هدنة جنوب لبنان.. إختبار عسير!
“المدارنت”..
لم ينحصر الأمر بتزايد الخروق “الإسرائيلية” للهدنة والشكوى اللبنانية، ثم الفرنسية منها، بعد أن انضم المبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين، مهندس اتفاق وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل وبين لبنان «حزب الله» إلى شجب هذه الانتهاكات والتشديد على أنها من خارج الآلية المتفق عليها.
الخروق الإسرائيلية استدعت ردا من «حزب الله» «دفاعيا أوليا تحذيريا» على موقع عسكري إسرائيلي في مزارع شبعا.
التدخل من قبل هوكشتاين كان جليا لمصلحة لبنان، وبشكل أكثر تحديداً لجعل «حزب الله» أكثر اعتماداً على الموقف الأمريكي، في واحدة من مفارقات اللحظة. وبالأساس، ما يقوم به الإسرائيليون من خروقات بهذه الوتيرة من شأنه تجريد اللجنة المولجة للإشراف على الاتفاق والتي يترأسها الجنرال جاسبر جيفري من مهامها.
سارع الجانب الإسرائيلي للرد على هوكشتاين بما معناه أن إزالة الوجود المسلح لـ«حزب الله» جنوب نهر الليطاني مسألة إجرائية، لا يمكن أن تنتظر المزيد من الوقت حتى ارتسام الآلية ورؤية أنى لها أن تشق طريقها بين تعقيدات الوضع اللبناني.
يعكس الرد الإسرائيلي استعداداً للذهاب أبعد في الخروقات، وبالتالي وضع الاتفاق أمام اختبار عسير. المرغوب إسرائيلياً تحويل الاتفاق إلى وقف إطلاق نار من طرف واحد: «حزب الله». بالتالي، التحضير لاستمرار احتلال القرى الجنوبية الحدودية المنكوبة ومنع أبنائها من العودة إليها واستمرار القصف لمواقع للحزب بوتيرة تزيد حيناً وتنخفض حيناً آخر.
أما الجانب الأمريكي، فيغض الطرف عن ربط إسرائيل انسحابها من القرى الحدودية مع تفكيك الشبكة الصاروخية للحزب، لكنه يرفض أن تقصف إسرائيل أهدافا للحزب على هواها، دون مراجعة الآلية والوقوف على عمل لجنة الإشراف.
رغم هذا التباين بين هوكشتاين وحكومة إسرائيل، إلا أنه من المتسرع الذهاب اليوم إلى نعي اتفاق وقف إطلاق نار. في الواقع هو اتفاق عجيب، لا يطابق التسمية التي راجت له، ويعكس اللاتوازن المستفحل بعد الحرب الأخيرة، لكنه يحاول في الوقت نفسه لجم خروج الأمور عن السيطرة مجدداً.
لا يعني ذلك أن الإسرائيليين قد لا يقدمون على قلب الطاولة مجدداً، أو أقله على خرق نوعي أكبر للقرار، بالضرب في العمق اللبناني، إلا أن الضغط الأمريكي لا يزال يحول دون ذلك، علما أنه ضغط يأخذ بالقراءة الإسرائيلية لفحوى الاتفاق الموقع، ويختلف مع الجانب الإسرائيلي في باب الآلية، حيث إن الجانب الأخير يعتبر أن الآلية يجب أن تكون سريعة، بل وفورية، وأن تفكيك شبكة «حزب الله» الصاروخية والعسكرية جنوب الليطاني لا يمكن أن تنتظر إلى ما بعد شهرين، بل عليها أن تبدأ من أول يوم للهدنة. هذا مع الأخذ بالحسبان أن نص الاتفاق يقول بتفكيك هذه الترسانة «بدءا» من جنوب الليطاني.
أيا يكن من شيء، ليس هناك في كامل الوضع جنوب لبنان ما يمكن مقارنته بما بعد حرب تموز 2006، فإسرائيل لا تزال تحتل شريطاً من القرى الحدودية أغلبها مدمر، وتمنع المواطنين من العودة إلى هذه القرى، و«حزب الله» يمتنع بموجب هذا الاتفاق عن التصدي المسلح لذلك، في حين يبدو من غير الواضح كيف يمكن للآلية اللبنانية النهوض بالمترتبات الملقاة على عاتق بيروت من الاتفاق، في ظل انعدام التوازن إلى هذا الحد، واختلاف القراءات للنص الواحد، وتحول الاستنجاد بأمريكا في وجه إسرائيل إلى عنصر غير هامشي في حسابات الثنائي أمل – «حزب الله».
يزيد من هذه المشكلة أن السجال الداخلي في لبنان حول توصيف الحرب التدميرية هل هي نصر أو هزيمة يطغى على محاولة اجتراح ما الذي ينبغي القيام به اليوم، بمثل ما أن الموضوع الرئاسي اللبناني ما زال أسير التكهنات والأمزجة والقيل والقال حول ما الذي تريده هذه العاصمة أو تلك، من دون ارتفاع إلى دقة وإلحاح ما تفرضه هذه اللحظة من مسؤولية، بخاصة مع المطبات التي يواجهها اتفاق وقف إطلاق النار.