هدنة غزّة بين التعديل والتأجيل,,!
“المدارنت”..
تقلبات كثيرة شهدتها مفاوضات هدنة غزة على مدار أشهر طويلة بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإنجاز صفقة تبادل للأسرى والمحتجزين، لكنها طوال الوقت كانت تصطدم بعراقيل إسرائيلية لكسب الوقت وإطالة أمد الحرب لما بعد الانتخابات الأمريكية، على الأقل، إما لحسابات شخصية وسياسية، أو لإنضاج ظروف جديدة تصب في مصلحة إسرائيل.
خلال هذا المسار الطويل، نجحت إسرائيل في إحباط جهود الوسطاء، بما في ذلك الحليف الأمريكي، ناهيك عن كل الجهود الأممية والدولية الداعمة لوقف إطلاق النار، بل ذهبت في فترات سابقة إلى حد التشكيك بالوسطاء وتوجيه الاتهامات لهم بهدف دفعهم إلى الانسحاب وإفشال المسار برمته، ما حدا بالوسيطين المصري والقطري إلى التلويح بإصدار إعلان مشترك يحمّل إسرائيل مسؤولية إفشال المفاوضات، غير أن قوة الدفع الدولية أبقت على الوسطاء ولم ينسحبوا، لكن محصلة ذلك أوصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، أو في أقل الأحوال، إلى غرفة الإنعاش، بسبب التعنت الإسرائيلي.
بهذا المعنى، كان العنوان الأبرز لهذا المسار هو المماطلة الإسرائيلية ووضع الشروط التعجيزية، ومنها رفض الانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفيا) ورفض إعادة المهجرين الفلسطينيين إلى مناطقهم في شمال القطاع، وهو أمر مرفوض فلسطينياً، ناهيك عن انكشاف الخطط الإسرائيلية، أو ما يسمى «خطة الجنرالات» الهادفة إلى فرض الاحتلال العسكري على شمال القطاع وتهجير ما تبقى من سكانه، تمهيداً لاستيطانه وضمه إلى إسرائيل في نهاية المطاف.
وبالتالي فقد رفضت إسرائيل المقترح الأمريكي الذي هو في الأساس مقترح إسرائيلي، ما دفع الولايات المتحدة إلى التصريح بأنها بصدد تقديم إعلان «مقترح معدل» يتضمن حلاً لمعضلة محور فيلادلفيا، بحسب التسريبات الإسرائيلية، يتوقع ألا توافق عليه إسرائيل، باعتبار أنه إنجاز استراتيجي كما يدعي نتنياهو، خلافاً لرأي الجيش الذي يؤكد أنه لا يتم تهريب سلاح عبر هذا المحور، وأنه وجد 9 أنفاق فقط مغلقة منذ سنوات، فيما تصرّ مصر والجانب الفلسطيني على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من هذا المحور. وهو ما يبحثه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي بدأ مباحثات في القاهرة خلال جولته الحالية على المنطقة التي لن تشمل إسرائيل للمرة الأولى منذ 7 أكتوبر الماضي، بحسب التقارير.
الجولة تترافق مع جهود عربية ودولية حثيثة لإنهاء الحرب والتوصل إلى وقف لإطلاق النار وإبرام صفقة تبادل، بالتزامن مع تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار فلسطيني يطالب بإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية، كعامل ضغط إضافي على إسرائيل، لكن هذه الجهود تبقى مرهونة بالمستجدات وما يمكن أن يحدث على الجبهة الشمالية، وما إذا كانت التطورات المستجدة على تلك الجبهة ستؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية واسعة لا أحد يمكنه التكهن بنتائجها، وعلى ضوء هذه النتائج، إما أن يتم إبرام صفقة الهدنة أو يتم تأجيلها حتى إشعار آخر.