“هآرتس” العبرية: هل نبقى تحت حكم “منظمة إجرامية” بقيادة نتنياهو؟!
“المدارنت”
عندما تعتبر غزة “تهديداً وجودياً” لدولة إسرائيل بعد سنتين تقريباً من حرب جهنم التي أخفقت في إعادة جميع المخطوفين، وعندما يقتل الجنود في الأزقة، ويتعلم الآلاف من أصدقائهم إذا كانوا يستجيبون لأوامر التجنيد التي تصدر بالجملة وبكميات كبيرة؛ وعندما يقتل عشرات آلاف الغزيين بينهم آلاف الأطفال والنساء والشيوخ، ويحلق خطر تجويع جماعي فوق رأس مئات الآلاف الذين ما زالوا على قيد الحياة؛ وعندما يخضع التهديد الحقيقي لإسرائيل للنووي الإيراني وللمفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، التي تم إبعاد إسرائيل عنها؛ وعندما تتعامل دول أوروبية كثيرة مع إسرائيل كدولة منبوذة، مع فرض عقوبات؛ وعندما تعد الشعارات الفارغة بالنصر المطلق وتدمير حماس، وتسمع إعادة المخطوفين مثل قطعة نقود في صندوق؛ مع كل هذا سيكون العمل الملح والوحيد المطلوب الآن هو اجتثاث المنظمة الإجرامية التي تدير الدولة.
يدور الحديث عن عصابة مبلورة ومطيعة، تعرض أمن الدولة ومكانتها الدولية للخطر في كل لحظة، وتصم مواطنيها بوصمة القتل الجماعي الفظيعة، والانتقام، وعدم الشفقة.
تستند الحكومة إلى حزام أمان برلماني كخاتم مطاطي، لأي تهور يخطر ببالها، هي شريكة فعالة في الجريمة لأنها تمنح العباءة الكاملة لتشريع شبه ديمقراطي، حسب النموذج البرلماني في تركيا ومصر وإيران والأردن وروسيا، الذي تتقنع فيه الديكتاتورية كجسم يمثل رغبة الشعب. يتم إجراء انتخابات في كل من هذه الدول، وثمة دستور يضمن حقوق الإنسان، وفصل السلطات، واستقلالية السلطة القضائية، ومكانة المرأة والطفل، وحتى إنه يحافظ على مكانة وأمن الأقليات الدينية والعرقية. في هذه الدول محيط يفصل بين الدستور والواقع المخيف. وإسرائيل تتجه إلى هناك تماماً، التي تظهر فيها “السلطة التنفيذية” كـ “سلطة تشريعية”، تعلنان حرباً منفلتة العقال على السلطة القضائية، إلى أن تتحول هي أيضاً إلى جزء لا يتجزأ من نظام الحكم. كل ذلك تفعله برعاية الحرب التي يجب أن تستمر إلى حين استكمال الانقلاب.
نجاح الدكتاتورية الإسرائيلية لا يكمن فقط في سلسلة القوانين الظالمة التي أصدرتها. فإنجازها الكبير يتمثل في إنتاج وغرس الشعور بالخلود لأجهزة الحكم ومن يقف على رأسها. خيبة الأمل والعجز واليأس من احتمالية تحرير المخطوفين ليست سوى عرض لنخر عميق ومزمن يتغذى على اعتقاد أن الصفحة التاريخية التي تجد فيها البلاد نفسها هي صفحة أبدية مثل “الحرب الأبدية” التي وعدنا بها في غزة.
المواطنون الصالحون يذهبون إلى الساحة كل سبت واضعين الشريط الأصفر على ملابسهم. ولكن الآن، ليس إيماناً منهم بأن لدى الجمهور قدرة على صنع معجزة وإقناع الحكومة ورئيسها بإطلاق سراح المخطوفين، بل لشعورهم بأنهم جزء من مجتمع يتلاشى. مجتمع في أرشيفه المتخيل دولة مختلفة، دولة إنسانية، عقلانية وديمقراطية.
هذا اعتراف كاذب وخطير، يفيد سلطة ديكتاتور ينشغل في تصفية الأمل في التغيير، وهو الآن يسجل نجاحاً. إذا كانت أشهر الحرب الأولى، إزاء قوة الفشل، عززت اعتقاد أن الحكومة لن تكمل أيامها، فإن الانتخابات في 2026، الموعد الذي اعتبر في وقت ما أمراً لا يمكن تخيله، تبدأ وكأنها مشكوك فيها. الخطر يقتضي سرعة في تجنيد الجمهور وكل القوى السياسية التي هي ليست جزءاً من السلطة؛ من أجل إسقاطها. من المهم التذكر بأن الانتظار إلى الموعد النهائي، وانتظار شخص بدون عيوب، مصنوع من الذهب الخالص، وانتظار ساحر يخلص الدولة من مخالب هذه الحكومة، هو سم حياتها وضمانة للقضاء على الأمل.