نهج عملي لصحوة أبدية.. الجزء “1”
خاص “المدارنت”..
المعاناة خطيرة قاتلة، تزداد اتساعا وتعظم حجما، والأزمة هي هي ما دامت تساكن أولئك القادة (نأسف لمكانة كلمة قادة، دلالة ومعنى)، الذين يمارسون حقهم في كبس الأزرار واستنبات القوانين المناقصة للشرع، والخارجة عن القوانين نفسها، والسبب، كمسؤولين، أنهم مثبتون فوق لوحة إلكترونية مبرمجة تحركها أنامل أعداء الامة، بعد تلميعها وتزيينها، ثم تقدمها الى شعوبها على انها بضاعة مستوردة غير قابلة للتبديل أو الرد، انها بضاعة الأمر الواقع، بحيث أن أولئك القادة مغلوب على أمرهم، ولا حول لهم ولا قوة، ولكن الحقيقة الموضوعية والمنطقية، تنادي القيم التي يحملونها من خلال شعارات واهية، زاعمين انها حضارة، فتراهم يرددون أن الديموقراطية تفرض عيش اللامبالاه، وتلزم حياة العراة من أعراف وقيم، على الرغم من أنهم متمسكون بزعمهم بالسيادة والحرية والوطنية.
صورة مظلمة، بل انها الظلام نفسه، ولتبديد ذلك، ينبغي العودة إلى تلك الصحوة التي أخرجت العرب من الظلمات إلى النور، انها نور الاسلام، نور القرآن، نور الارادة الالهية، انها صحوة الالتزام الكلي، لما أمر تعالى ونهى، صحوة ذلك النصّ المعجز الذي حفظ الأمة بحفظ لغتها، لقوله تعالى: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ” (الحجر – 9). لقد كتب جلّ جلاله، على نفسه الحفظ، صونا للعدل والمساواة وتحقيق انسانية الانسان، جراء تنفيذ ما نزل به النص القرآني، وما بينه للعباد من توحيد والتزام الحدود، وتطبيق ما حمله من قيم وفضائل.
الحاجة ملحة لاعادة النظر في كل ما يغلفنا من أفكار ومناهج، ووضعها تحت مجهر الدراسة والتمحيص والتدقيق، ثم يتم إعادة بناء منهج فكري شامل متجدد، ينهض بامتنا العربية الاسلامية (أفرادا ومجتمعا ووطنا) على أسس النص القرآني، عقيدة وقيما وفضائل، تسمح وتساعد على صناعة نهج فكري علمي سليم، يستنبت الاجيال، ويوجهها نحو الاستقامة التي لا اعوجاج فيها، ويزرع في نفوسها قيما يضعون عليها بالنواجذ، حيث يتولد عنها إنسانا، فردا وأسرة ومجتمعا ووطنا وأمة، تحيا به إرادة الحياة، الدنيوية والاخروية، وعلى جميع الصعد، السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، والثقافية… حيث يستطيع، هذا المنهج الفكري، تحويل أفراد الأمة إلى قرآن يمشي ويسير.
ليس البحث غاية ولا هدفا بحد ذاته، انما وسيلة لبيان ووضوح الرؤية، ثم استبصار عللنا وامراضنا الروحية والمادية، ثم الكشف عن أسبابها الراهنة، حتى يتسنى للناظر والدارس إصدار الأحكام الصائبة، ثم تصحيح المسار نحو خلق نهج عملي لصحوة أبدية، ما دام ملتزما بالاصول الجوهرية، ومتيقظا في سهره الدائم، للتعديل لكل طارئ، يحكمه واقع الظروف الزمانية والمكانية، وتتم المتابعة في تثبيت المبادئ، بعد أن يبلغ التحقيق مداه، فيما يتعلق الأمر بخارطة طريق تحدد سلامة المبادئ والافكار التي نحتكم إليها. وعليه، فالواجب يتطلب إعادة النظر في جميع المسائل والقضايا، التي تخص أصول وأركان بناء ذاتية الفرد والمجتمع والامة التي أرادها الله العظيم، في تحقيق انسانية الانسان، وتأمين جوهر العدالة والمساواة، مفهوما وتطبيقا، حيث تسهم في صقل النفوس البشرية وتحقق القيم والفضائل، مع توالد الرؤى الصادقة داخل وعمق وسلامة منهج التفكير.
أمام هذه الرؤية الفكرية، لا بد لنا إلا أن نتوجه بخطى ثابتة، نحو تحقيق مسارين متوازيين، أولهما: يمثل المناهج التعليمية والبحوث التربوية، مؤكدين على وجوب زرع القيم والفضائل في نفوس نشئنا واطفالنا، من خلال تعليم النص القرآني كمادة أساسية، لا تقل أهمية عن غيرها من المواد، كالرياضيات والعلوم واللغات… وغيرها، بحيث يفرض ذلك في المراحل ما قبل المدرسة، يعني الاهتمام بوعي الأسرة، وحثها على تحمل مسؤوليتها تجاه أبناءها وتجاه المجتمع.
وهكذا يستمر تطبيق المنهج العلمي القرآني، بتكامل وتكافل أبناء الأمة العربية والإسلامية، إلى نهاية مراحل التخرج الجامعي، انطلاقا مما تحققه عملية التربية والتعليم، كونها وظيفة اجتماعية، تتأثر وتؤثر بحركة الوعي والتغيير والتبديل، داخل الأسرة والمجتمع والامة، اضف لما تتبادله ويسودها من أعراف وقيم، على المستوى الروحي والمادي، فعملية التربية والتعليم تعتبر مرآة تعكس صور النظم العامة للشعوب، من اجتماعية وسياسية واقتصادية، إضافة لما تحمله من مواريث ثقافية لها مدلولات ما هو واقع، وهذا ما يذكرنا به أحد الحكماء، بأهمية تلك العملية في حياة الأمم، فيقول: “إن أردت معرفة تاريخ أمة، فانظر منهج تعلٌمها وتعليمها”.
عالمنا العربي، يمثل العلم الثالث، اي عالم التخلف والإذلال، بهذه الدرجة وصفنا أعداء الامة، واقنعونا بهذا الوصف كدرجة انتماء على سلٌم الانتماء العالمي، يعني أننا في حاجة دائمة الى الدول والأمم العظمى، ونحن مستسلمون لهذه التبعية، كما وراضخون لذلك التهميش، بل نحن راضون ومساهمون داخل بوتقة الضعة والارتهان، لقد اضعنا هويتنا، ومسخنا شخصيتنا العربية الإسلامية، جراء ما نحمله من هشاشة الثقافة، وسطحية التفكير، والسبب، يعود الى تلك المناهج التعليمية والبحوث التربوية المستوردة، والانتماء إليها، شرقا وغربا، متهاونون في كل ما يصدر عن أبناءنا واطفالنا من تصرفات عشوائية، وخلل سلوكي أخلاقي، نضحك لهم ونردد: “صغار لا يفهمون، بكرا بيتعلمو..”.
وأيضا، متساهلون في عدم غرس ما يجب غرسه، من فضائل وقيم، في نفوسهم ونفوس النشء العربي – الإسلامي، وهذا من أعظم ما تواجهه أجيالنا في حياتهم المعاشة، إذ تسيطر عليهم اللامبالاه، وعدم تحمل مسؤولياتهم، مما يؤدي الى زعزعة المجتمع وتفكك الأسرة، فيعم الانحراف السلوكي والفكري لدى الأجيال الصاعدة، حيث ينتشر بينها ممارسة التنافس على الرذيلة، ويتفشى ادعاء الكبر والعصيان باسم الحرية الشخصية، في العلاقات الانسانية، اضف الى ظهور نشوة العظمة والكبرياء، في الاذية والاعتداء على الذات وعلى الآخرين، مما ينتج غياب المنطق والموضوعية في حمل المسؤولية، وتحقيق مبدأ الحقوق والواجبات. وهكذا انهارت المفاهيم، وانتحرت القيم والنواميس، ثم انهزمت الإنسانية.
من هنا، وجب التأكيد على الحاجة الملحة، إلى ولادة منهج فكري شامل ومتجدد، منهج عقدي سليم، سنده النص القراني، يعمل، وباستمرار، من خلال نخبة علمية عالمة، تخاف الله العظيم وتعاهده على ما أمر ونهى، تأخذ على عاتقها بناء ثوابت تتوالد من خلالها صحوة أبدية ونهضة علمية، تتناول جوانب حياة الإنسان الفرد. من خلال تطبيق الأمور التالية:
1 – ادراك علمي وفهم إنساني، للعقيدة الإسلامية، نصا وروحا، وبيان مدى ارتباطها بالمفهوم العربي، لغة، تاريخا، ومصيرا، شرط تحقيق أصولها ومبادئها، نظريا وعمليا، ثم استنباتها في سلوك النشء العربي الإسلامي.
2 – قراءة دقيقة مجردة لواقع مناهجنا التربوية والتعليمية، ثم بيان ضعفها ونحوه عن الوجود، وبيان قوتها، وابقاؤها بعد ذلك، ترسم الخطوط العريضة للتصحيح والمعالجة.
3 – إقرار منهج تربوي تعليمي مستقل، يعنى به وينفذ، وفق أحكام النص القرآني، تأكيدا لمرحلة ما قبل المدرسة، مع ضرورة تحمل الأسرة مسؤولياتها على التطبيق العملي والسلوكي. اضف إلى ضرورة زرع القيم والفضائل في نفوس الأجيال الصاعدة، من خلال تنمية الشعور بروحية المسؤولية والأخوة والوحدة، مع ضرورة معالجة حالات التقصير.
4 – ضرورة العناية البالغة باللغة العربية الفصحى، منع حالات التهجين والعامية، مع الحرص الشديد في إظهار جمال بلاغتها وفصاحة بيانها.
وعليه، فالثوابت الفكرية تنوّه إلى وجوب إعادة النظر في منهجية، تنطلق من صياغة الأفكار السليمة، تبدأ من تسديد تفكير الكبار، بخاصة، أولئك الذين هم في موقع المسؤولية /من لا يملك القدرة فليذهب بلا رجعة/، التي تدفع بهم إلى تقييم مواقفهم الراهنة، ثم توجب عليهم استحضار عناصر الخيرية من تراث قادة امتنا العربية الإسلامية، حتى يتجنبوا الأخطار والأخطاء، ثم إصرارهم على أبعاد ما مُنيت به امتنا من علل وامراض، كل ذلك يتطلب الجرأة والشجاعة، وحرية الرأي والاستقلال فيه، ثم تفعيل التجرد عن كل هوى، بعيدا عن كل مفاعيل الانزلاق إلى مهاوي الادعاء الثقافي والوهم المعرفي، آخذين بقوله تعالى: “فوق كل ذي علم عليم”. فالموضوعية الحقة تظهر مواطن الجهل الواسع فيما يحمله الفرد العربي من حقائق عقيدته جوهر تشريعه، فيما يعمل به في عباداته ومعاملاته، في تحقيق فضائل أخلاقه وقيم مجتمعه .