نظام إيران في قبضة الفساد واللاعلاج والأزمة الاقتصادية!

خاص “المدارنت”
أمر فريد من نوعه ومثير للدهشة يجري في النظام الإيراني ويمنحه ميزة غريبة من نوعها تٶکد حقيقة بالغة الاهمية وهي إن هذا النظام، يبذل کل ما بوسعه من أجل ضمان بقائه، بل، وحتى إن ذلك يمثل إستراتيجية لا يمکن للنظام التخلي عنها، وهذا الامر الغريب يتمثل في سعي النظام للتعايش مع الازمة المستعصية التي يواجهها، وکذلك مع الفساد المستشري في جميع مفاصله.
سعي النظام للتعايش مع أزمته الخانقة ومع الفساد المستشري في جميع مفاصله يأتي بعد فشله في التصدي للأزمة والتخفيف من قوة تأثيرها وکذلك من فشله الکامل في القضاء على الفساد وإستئصاله، مع ملاحظة إن مزاعم مکافحة الفساد والقضاء عليه، باتت مثل “قميص عثمان”، يتم رفعه في مواسم الانتخابات، وفي فترات حرجة يواجهها النظام، ولکن من دون أن يکون هناك من أي إجراء عملي يرافق ذلك.
التعايش مع هکذا حالتين سلبيتين، يدل على مدى تعطش قادة ومسٶولي هذا النظام للسلطة، والنفوذ، وعدم إستعدادهم للتخلي عنها، ولو کان على حساب الشعب وعلى حساب مستقبل أجياله، والملفت للنظر إن الازمة الخانقة في مختلف المجالات ولاسيما وبشکل خاص في المجال الاقتصادي تمسك بتلابيب النظام وتکاد أن تخنقه والملاحظة المهمة هنا هي إن خبراء النظام يعترفون بأنه حتى لو تم رفع العقوبات بالکامل وسمح للنظام بتصدير البترول بصورة إعتيادية، فإنه لا يتمکن من إنهاء الازمة، ذلك إن جذور هذه الازمة عميقة جدا ومتداخلة مع الفساد المستشري في السلطات الثلاثة وفي بيت الولي الفقيه نفسه.
من دون شك، إن سعي النظام للتعايش مع الازمة المستعصية والفساد المستشري ليس بذلك الامر السهل بل إن النظام يعلم جيدا إنه، ومن دون إستخدام العامل الديني (الذي صار ممجوجًا من کثرة الاستخدام) وکذلك من مضاعفة الممارسات القمعية تحت ذرائع وحجج مختلفة، ولاريب إن النظام يقوم أيضا بإستخدام الکذب والخداع بصورة ممنهجة لکي يغطي على الحقيقة الادهى وهي ضمان المحافظة على النظام من الانهيار والسقوط.
وکمثال حيّ فيما يتعلق بالفساد المستشري في النظام، فإن برلمان النظام ذاته، والذي من المفترض أن يکون مرکزا للتشريع والرقابة، قد تحول الى مسرح لعرض الصراعات الداخلية وفضح الفساد المتجذر في بنية السلطة.
وتجلت هذه الحقيقة بوضوح خلال عملية تقديم وزير جديد للشؤون الاقتصادية والمالية من قبل رئيس النظام، مسعود بزشكيان، ففي الوقت الذي لم تهدأ فيه بعد تداعيات إقالة الوزير السابق عبد الناصر همتي، أثارت تصريحاته الأخيرة حول الفساد والابتزاز داخل البرلمان عاصفة من الجدل، وردود فعل غاضبة من بعض النواب، كاشفة عن صدوع عميقة في جدار النظام.
الملفت للنظر هنا، أن الشرارة التي أشعلت هذه الأزمة هي تصريحات همتي التي كشف فيها عن تعرضه لضغوط من بعض النواب خلال فترة توليه الوزارة للحصول على مناصب و مسؤوليات وظيفية. أثارت هذه الكلمات غضبا عارما خلال جلسة برلمانية عقدت مؤخرا، حيث طالب نواب مثل کودرزي وبشيري من همتي إما أن يكشف عن أسماء النواب المتورطين أو أن يقدم اعتذارا رسميا للبرلمان. ورغم أن هذه المطالبات قدمت ظاهريا تحت غطاء الشفافية ويبادر إليها النظام دائما ولکن من دون حسمها، إلا أنها في جوهرها تعكس احتدام الصراع بين عصابات الحكم والخوف من انكشاف المزيد من الفضائح.
من دون شك، فإن إتهامات همتي لم تکن لوحدها، بل إن تصريحات نواب آخرين في نفس الجلسة، كشفت عمق الفساد الهيكلي في اقتصاد النظام. فقد أشار النائب لاهوتي إلى نفوذ مافيا اقتصادية تستفيد من سعر الصرف المدعوم والإعفاءات الجمركية والضريبية، مؤكدا أن “هذه المقترحات تأتي من حفنة من المنتفعين بالريع المتغلغلين في أجهزة الدولة”.
هذا الصراع المحموم، ليس سوى حرب بين مراکز النفوذ على الموارد الشحيحة المتبقية لاقتصاد منهار، وهو ما يؤكد ما كشفته “المقاومة الإيرانية”، مرارًا على مدى سنوات من أن اقتصاد النظام هو اقتصاد قلّة فاسدة يُدار لصالح مراکز في السلطة.