هاريس الضاحكة!
“المدارنت”..
ربما ما كانت الضحكات المُجلجلة التي تميّز مرشحة الحزب الديموقراطي للانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، كامالا هاريس، ستثير الاهتمام، لولا استهداف منافسها الجمهوري، دونالد ترامب، لهذه الضحكات. بل إن أوّل ما نال منه ترامب في هاريس، بعد أن رجّح أنها ستكون منافسته، هذا الضحك بالذات، حيث قال في تجمّع حاشد في ميشيغان: «أنا أسمّيها كامالا الضاحكة. هل شاهدتها وهي تضحك؟ إنها مجنونة. يمكنك معرفة الكثير من خلال ضحكتها»، قبل أن يضيف: «إنها مجنونة، إنها مجنونة».
أراد ترامب استخدام ضحكات هاريس، سلاحاً ضدها، لكن العارفين بأمور الدعاية الانتخابية، يقولون إن هذه الضحكات أصبحت مصدر قلق لترامب، لكونها تُقربّها من القاعدة الانتخابية، وتجعلها مقبولة أكثر من الناس، وهي وإن لم تُظهر بعد ما يوازي مهارات ترامب في السخرية والتندّر على خصومه، كما فعل بخاصة مع الرئيس جو بايدن، قبل انسحابه من السباق الرئاسي، فبلغ الأمر بترامب حتى تقليد طريقة مشي بايدن البطيئة المتأرجحة، جلباً لضحكات الجمهور، فإن في سلوك هاريس الأقرب إلى البساطة والعفوية ما يجعلها جذّابة في نظر مؤيديها، وربما قطاعات معيّنة من الشباب، والسود، والأقليات الذين كانوا عازفين عن المشاركة في الانتخابات عندما كانت محصورة بين رجلين أبيضين عجوزين: ترامب وبايدن.
ولكون القاعدة الانتخابية التي يتوجه إليها ترامب مختلفة التكوين والميول، فإنه يستخدم كل ما يحسبه مناصرو هاريس إيجابيات، ضدها. ولا يملّ من تكرار السخرية من كونها امرأة وملوّنة، وفاقدة للكاريزما السياسية المطلوبة في شخص رئيس أمريكا، لكن ما أكثر من مرّوا على البيت الأبيض وهم خلوّ من مثل هذه الكاريزما، وحتى هذه الحجة التي يستخدمها ترامب، وفريقه، ضد هاريس، أفلح فريق حملتها الانتخابية في توظيفها لمصلحتها، حيث صمّموا لها “فيديوهات”، تحظى بانتشار واسع، تقدّمها كأيقونة في عالم موسيقى البوب.
ليست الصورة الضاحكة وحدها ما تظهر به هاريس. لقد أفصحت أيضاً عن لهجة لاذعة في انتقاد ترامب، وكشف ما عليه من مآخذ، وما في شخصيته من نقاط ضعف. ومن ذلك تصريحها الحاد حين قالت إنها كمدّعية عامة، كان عليها التعامل مع المجرمين من جميع الأنواع: «معتدون على النساء. ومحتالون على المستهلكين، وغشّاشون خالفوا القوانين لتحقيق مكاسبهم الخاصة. لذا اسمعوني، عندما أقول إنني أعرف نوع دونالد ترامب»، واضعة إياه في خانة المُجرمين المُلاحقين بقضايا فضائحية.
علينا انتظار أوّل مناظرة مُزمعة بين ترامب وهاريس، لنرى إلى أي مدى ستظهر هاريس مهاراتها، في الجمع بين الفكاهة والرصانة، غير مكتفية بتقريع شخص ترامب، وإنما إظهار أنها تملك برنامجاً، سياسياً واجتماعياً، بديلا نقيضاً، وأنها لن تكون مجرد نسخة مكررة من سلفها العجوز بايدن.