لاعاد استخدام عبارته «لو كنت أعلم لما دخلنا الحرب»، حيث تلقى الحزب ضربات موجعة في الصميم، على الصعد كافة، لاسيما العسكرية والتنظيمية وحتى المالية، الأمر الذي أفقده القدرة على المبادرة لحماية نفسه قبل حماية الآخرين.

نظام لم يكن ليستمر طويلا، لاسيما بعدما أفرغ من مضمونه، وأصبح هيكلا من ورق، لهذا لم يعد السؤال من أسقط الأسد، لأن المرحلة المقبلة ستبقى مرحلة تحديات لما بعد الأسد

شكلّ الحزب منذ دخوله الحرب السورية تحت ذريعة «حماية المقدسات الدينية» في 25 مايو 2013، عقبة أمام الفصائل السورية المعارضة، وعمل على مهاجمتها ونعتها بالإرهاب، لهذا وقف إلى جانب النظام في سوريا، ودافع عنه في حربه الطويلة، واستطاع أن يجعل من سوريا ممرا آمنا لتمرير السلاح الإيراني وتخزينه في أرض لبنان. لم يكن يدرك حزب الله مدى الإصرار الأمريكي الإسرائيلي على تحجيم دوره، بعد دخوله في حرب إسناد حركة حماس في غزة، تحت شعار «وحدة الساحات». لهذا سارت الرياح بما لا تشتهيه سفنه، حيث ظنّ أنه قادر على فرض معادلة الردع على إسرائيل، بل على ضبط «قواعد الاشتباك» معها، من دون أن يدري أنّ الإسرائيلي ساعة يضعف حماس في غزة سيأتي إلى لبنان، ومن دون أن يستمع إلى نصائح دولية حذّرته من اللعب في النار، إن لم يوقف حربا لا يريدها الجميع حتى اللبناني بحدّ ذاته. هزم حزب الله في لبنان، فذهب إلى مفاوضات تحت القصف، بعدما اشترط أن تكون بعد وقف النار، وقبل مرغما بفصل الساحات بعدما أكدّ الحزب مرارا أن جبهته الإسنادية لن تتوقف طالما الحرب في غزة مستمرة. هُزم الحزب، وكان ذلك مع إعلان الموافقة على المقتراحات الأمريكية، التي أخذته إلى تسوية كان يرفضها في السابق، ألا وهي تطبيق بنود قرار 1701 بلاس كافة.
شكّل يوم 27 نوفمبر الحدث، حيث وقع لبنان على تسوية أوقفت الحرب على أرضه، باستثناء الخروق اليومية من الجانب الإسرائيلي. وفي اليوم ذاته على الجبهة السورية، بدأت الفصائل المعارضة بشنّ أكبر هجوم عسكري منسق وموسع وعلى عدة محاور على النظام لإسقاطه، حيث أعلن ذلك بشكل واضح زعيم «هيئة تحرير الشام» أحمد الشرع الذي يعرف بـ»أبو محمد الجولاني»، من أن الحرب لن تتوقف إلا بسقوط بشار الأسد. تراجع قدرة حزب الله عن حماية ذاته، ليست السبب الوحيد لسقوط الأسد، بل كان للتجاذبات الحاصلة بين حلفاء الأسد واضحة وفاضحة وعلنية، وقد أسفرت في الكثير من الأحيان عن اشتباكات مسلحة بين الفريقين، على الرغم من التعتيم الإعلامي. فما كان يحصل بين الفرقة الرابعة في الجيش السوري بقيادة ماهر الأسد شقيق بشار، والفرقة الخامسة التابعة لروسيا، التي تأخذ قراراتها من القيادة المركزية الروسية المتركزة في سوريا، شكّل تصدعا للنظام، وأفرغه من مضمونه الأمني، وجعل من وزير الدفاع السوري وقائد الجيش أشباه مسؤولين، الأمر الذي ساعد على إحداث فراغ في القيادة والتنسيق، فأصبح الجيش السوري بنية هرمة منهكة آيلة إلى السقوط عند أول هجوم.
دخلت الورقة السورية لعبة البازارات السياسية والمقايضات من قبل الممسكين بها، على رأسهم الروسي والتركي والأمريكي، أما الإيراني فقد شعر بأنّه أصبح خارج اللعبة اللبنانية والسورية على حدّ السواء، وها هو اليوم يستعدّ لمواجهة السيناريوهات التي ستطال نظامه، والذي يتوقع الكثيرون أن يشهدوا على عودة الثورات وإنّ يسقط النظام ولكنّ هذه المرة يتساءل المتابع إلى أين سيرحل المرشد الأعلى؟
سقوط الأسد قد يكون نتيجة تسوية تركية روسية برضى أمريكي، إذ تحتاج روسيا إلى اللاعب التركي والعكس صحيح، فالعلاقة تبادلية بين البلدين، إذ إن روسيا تجد في تركيا ضمانة لعدم إدخال بلادها في حرب مع حلف شمال الأطلسي، فجيشها أيضا أنهكته حرب أوكرانيا، وهو ينظر إلى تسوية هناك. وهناك من ذهب بعيدا في التحليل عندما ربط تسليم الأسد مقابل تسليم زيلينسكي. ما ينطبق على روسيا ينطبق على تركيا التي تحتاج هي أيضا لروسيا، لاسيما في استخدامها ورقة تفاوضية مع الغرب، التي تأبى أنقرة الانعتاق منه، ولكنّ في الوقت ذاته تريد تأمين مصالحها وتحصين ساحتها وتقوية نفوذها. لهذا تحرّكت الفصائل، ولهذا أيضا لم يدعم الروسي النظام كما فعل في السابق، وها هو اليوم يفتح صفحة جديدة ومرنة في التعامل مع تلك الفصائل، ومستعد لإجلاء عسكره وتفريغ قواعده من أرض سوريا إن اضّطره الأمر لذلك. تعامل الجميع مع سقوط الأسد بحذر وترقب، لأنّ الفضل لإسقط الأسد يعود إلى عاملين أساسيين، الأول هو إصرار الشعب السوري على التغيير، الذي تمّثل في هجوم المعارضة، على هذا النظام الذي لم يترك وسيلة إجرامية إلا وطبقها على شعبه، وما مشاهد سجن صيدنايا إلا دلالة واضحة. والعامل الثاني تمثل في تلك الدعوات التي رفعت إلى السماء لأمهات عانين الأمرين على أولادهن من هذا النظام.
نظام لم يكن ليستمر طويلا، لاسيما بعدما أفرغ من مضمونه، وأصبح هيكلا من ورق، لهذا لم يعد السؤال من أسقط الأسد، لأن المرحلة المقبلة ستبقى مرحلة تحديات لما بعد الأسد، لاسيما حول الإجابة عن سؤال «أي سوريا نريد»؟

المصدر: د. جيرار ديب/ “القدس العربي”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى