“هآرتس” لنتنياهو: لماذا كذّبت على ماكرون وأخفيت عنه خطة الضمّ؟!

“المدارنت”
أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون (بتغريدة باللغة العبرية في شبكة “أكس”) قبل أسبوعين، بأن “موقف فرنسا واضح: نعم للسلام، نعم لأمن إسرائيل، نعم لدولة فلسطينية بدون حماس. هذا الأمر يقتضي تحرير جميع المخطوفين ووقف نار دائماً واستئنافاً فورياً للمساعدات الإنسانية، والمضي بحل سياسي يقوم على دولتين. لا أمر آخر إلا الحل السياسي. أصمم على الحقوق القانونية للفلسطينيين في دولة وفي سلام، بالضبط مثلما أصمم على حق الإسرائيليين بالعيش بأمن وسلام، في الوقت الذي تحظى فيه الدولتان بالاعتراف من جيرانهما”.
رد نتنياهو على ذلك: “الرئيس ماكرون يخطئ بشكل كبير عندما يمضي بفكرة الدولة الفلسطينية في قلب بلادنا، التي كل طموحاتها تدمير إسرائيل. لن نعرض وجودنا للخطر بسبب أوهام مقطوعة عن الواقع”. وعندما كتب نتنياهو هذه الأقوال، كان يعرف أنها كذب. محمود عباس يتحدث منذ سنوات عن إقامة الدولة الفلسطينية في الأراضي التي احتللناها في 1967، التي هي أقل من الأراضي التي خصصت للدولة العربية في خطة التقسيم وفق الأمم المتحدة في العام 1947، والتي وافق زعماء الصهيونية عليها. واعترفت م.ت.ف أيضاً بدولة إسرائيل، ولا نية لها لتدميرها. وعندما تم انتخاب عباس رئيساً، قال إنه يعارض الإرهاب، وإن الدبلوماسية هي الأداة الوحيدة لتحقيق أهدافه. رجال حماس كانوا ينوون تدمير إسرائيل كما تبين من خططهم، لكن نتنياهو أيد هذه المنظمة على طول الطريق حتى 7 أكتوبر، كي يستطيع تجاهل السلطة الفلسطينية ومحمود عباس، بذريعة أنها لا تمثل جميع الفلسطينيين.
من المؤسف أن سياسة نتنياهو منذ عاد إلى منصب رئيس الحكومة في 2009 كان معاكساً لتجربة سلفه في هذا المنصب، إيهود أولمرت، الذي مضى باتفاق مع السلطة الفلسطينية. لا شك أنه لو واصل نهج أولمرت وأنشأ الدولة الفلسطينية مع عباس، حتى ولو في الضفة الغربية فقط، فإنه لما كان أمام حماس خيار إلا الانضمام للسلطة على أساس الاتفاقات التي عقدتها مع إسرائيل، ولتجنبنا حدوث 7 أكتوبر. يصعب التصديق أن نتنياهو لم يبادر خلال الـ 15 سنة لحكمه إلى اجراء أي لقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية التي تشكلت بقوة الاتفاق مع إسرائيل، والتي هي على بعد نصف ساعة سفر من مقره بشارع بلفور. ولكنه أدار له ظهره بشكل كامل.
نتنياهو لم يكذب على الرئيس ماكرون بخصوص نوايا السلطة الفلسطينية فحسب، بل أخفى عنه السبب الحقيقي لمعارضة الدولة الفلسطينية: نية حكومة إسرائيل هي ضم المناطق المحتلة وجعلها جزءاً من دولة إسرائيل، وتجاهل وجود ملايين الفلسطينيين، وطردهم من المناطق وإحلال اليهود مكانهم، وتهجير الفلسطينيين إلى دول أخرى. هذه العملية تحدث الآن، بتكثيف المستوطنات غير القانونية في “المناطق” [الضفة الغربية].
إيمانويل ماكرون يعرف قرار مجلس الأمن 2334 الصادر في كانون الأول 2016، الذي أيدته فرنسا، ونص على وجوب عدم امتلاك الأراضي عن طريق الاحتلال بالقوة، وعدم إقامة مستوطنات في المناطق المحتلة للمواطنين الإسرائيليين، وأنه محظور هدم بيوت الفلسطينيين وطردهم إلى أماكن أخرى. كما طالب القرار إسرائيل بإخلاء المستوطنات التي بنيت بعد 2001. حكومات إسرائيل تجاهلت هذا القرار وكأنه غير موجود. وحكومة نتنياهو تعمل بشكل مخالف له: تشجع على هدم بيوت الفلسطينيين، والسماح بطردهم من مناطق كثيرة. لذلك، المطلوب الآن هو قرار دولي، يمكن لماكرون الدفع به قدماً، رداً على سلوك حكومة إسرائيل.
نظام الأبرتهايد الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين في الضفة منذ 58 سنة، ويريد نتنياهو الآن توسيعه أيضاً ليشمل غزة، غير مبرر تجاه الفلسطينيين الذين يستحقون تقرير المصير ودولة خاصة بهم، ولن يكون قائماً بدون التسبب بإرهاب فلسطيني وإشغال الجيش الإسرائيلي في حرب ضد الإرهاب. وهكذا يضر وسيضر بأمن إسرائيل. الحرب لا تجري فقط في غزة فقط، بل في الضفة الغربية بأشكال مختلفة، حيث يتم فيها قتل الفلسطينيين بأرقام غير مسبوقة. نتنياهو ينمي أمل اليمين المتطرف بتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية إلى دول أخرى، وبهذا هو يمنع الإرهاب ضد الإسرائيليين. ورغم أن إسرائيل تنغص حياة الفلسطينيين طوال الوقت، وبذلك تخالف القانون الدولي، فمن غير المعقول أن يكون هناك ترانسفير كبير.
الدولة الفلسطينية، إذا قامت، ستلغي الإرهاب والحاجة إلى محاربته. فهي ستقوم على أساس اتفاقات مع إسرائيل في شؤون الأمن والتعليم والاقتصاد للشعبين، وفي مجالات أخرى لها صلة بالدول التي لها حدود مشتركة معهما. هذا الاتفاق سيؤدي إلى زخم مهم للدولتين أكثر مما جلبه اتفاق السلام مع مصر.
هذه خطوة ستعزز موقف إسرائيل في أوساط الدول العربية وفي أوساط دول كثيرة في العالم تؤيد حل الدولتين. وستؤدي إلى انضمام دول عربية أخرى إلى اتفاقات إبراهيم، مثل السعودية ولبنان وسوريا، وسيصعب على تركيا وإيران رؤية إسرائيل كعدوة. وستغير نظرة الفلسطينيين مواطني إسرائيل للدولة، وستقلب مواقف المحتجين الشباب ضد إسرائيل في جامعات العالم إلى دعم إسرائيل، وستمكن اليهود الديمقراطيين في العالم، الذين يتحفظون من إسرائيل الآن، من دعمها. كل ذلك سيعزز أمن إسرائيل أكثر من أي عملية أخرى.