مقالات

هل تتصادم تركيا مع “إسرائيل”؟!

“المدارنت”..
في الأسابيع القليلة الماضية، تناولت وسائل الإعلام التركية والإسرائيلية احتمالية اندلاع مواجهة مباشرة بين تركيا و”إسرائيل”، بينما تناقش التقارير والتعليقات في وسائل الإعلام احتمالات الصدام، اجتمع مسؤولون أتراك و”إسرائيليون”، الأسبوع الماضي في باكو للتوصل إلى تفاهم عبر وساطة أذربيجان، هذه السلسلة من الأحداث تُظهر بوضوح وجود العديد من المشاكل بين البلدين، خاصة في سوريا، فضلا عن غزة.
بعد أن صرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في 10 أبريل/نيسان بأن تركيا ليس لديها نية للتصادم مع إسرائيل، أو أي دولة أخرى في سوريا، رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقوله: «لا نريد توترا مع تركيا، ولكن إذا تطلب الأمر الدفاع عن أنفسنا، فسنفعل ما يلزم». كما أعرب كبار المسؤولين العسكريين الأتراك عن ردود فعل قوية على تصريحات نتنياهو خلال ظهورهم على شاشات التلفزيون.
من جهته، استخدم زعيم حزب الحركة القومية (MHP) دولت بهجلي، أحد الأسماء البارزة في السياسة التركية، تعابير حادة في تصريحاته حول الموضوع، قائلا: «يجب تنفيذ تدخلات عسكرية وسياسية واقتصادية ضد إسرائيل! لم يعد هناك مجال للانتظار». وأضاف بهجلي في بيان: «يجب وضع برنامج للعمل وفرض العقوبات ضد إسرائيل، وتنفيذه بشكل منسق عبر تدخلات عسكرية وسياسية واقتصادية. إن تحرك دولة الإرهاب إسرائيل بين أقدامنا في سوريا، وقصفها أهدافا محددة بين الحين والآخر، ينسج يوما بعد يوم شباك مصيرها المحتوم».
بعد هذه الإشارات التي أطلقها بهجلي نهاية الأسبوع الماضي، وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تحذيرات خلال منتدى أنطاليا الدبلوماسي قائلا: «إسرائيل ترتكب إبادة جماعية صارخة ضد الشعب الفلسطيني. رفع صوتنا ضد هذا الوضع، والاعتراض على هذا الظلم، وإبداء أقوى رد فعل، ليس فقط واجبنا الأخوي، بل هو أيضا واجبنا الإنساني، الصمت على جرائم إسرائيل يعني المشاركة في ارتكاب هذه الجريمة».
أضاف في كلمته: «السلام في الشرق الأوسط ممكن فقط على أساس حل الدولتين للقضية الفلسطينية الإسرائيلية»، مؤكدا أن «الأمة التركية، كما كانت طوال التاريخ، تقف اليوم أيضا في تضامن مع إخوانها الفلسطينيين». لا شك أننا ندخل مرحلة جديدة في الجغرافيا السياسية العالمية، حيث تتجاوز الأهمية الحيوية التي تمثلها روسيا وتركيا للولايات المتحدة بالنفوذ التقليدي لبريطانيا وإسرائيل. ففي قضية أوكرانيا، استبعد ترامب بريطانيا، ويتبع نهجا مماثلا ضد إسرائيل، التي تصر على سياسات معادية لتركيا في الشرق الأوسط وشرق المتوسط، خاصة في سوريا. وهو مضطر لذلك، لأن الولايات المتحدة لم تعد تمتلك رفاهية مواجهة تركيا بسبب إسرائيل.
كما أن استراتيجية المحافظين الجدد الأمريكيين الموالين لإسرائيل، والتي تهدف إلى تجاوز تركيا في سياسة الشرق الأوسط منذ حرب لبنان 2006، قد باءت بالفشل. كان ثمن سياسة المحافظين الجدد التي تركز على إسرائيل بدلا من تركيا في الشرق الأوسط باهظا. لم تخسر الولايات المتحدة فقط الحرب على الإرهاب، بل تعرضت أيضا لهزائم استراتيجية أمام روسيا والصين في الصراع العالمي. حاولت إدارة جو بايدن إحياء استراتيجية الشرق الأوسط المنهارة للولايات المتحدة عبر إسرائيل، من خلال إبادة غزة، لكن ذلك أيضا انتهى بالفشل.
تركيا، التي صنعت التاريخ في سوريا بعد قطر وقره باغ والصومال وليبيا والعراق، أثبتت مرة أخرى للعالم أن ورقة إسرائيل أصبحت عديمة الفائدة. وبالتالي، فإن أهمية تركيا في النظام العالمي تتزايد يوما بعد يوم، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل أيضا بصفتها فاعلا يمتلك الجيش الوحيد في الناتو القادر على الصمود، ولدورها كوسيط وصانع لألعاب استراتيجية في مناطق حاسمة، مثل وسط آسيا والمحيط الهندي الهادئ وشرق المتوسط وشمال افريقيا خارج نظام الأمن الأطلسي.

خلاصة القول؛ في عالم متعدد الأقطاب، سيكون وزن روسيا وتركيا في السياسة الخارجية الأمريكية أكبر بكثير من إسرائيل، على الرغم من قوة اللوبي اليهودي. وترامب يقوم بالفعل بتكييف سياسته الخارجية وفقا لهذه المعايير والفاعلين الجدد. السطور التي تشير إلى إسرائيل في الوثائق التي رُفعت عنها السرية حول اغتيال كينيدي، بالإضافة إلى حملة ترامب الأخيرة ضد المحافظين الجدد داخل الدولة العميقة، هي مؤشرات على هذا التوجه الجديد، ولذلك، يجب قراءة الهستيريا المعادية لسوريا وتركيا من جانب إسرائيل، التي لم تحصل على الدعم الذي تريده من الولايات المتحدة خارج نطاق فلسطين، في هذا السياق.

توران قشلاقجي/ “القدس العربي”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى