رأي المدار

رسالة ثوار لبنان..

      محمـد حمّـود*

يبدو جلياَ، أن جرثومة “كورونا” الخبيثة، التي استخدمتها السلطة كذريعة واهية، معطوفة على ادعاءات بحق بعض الثوار، ولا أساس لها من الصحة، من أجل إنهاء حالة “الحراك الثوري”، الذي انطلق في 17 تشرين الماضي، احتجاجا على سياسات الحكومات المتعاقبة منذ توقيع اتفاق الطائف ولغاية اليوم، لم تمنع الثوار من توجيه رسالة واضحة لا لبس، الى كل من يعنيه الأمر، تقول “نحن هنا، وإننا عائدون”.

وفي اليوم الـ83 لانطلاقة الثورة، عاد عدد من الثوار اليوم الى وسط بيروت، في مسيرة سيارة ضمّت رتلاً كبيراً من السيارات والمشاركين، الذين انطلقوا من امام مقر “الاتحاد العمالي العام”، باتجاه منطقة العدلية، قرب المقر الرئيسي للأمن العام اللبناني، حيث نظموا وقفة احتجاجية، مطالبين باستقلالية القضاء، وإبعاد السياسة عنه، قبل توجههم الى مقر “جمعية المصارف”، حيث رفعوا الهتافات المناهضة لأصحاب المصارف الذين يستغلون الناس، ويحاولون السطو على إيداعاتهم المتالية.

ثم انطلق الثوار الى عرينهم الأساسي في ساحة الشهداء في وسط العاصمة بيروت، حيث نظموا اعتصاما رمزيا لبعض الوقت أمام نصب قبضة الثورة، قبل أن يغادروا المكان، معاهدين اللبنانيين بأنهم لن يتخلوا عن ثورتهم، وأن أيام الحجر بسبب “كورونا” باتت قليلة، وأن الثوار عائدون الى سابق عهدهم، والثورة الشعبية لم تمت، وكل مقبل بات قريباً.

وفي عاصمة الشمال طرابلس الفيحاء، عاد الثوار الى ساحتهم، واعدين بمتابعة المسيرة مهما كانت الصعاب، متجاهلين خطورة انتشار الجرثومة “كورونا”، مؤكدين أن “الموت بسبب كورونا أسهل عليهم من الموت جوعاً.

كذلك فعل ثوار صيدا، والتقوا أمام مقر مصرف لبنان في المدينة، احتجاجا على الوضع الاقتصادي المتردي، والظروف المعيشية الصعبة التي طالت الغالبية العظمى من اللبنانيين والمقيمين على السواء، منددين بارتفاع سعر صرف الدولار، وتجاهل الحكومة وعجزها عن حماية حقوق المودعين في المصارف.

وكان هذا الشعار، رسالة واضحة الى السلطة، التي تتجاهل الناس والحالة الاقتصادية الصعبة قبل كورونا، وتتخذ القرارات من دون دراسة، وهذا ما أثبتته الوقائع، وتخبّط السلطة العاجزة عن معالجة الامور الاقتصادية، التي تجلّت بالتصاعد المضطرد والمتنقل بسلاسة غريبة، انتهجت أسلوب “التسلل”، من التعبئة العامة والحجر المنزلي الطوعي، الى إجراءات أكثر إزعاجاً وأذية للناس، بسبب حرمانها من تأمين قوتها، توّجتها باعتماد سير الآليات وفقا للأرقام المفردة والمزدوجة، والتي سبق للبنان اعتمادها في مراحل تاريخية سابقة، ولم تكن ناجعة، كما لم تحقق الغاية منها.

باختصار، يمكن القول، أن ما بعد انتشار كورونا ليس كما قبله، وأن “ثورة 17 تشرين الاول” مستمرة ومتواصلة، وأن الثوار يقدرون أهمية الحفاظ على العائلات اللبنانية، وهم جزء لا يتجزأ منها، وعدم تعريض أي منها للأذية، أو المرض بسبب كورونا، ولذلك، انكفأوا قليلا عن الساحات بسبب الشتاء والبرد، ومن ثمّ لاحقا بسبب الخشية من انتشار العدوى بـ”كورونا” بين الناس.

رسالة “الثوار” واضحة المعالم، وموقفهم من السلطة هو عينه، لم يتغيّر، خصوصا وأن حكومة الرئيس حسان دياب، لم تختلف سياستها عن سياسة سلفه في رئاسة الحكومة النائب الحالي سعد الحريري، وأن المحاصصة قائمة، والتمريرات واضحة، والمصالح الطائفية والمذهبية حاضرة بكل تشوّهاتها، وخير دليل على ذلك، العُسر الذي تتعرّض له التشكيلات القضائية، والخلاف على المحاصصة في التعيينات الإدارية المحدودة، والتي تأخر إصدارها غير مرّة بسبب الصراع على الحصص، بين أطراف السلطة الحاكمة، على الرغم من انتمائها الى طرف سياسي واحد، هو “قوى الثامن آذار”.

ولا ينسى الثوار إدعاءات الرئيس دياب وبعض الوزراء، وزعمهم أن هذه الحكومة ولدت من رحم “الثورة”، وأن هذا “المولود المشوّه” العاق، سارع مع اشتداد أزمة “كورونا”، الى الانقضاض أولاً على خيم الثوار في وسط بيروت، وثانياً على خيم الثوار في ساحة عبد الحميد كرامي/ النور في طرابلس الفيحاء، ما يعني أن السلطة الحالية تتنكر للثورة والثوار، وأنها عازمة على إفراغها من مضمونها، وأنها لم تحترم الوعود التي اطلقتها، بالتزامن مع تشكيلها وتوليفها وفق مصالح أصحابها، لتأتي على أنقاض سلطة بائسة، ولكن، لتكمل مسيرتها، وتتابع سياساتها العامة، التي دفعت البلد وأهله الى مرمى الفقر المدقع.

* مدير تحرير “المدارنت”.

 

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى