هل تحرّر لبنان حقاً؟!
“المدارنت”..
يحتقل لبنان اليوم بالذكرى الرابعة والعشرين لعيد “المقاومة والتحرير”، فأصدر رئيس مجلس الوزراء (اللبناني نجيب ميقاتي) كما درجت العادة في عيد الاستقلال على سبيل المثال، مذكرة إدارية تقضي بإقفال المؤسسات الرسمية والخاصة والمدارس والجامعات بهذه المناسبة، لكن السؤال الحقيقي يبقى: هل تحرر لبنان حقاً لكي يتم الاحتفال بها؟
لا يمكن لمن يختلف مع “حزب الله” أو يناصره، إلا أن يعترف له بالمقاومة التي انتهجها طريقاً لدحر الاحتلال وأوجعت الجيش “الاسرائيلي” (الإرهابي الصهيوني) وكبّدته خسائر مادية وبشرية ما دفعه إلى الانسحاب المفاجئ، تاركاً وراءه أذيال عملائه الذين ما لبثوا أن فروا من الجنوب والتحقوا بالكيان الصهيوني، فيكون الافتراض المنطقي أن الجنوب العزيز على قلوب اللبنانيين جميعاً عاد إلى كنف الدولة وتحت سيادتها.
لكن واقع الحال يشي بغير ذلك، إذ إن “حزب الله” أبقى بطريقة “ربط النزاع” وجوده العسكري في الجنوب، ما شكّل عائقاً فعلياً أمام بسط الدولة لسيادتها على المنطقة، ثم عاد وانخرط في مواجهة مع العدو الصهيوني في العام 2006، فورّط الجنوب ولبنان في حرب قاسية دامت 33 يوماً انتهت بالقرار الدولي 1701 الذي أوقف العمليات الحربية بينه وبين الجيش “الاسرائيلي”.
وتنفيذاً للقرار الأممي، انتشرت قوات الجيش اللبناني في آب من العام نفسه للمرة الأولى منذ العام 1978 على طول الخط الحدودي المسمّى بـ“الخط الأزرق” ليساند قوات الطوارئ الدولية “اليونيفيل” في مهمتها الموكلة إليها أصلاً بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 425 لحفظ السلام على طرفيّ الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة. وكان ذلك الانتشار بمثابة الملامح الأولى الفعلية لعودة سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، لكن هل كان ذلك يحدث حقاً؟
وعاش الجنوب منذ ذلك الحين استقراراً ملحوظاً لم تعكره سوى الخروق “الاسرائيلية” المتكررة للقرار 1701 جواً وبحراً وبراً، فيما عمد “حزب الله” من جهته إلى تعزيز وجوده العسكري الظاهر، والمستتر خلف جمعيات بيئية وزراعية، بعدما اعتبر أن التحرير لم يكتمل لعدم انسحاب العدو الصهيوني من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، فكانت هذه الورقة بمثابة قميص عثمان ليبقي على شرعية سلاحه ومقاومته، وفقاً لمصدر قانوني اشترط عدم الكشف عن اسمه لموقع “لبنان الكبير”.
ويضيف المصدر: “إن وجود حزب الله في الجنوب طبيعي لأنه من هذه البيئة وأهله وناسه شكروه وقدروا التضحيات التي قدمها في سبيل إعادتهم إلى قراهم ومنازلهم وحقولهم الزراعية، غير أن احتفاظه بسلاحه وتعزيز قواعده بين منازل السكان الآمنين، يعّرضهم في أي وقت لخطر الاعتداءات “الاسرائيلية”.
ويعرب المصدر عن اعتقاده أن “حائط الفصل العنصري الذي أقامه الكيان الصهيوني ونشر عليه كل التقنيات التجسسية الحديثة كانت بهدف مراقبة عناصر “حزب الله” في تحركاتهم في المنطقة الحدودية، ما جعل الحزب في حالة جهوزية عسكرية دائمة وشرع في تطوير قدراته التجسسية مستعيناً بالخبرات الايرانية، ولم يخفِ يوماً الأمين العام السيد حسن نصر الله هذا الأمر”.
ويشير المصدر إلى أن الحرب الاستباقية التي شنها الحزب في 8 تشرين الأول الماضي لاسناد حركة “حماس” التي تتعرض ويتعرّض معها الشعب الفلسطيني، لأبشع أنواع القتل والتدمير الممنهج والتطهير العرقي، ليست إلا إثباتاً لوجود الحزب في الجنوب، وعلى طول الخط الحدودي واستعداده عسكرياً، ما يجعله في هذه الحالة خارقاً بوضوح القرار الدولي 1701 الذي نصّ على عدم وجود أيّ سلاح في المنطقة جنوب نهر الليطاني باستثناء سلاح الشرعية اللبنانية.
ووفقاً لكل القوانين الدولية، يقول المصدر، فإن أي فريق مقاوم يتصدى لقوات احتلت بلاده، يقوم بعد التحرير بتسليم المنطقة المحتلة إلى الشرعية المتمثلة بسلطات دولته الدستورية، وهذا ما لم يقم به “حزب الله” ما يجعلنا نطرح حقيقة السؤال التالي: هل فعلاً تحرر الجنوب وعاد إلى كنف الدولة اللبنانية؟
غير أن مطالبة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، بالاحتفال بيوم تحرير لبنان من القبضة السورية التي هي بنظره كانت احتلالاً، ليست في محلها وفق المصدر، إذ ان العالم بأجمعه وجامعة الدول العربية واتفاق الطائف، سمحوا للجيش السوري بالدخول إلى لبنان، بناء على طلب من الشرعية اللبنانية، وسوريا دولة شقيقة، ولو أن ممارسة جيشها وجهازها الأمني والسياسي لم تكن مقبولة لجهة الامساك بالقرار السياسي اللبناني.
ويختم المصدر: “محق هو الرئيس نبيه بري الذي كتب بمناسبة العيد: إذا لم تكن اللحظة التي تستعيد فيها الأمم والأوطان والشعوب سيادتها وتحرير ترابها وإنسانها عيداً وطنياً فمتى تكون الأعياد؟ غير أن ما فات الرئيس بري هو أن الأمة اللبنانية والوطن اللبناني لم يستعيدا سيادتهما بل سلّماها الى احتلال من نوع آخر، وهي الفوقية التي يمارس فيها “حزب الله” سياساته على حساب الدولة التي صادر كل قراراتها وعلى الأقل تلك المتعلقة بالسيادة”.