عربي ودولي

“هآرتس”: ضجة في “إسرائيل” حول المسؤول عن إخفاق 7 أكتوبر.. وترامب: كيف أعيد المخطوفين؟

رئيس الأركان الإرهابي الصهيوني المستقيل هرتسي هاليفي

“المدارنت”..
كل يوم يظهر مثل 7 أكتوبر. الكارثة التي حدثت قبل 17 شهراً بالضبط تحلق كغيمة سوداء فوق المجتمع الإسرائيلي. ويرى محررو النشرات الإخبارية أنها توفر مبرراً للعودة إلى ذلك اليوم الفظيع عدة مرات في الأسبوع، في النصف الثاني للنشرة. في الفترة الأخيرة، يبرز هذا الأمر على خلفية التقاطع بين عدة تطورات: نشر تحقيقات الجيش الإسرائيلي عن المعارك في الغلاف (إضافة إلى نشر التحقيقات في الأسبوع الماضي)، ونشر ملخص التحقيق الداخلي في “الشاباك”، واستبدال رئيس الأركان (هرتسي هاليفي)، والصراع المحموم بين رئيس جهاز “الشاباك” رونين بار ورئيس الحكومة نتنياهو.
بار، وهليفي، رئيس الأركان المستقيل، صديقان منذ سنوات. الكارثة في الغلاف وضعتهما في نفس طرف المتراس: مسؤولان رئيسيان عن الفشل الذي سبق المذبحة، وقادا عملية استيقاظ إسرائيل في الحرب التي شملت احتلال أجزاء كبيرة في القطاع وقتل معظم كبار قادة حماس. هدفا التصفية الرئيسيان يديرهما نتنياهو ورجاله بهدف إلقاء التهمة كلها عليهما، وإبعادهما عن منصبيهما.
هذا الأسبوع حقق نتنياهو بمساعدة مبعوثه في وزارة الدفاع، يسرائيل كاتس، النجاح الأول لجهوده عند مغادرة هليفي. أما بار فما زال على الكرسي، ومصمم على القتال على صورة الدولة والدفاع عن الديمقراطية الإسرائيلية. حسب كل الدلائل سيفعل نتنياهو كل ما في استطاعته لإرسال بار إلى نفس طريق هليفي وتحويل الجهاز إلى نسخة (فاخرة أكثر) لشرطة إسرائيل. ربما سيواجه تحدياً أصعب. فنشر التحقيقات جدد النقاش العام الصاخب والمشحون حول المذبحة، حيث الكثير من المشاركين في ذلك يناقشون الآن بحرية أكبر الأحداث التي أدت إليها. المعلومات التي تقدم للجمهور، للمرة الأولى بشكل مفصل جداً، تؤكد وجود انهيار في أجهزة كثيرة، توقفت فيه معظم طبقات الدفاع الإسرائيلية عن العمل في اللحظة الحاسمة نتيجة هجوم خططت له حماس جيداً.
لو نسق رئيس حماس يحيى السنوار خطواته سراً مع حزب الله وإيران ودعم الهجوم بعملية موازية من لبنان، لوجدت إسرائيل نفسها للمرة الأولى منذ حرب يوم الغفران في خطر يهدد وجودها. عدد الكتائب التي دافعت عن حدود لبنان، أربع كتائب، كانت تشبه التي نشرت على حدود القطاع. لم يكن مستوى الاستعداد هناك أعلى بكثير، رغم وقوف عدو أقوى، قوة الرضوان التابعة لحزب الله، على الطرف الثاني للحدود.
التهديد من غزة واجه جيشاً متعباً وغير مبال، مع تآكل معايير الانضباط في وحداته القتالية خلال السنوات، حسب ضابط حقق في معركة رئيسية قال “الجيش نسي منذ فترة طويلة كيفية الدفاع”. في دوريات على طول الحدود أو في زيارات عند أولادهم الذين خدموا في أماكن بعيدة، تساءل كثير من الإسرائيليين عن المناخ المريح الذي كان سائداً هناك، حتى على بعد عشرات الأمتار عن العدو. هذا سؤال البيضة والدجاجة، لكن ربما تأثر الأمر أيضاً من وجود تجمعات مدنية مزدهرة قربهم.
الهدوء النسبي تحطم بضجة فظيعة صباح 7 أكتوبر. فقد كشفت التحقيقات أن معظم أعمال القتل التي نفذها المخربون كانت في الثلاث ساعات الأولى قبل وصول قوات التعزيز للجيش الإسرائيلي إلى القطاع. الآن يتردد سكان الحدود الشمالية حول إزاء العودة إلى بلداتهم وهم يأملون خيراً تجاه ما حدث في الجنوب في حينه. البت في المعضلة التي تواجه سكان الكيبوتسات التي تضررت في الغلاف ما زال بعيداً؛ لأن المطلوب هو المزيد من أعمال الترميم قبل إعادة إسكانهم.
المذبحة كشفت الصعوبة في نظرية الأمن الإسرائيلية، التي اعتمدت على حجم قوات مقلص على الحدود، وكتائب كثيرة “تم سحبها للدفاع عن المستوطنات في الضفة ومنطقة خط التماس، حيث في الخلفية تقليصات في منظومة الاحتياط في الجيش الإسرائيلي. في ظل غياب قوات كافية على الحدود، وإزاء جيوش الإرهاب التي تطورت في لبنان وغزة، أخذ اعتقاد أعمى بالإنذار الاستخباري يتعزز، الذي كان يمكن أن يأتي في الموعد ويوفر الزمن المناسب لنشر المزيد من القوات ورفع الاستعداد في منظومة الدفاع القائمة. لكن الإنذار لم يأت، رغم أن هليفي وبار ناقشا مع رجالهما العلامات المحتملة لوقوع حادثة على الحدود في الساعات التي سبقت الهجوم. والنتيجة فشل ذريع.
منذ هجوم حماس، تعرف الجمهور الإسرائيلي على قضية بطاقات الهواتف المحمولة، الإشارة الاستخبارية الرئيسية التي تم اكتشافها في القطاع ليلة 6 – 7 أكتوبر، التي كان يمكن أن تدل على نوايا حماس. وتبين من تحقيقات “الشاباك” أنه تم تفعيل 45 بطاقة إسرائيلية في هواتف محمولة لدى نشطاء حماس في تلك الليلة. ليلة واحدة، قبل سنة بالضبط من ذلك، تم تشغيل 38 بطاقة، وفي شهر رمضان في نيسان 2023 تم تفعيل 37 بطاقة. وتبين في الحالتين أن الأمر يتعلق بمناورة فقط.
أصبحت هذه كتلة حاسمة، كان يمكن أن تغير قرار عدم رفع الاستعداد في قيادة المنطقة الجنوبية. يقع جزء من المسؤولية على رئيس الأركان التارك، الذي اكتفى بإجراء مشاورة غير رسمية، ولم يجر تقدير موقف حسب إجراءات الجيش الإسرائيلي. تقدير الموقف هذا كان يقتضي استعداداً منظماً أكثر في “أمان” واستدعاء ضباط من البيت وحضور مندوب من الاستخبارات في محادثة هاتفية مشتركة برئاسة هليفي.

مناخ نهاية الولاية
بعد المذبحة أيضاً، ورغم أن أحداث الليلة كشفت فجوة اتصال بين الجيش و”الشاباك”، غير أن هليفي وبار حافظا على الصداقة، وخففا التوتر بين الجهازين (الأمر الذي لم ينجح بالنسبة لرئيس الأركان ورئيس الموساد دافيد برنياع)، وحرصا على التجول معاً في جبهات القتال. تم الحفاظ على الجبهة المنسقة أيضاً الآن وهي تتجه نحو المرحلة الأخيرة. صباح الثلاثاء، تم نقل تحقيقات “الشاباك” حول المذبحة إلى نتنياهو بناء على طلب منه. في المساء، نشر أن بار يعتقد أنه لا يجب عليه الاستقالة الآن رغم تحمله مسؤولية الإخفاقات، لأنه ما زال يناضل على تشكيل لجنة التحقيق الرسمية وإعادة جميع المخطوفين. في صباح اليوم التالي، قال هليفي في خطاب الوداع بأن “تشكيل لجنة تحقيق رسمية بات أمراً حيوياً للتوصل إلى حذر المشاكل والتمكين من الإصلاح”.
لم تكن هذه هي الأقوال الحادة الوحيدة في خطابه؛ فقد ظهر أن نهاية الولاية حررت قليلاً لسان رئيس الأركان التارك. “المعاملة المتطاولة لا تساعدنا لنصبح أفضل”، قال هليفي. “قد تمس بالثقة بين المرؤوسين القادة، وتهز ثقة الآباء الذين يضحي أبناؤهم بأنفسهم. لا يجب أن تكون جندياً لتعبر عن رأيك، لكن بعض الواعظين لم يشعروا بصلابة العدو الباردة أو سمعوا رفيقاً جريحاً على نقالة في أرض معادية”. ليس صعباً التخمين بأن القسم الأول من هذه الأقوال كان موجهاً لنتنياهو، أما القسم الثاني فموجه لماكينة السم التي أنتجها ويشغلها رجاله، وعلى رأس ذلك برامج القناة 14. حتى في اللقاء الأخير مع رؤساء المجالس المحلية وممثلي سكان بلدات الغلاف قبل أسبوع، تعرض هليفي إلى هجوم مسموم من أحد المشاركين، الذي كان بعيداً جداً عن الادعاءات المبررة للمشاركين الآخرين، تم أخذ النصوص كلمة كلمة من بث القناة.
في نهاية احتفال تبادل المنصب مع إيال زامير في معسكر هيئة الأركان في تل أبيب، شوهد هليفي للمرة الأخيرة مرتدياً الزي العسكري وهو يخرج من المخرج الشمالي لمقر وزارة الدفاع، بوابة شاؤول. قطع الشارع وفعل ما أراد فعله منذ سنة: توجه إلى ميدان المخطوفين. استقبله أبناء العائلات باحترام رغم الغضب. هم يعرفون أن قلبه معهم، ومثله بار أيضاً، والذين يقولون بأنه وضع في مكتبه لوحاً يسهل عليه المحو، وعليه رقمان فقط، عدد المخطوفين المحتجزين في القطاع.

القضية السابقة
مثلما أشار يئير شاركي في “أخبار 12″، من صيغة البيانات العنيفة، يظهر شيء ما شخصي. لن يكون مفاجئاً إذا تبين أن من شارك في صياغتها هو نفسه الآن هدف لتحقيقات “الشاباك”. هذه هي قضية قطر، التي تتناول العلاقات بين ثلاثة من مستشاري نتنياهو والمتحدثين باسمه والإمارة الخليجية. حتى الآن، رئيس الحكومة غير متهم بشيء في هذه القضية، ومشكوك فيه إذا كان يعرف عن العلاقات الاقتصادية بين رجاله والقطريين الذين كشفوا في “هآرتس” في البداية ثم في “أخبار 12”. تولد انطباع لدى “الشاباك” والشرطة بأن الموضوع كله نتن تماماً. لكنهم لم يقتنعوا بعد بأن هناك أساساً لملف جنائي. ووجود التحقيق قد يصعب على نتنياهو إقالة بار الآن. في المقابل، إذا تم تعيين شخص يروق لنتنياهو بدلا منه، فقد لا يتم استكمال التحقيق كما هو مطلوب.
وثمة بعد آخر للعلاقات مع قطر ذكرته تحقيقات “الشاباك”، وأثار أيضاً نتنياهو والحكومة القطرية، الذين ردوا بنفي تام. ليس رئيس الجهاز السابق، نداف ارغمان، كان هو الشخص الرفيع الوحيد في المستوى المهني (إلى جانب وزير الدفاع في حينه افيغدور ليبرمان) الذي حذر من الترتيب القطري، بل تبين أن “الشاباك” قدم إثباتاً على أن جزءاً من المساعدات الشهرية التي أرسلت إلى القطاع بمبلغ 30 مليون دولار، تتسرب من الاستخدام المدني المخصص إلى استخدام الذراع العسكري.
القضية القطرية الأقدم -قال أشخاص كانوا في حينه مشاركين في قلب القرارات- هي أحد أسباب المعارضة الصارمة لرئيس الحكومة للقيام بتحقيق ذاتي ونزيه في الإخفاقات التي أدت إلى الحرب. المساعدة القطرية للقطاع بدأت بعد أن أوقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في 2017 دفع الرواتب لموظفي السلطة في القطاع، بعد عشر سنوات من سيطرة حماس على الحكم في القطاع. وقعت حماس في أزمة اقتصادية داخلية حقيقية. تزويد الكهرباء انخفض إلى ساعتين في اليوم، وحدث نقص في المواد الغذائية. “المشكلة لن تبقى عندي”، هدد السنوار الذي قرر أن يتخلص من الأزمة بواسطة “مسيرات العودة”، وتصعيد المسيرات والمظاهرات العنيفة على طول الحدود مع إسرائيل، التي قتل فيها مئات الفلسطينيين بنار الجيش الإسرائيلي.
في حينه، طبخ رئيس الموساد يوسي كوهين، الصفقة القطرية بمصادقة نتنياهو. تم إرسال الأموال لتسلم للموظفين الذين تخلت عنهم السلطة وكمساعدة للعائلات المحتاجة. وجر كوهين معه هليفي، الذي كان في حينه قائد المنطقة الجنوبية، إلى زيارة في الدوحة. نتنياهو وكوهين لم ينفعلا من احتجاج ارغمان أو شكوك رجال شعبة الاستخبارات العسكرية. “أنتم تكرهون القطريين، من اليوم الأول وحتى اليوم الـ 25″، تعود كوهين على القول لمنتقديه. “بعد ذلك، تعشقونهم مجدداً لخمسة أيام، مع نقل الدفعات التي تضمن الهدوء”.
بنفس السياسة، واصلت حكومة التغيير برئاسة بينيت – لبيد إدخال العمال من غزة للعمل في بلدات الغلاف. وزاد نتنياهو على ذلك، وناقش زيادة عدد العمال عندما أشعلت حماس منطقة الجدار عشية المذبحة بشكل متعمد. وبأثر رجعي، تبين أن هذا كان جزءاً من عملية خداع مؤثرة وقاتلة حاكها السنوار.
بخصوص صفقة المخطوفين نفسها، التقى الرئيس الأمريكي ترامب أخيراً مساء الأربعاء مع بعثة المخطوفين الذين أطلق سراحهم من الأسر والذين سافروا إلى واشنطن للتملق له، مع معرفتهم بأن مقابلته مباشرة قد تنقذ أصدقاءهم الذين بقوا خلفهم في الأنفاق. كان مشهداً هوليوودياً مثل كل شيء يفعله الرئيس. توجه ترامب لحماس بواسطة الكاميرات، حيث الضيوف الإسرائيليون خلفه، وطلب منها إعادة جميع المخطوفين الآن، وإلا فستكون هناك جهنم. وأوصى قيادة حماس بمغادرة غزة مع اتساع الوقت، ووعد بإعطاء إسرائيل كل ما تحتاجه لهزيمة حماس إذا لم تستسلم. من المفاجئ أنه لم يلوح بالمسدس للتأكيد على أقواله.
قبل بضع ساعات، كشف براك ربيد في موقع “أكسيوس” عن قناة مفاوضات مباشرة سرية، ناقشت فيها الولايات المتحدة وحماس مؤخراً إطلاق سراح مخطوفين (يحملون الجنسية الأمريكية)، مبدئياً، هذه عملية تعكس انعطافة في العلاقات بين واشنطن وهذه المنظمة الإرهابية، وكانت لتشكل نوعاً من الاعتراف الفعلي في ظروف عادية. ولكن لا أهمية لدى ترامب لقواعد الاحتفال، بل ربما العكس. يبدو أنه ما زال يعمل على تحرير جميع المخطوفين بكل طريقة ممكنة. ومن المرجح أن الاتفاق هو ما يرغب فيه، أو ضغط عسكري إسرائيلي ثم اتفاق. ولكن لأن الأمر يتعلق بترامب، كيف يمكن أن نعرف وبحق.

المصدر: عاموس هرئيل/ “هآرتس” العبرية
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى