“هآرتس” العبرية: هل ستواجه “إسرائيل” إيران أم ترامب؟!
“المدارنت”
المحادثة المتوترة التي أجراها ترامب مع نتنياهو، حسب ما نشرت “نيويورك تايمز” أمس، كانت مجرد مرحلة أخرى في المواجهة النووية التي تطورت، ليس بين إيران والولايات المتحدة، بل بين رئيس حكومة إسرائيل والرئيس الأمريكي. التسريبات والإحاطات التي وصلت إلى وسائل الإعلام الأمريكية تقول إن إسرائيل كانت مستعدة لمهاجمة إيران في الوقت الذي كانت فيه البعثات الأمريكية والإيرانية تجري محادثات حول اتفاق نووي جديد.
حسب “نيويورك تايمز”، تقدر الإدارة الأمريكية أن إسرائيل يمكنها المهاجمة خلال سبع ساعات منذ اللحظة التي يعطى فيها الأمر. سارعت القدس إلى نفي وجود توتر بين الدولتين، لكن يمكن التقدير بأن للتسريب دوراً مساعداً في دفع المفاوضات قدماً؛ إيران المتشككة لا تستبعد أن يكون النشر بالتنسيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وأنه في موازاة تصريحات ترامب المتفائلة حول تقدم مهم في المحادثات، يواصل التلويح بالسوط الإسرائيلي.
في كل الحالات، التهديد الإسرائيلي يجب أن يوفر إجابة عن سؤالين: هل إسرائيل قادرة على شل المشروع النووي الإيراني بنفسها دون مساعدة أمريكية، وهل هي مستعدة لتلقي ضربة إيرانية مضادة؟ لا إجابة مؤكدة على هذه الأسئلة. المواقف في إسرائيل مثلما في أمريكا، منقسمة. الاستخبارات وجهاز الأمن في إسرائيل تعتقد أنه حتى لو تسببت إسرائيل بضرر كبير للمنشآت النووية في إيران، فستجد صعوبة في تحييد قاعدة المعلومات الكبيرة التي تراكمت خلال عشرات السنين من وجود المشروع النووي، وهذا يعني أن إيران ستعيد إصلاحها خلال فترة غير طويلة. التقدير السائد هو أن هجوم إسرائيلي ربما يعيق المرحلة الانتقالية لـ “الاختراقة” النووية لمدة سنتين أو ثلاث سنوات، ولكنها ستعود لمواجهة تهديد مشابه.
فيما يتعلق برد إيران، ربما تقف إسرائيل في هذه المرة أمام منظومة إقليمية تختلف كلياً عن التي وقفت أمامها في نيسان 2024، عندما أطلقت إيران مئات الصواريخ والمسيرات نحوها. ضد ذلك الهجوم الذي تسبب بضرر صغير نسبياً اعتمدت إسرائيل على حلقة دفاع إقليمية، التي أسستها لصالحها الولايات المتحدة. وقد شملت معلومات استخبارية تحذيرية مسبقة، وصلت من السعودية (بعد ضغط أمريكي كبير) والإمارات، ومشاركة فاعلة لسلاح الجو ومنظومة الدفاع الجوي للأردن ودول أخرى، والإذن الذي أعطي لإسرائيل للعمل في المجال الجوي لهذه الدول، إضافة إلى قدرات اعتراض الجيش الأمريكي.
منذ ذلك الحين، تغير موقف إسرائيل السياسي في المنطقة. الأردن أعلن بشكل حازم بأنه لن يسمح لأي دولة باستخدامها سمائه من أجل شن حرب، والسعودية عززت علاقاتها مع إيران التي استؤنفت في آذار 2023، ففي الشهر الماضي زار إيران وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، شقيق ولي العهد محمد بن سلمان، ونقل إلى المرشد الأعلى علي خامنئي رسالة من الملك سلمان. ثمة تسريبات مقصودة تحدثت عن نية ترسيخ وتطوير تعاون اقتصادي وسياسي بين الدولتين. السعودية غيرت موقفها من الاتفاق النووي مع إيران، وهي الآن تؤكد بشكل كامل المفاوضات التي تجريها الإدارة الأمريكية، وتعمل من وراء الكواليس للدفع بها قدماً.
الآن، يبدو أن فكرة التحالف العربي ضد إيران برعاية أمريكية ومشاركة إسرائيل تحولت إلى معرض متحفي. السعودية تقود الآن مجموعة عمل لوزراء خارجية دول الجامعة العربية التي تعمل على الدفع قدماً بإنهاء الحرب في غزة وصياغة حل سياسي للنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، في حين أن دول المنطقة الأخرى تعتبر إسرائيل تهديداً أكبر من إيران على استقرار وأمن المنطقة.
بالنسبة لدول الخليج، فإن مهاجمة إسرائيل لإيران تهديد ملموس قد يضر بها مباشرة، بواسطة وكلاء إيران، بما في ذلك الحوثيون والمليشيات الشيعية العاملة في العراق، أو عن طريق مس إيران بالملاحة في الخليج الفارسي، الذي ستكون تداعيانه أكثر شدة بأضعاف من شل الملاحة في البحر الأحمر. في سيناريو متطرف، تتوقع دول الخليج إمكانية اندلاع حرب إقليمية شاملة، وهو السيناريو الذي أشركت ترامب به. ومنع تحقق هذا السيناريو يتعلق الآن بموافقة أمريكا وإيران على مستوى تخصيب اليورانيوم في إيران.
الموقف الرسمي والثابت والواضح لطهران يقول بأن لإيران حقاً في تخصيب اليورانيوم لأهداف مدنية، لكونها موقعة على الميثاق الدولي لمنع انتشار السلاح النووي، مثلما يعطى هذا الحق لكل دولة وقعت على الميثاق. مع ذلك، أوضحت إيران بأنها ستعود إلى تخصيب اليورانيوم بمستوى 3.67 في المئة، كما تقرر في الاتفاق النووي الأصلي، وحتى السماح للمراقبين الأمريكيين بالمشاركة في طواقم التفتيش للوكالة الدولية للطاقة النووية. ولكنها لن توافق على نقل كمية اليورانيوم المخصب التي أنتجتها بمستويات مختلفة، والتي وصل بعضها إلى 60 في المئة، إلى دولة ثالثة.
هذا الموقف يتصادم مع مطالبة أمريكا بوقف التخصيب، وتفكيك المشروع النووي وإرسال اليورانيوم المخصب إلى خارج إيران. مؤخراً، أضيف طلب مناقشة صواريخ إيران البالستية، الذي هي غير مستعدة لمناقشته على الإطلاق. يبدو من غير المحتمل التوصل إلى صيغة تسوي بين هذه المواقف المتصلبة. حتى الآن، بعد خمس جولات من المحادثات، يواصل الطرفان إجراء المفاوضات ونشر “أجواء متفائلة” بأن على الطاولة عدة خيارات يمكنها إحداث انعطافة.
أحد هذه الخيارات هو تأسيس كونسيرتسيوم إقليمي، تكون في عضويته السعودية والإمارات وإيران، التي ستقيم معاً منشأة لتخصيب اليورانيوم في إيران برقابة دولية. حسب تقرير موقع “أمواج”، الذي يركز على التقارير عن إيران والعراق، تحدث وزير خارجية إيران عباس عراقجي، عن الفكرة مع نظرائه في أبو ظبي والسعودية، ولكن من غير الواضح حتى الآن ما هي خطة تشغيل هذه المنشأة، بالأساس إذا وافقت إيران على التنازل عن منشآت التخصيب لها، إذا أقيمت هذه المنشأة المشتركة.
الخيار الثاني هو موافقة إيران على تجميد تخصيب اليورانيوم لفترة محددة. حتى الآن، رفضت إيران هذا العرض، لكنه عرض يمكن طرحه مرة أخرى إذا نجح الطرفان في صياغة “اتفاق مؤقت” أو “إعلان مبادئ” مشترك، يمنح المفاوضات وقتاً آخر ويوقف الطرفان سباق التهديدات. يمكن التقدير بأن إيران مقابل أي اتفاق مؤقت كهذا، ستطلب ثمناً لا يشمل فقط رفعاً جزئياً للعقوبات، بل أيضاً ضمانات أمريكية بأن لا تهاجم إسرائيل منشآتها النووية.