تربية وثقافة

هل تراجع النقد أم انتفى دوره؟!

خاص “المدارنت”..
لا أعلم ما هي أبرز تعريفات النقد ف الإبداع عامة وفي الأدب خاصة.
لكني أعرف وبالسليقة أنه وسيط بين جهتين، كواقع حال التفاوتات التي كانت سائدة سابقاً.
يوم كان الوسيط ضرورة بين الجماهير والمسؤول، وبين الريف والمدينة، والعامل ورب عمله، والعبد والسيد.
كذلك كان المثقف والكاتب طبقة والقارىء أخرى.
كانت نسبة القارئين محدودة وجداً. وكذلك نسبة الكتّاب، لذا كان النقد ضرورة لتعبيد الطريق بين الطبقتين، طبقة القراء، وطبقة الكتاب.
كان النص يومها حجراً كريماً. ومن حوله أكف لا تعرف الفرق بين الأحجار، ولا تميّز كريمها من بخيلها.
نحن اليوم في زمن زالت فيه معظم الطبقات. واختفت معظم الحواجز التي كانت تحول بين طبقات الناس.
وبات بإمكان أي شخص أن يتواصل مع أي شخص بشكل مباشر، أو عبر وسائل التواصل.
كذلك يملك غالبية الناس اليوم القدرة على إيصال أفكارهم.
والنص فكرة وأفكار. وتتقدم يوماً بعد يوم مسارات تذوق الإبداع على تحليله.
يساهم في ذلك تنامي معدلات القراءة، الووعي، والتواصل الحديث، وانتشار الكتاب والنصوص بين أكف الجميع. بالإضافة إلى تنامي جرأة القول والتعبير بشكل واضح.
لكل هذا أتفق مع ما ورد في تعليق الصديق الروائي السّعودي أحمد السماري في اقتراب أفول نجم النقد، وانتفاء وظيفته، خلال رده على تعليق يتحسر فيه المعلّق على زمن النقد والنقاد.
أتى ذلك خلال تواصل أسفل منشور لمقتطفات لمقالة بعنوان:
“الجيل الذي يختار لغته” للدكتور عبدالله الغذامي.
قديماً كانت تربية الأبناء تقع على عاتق الآباء، لذا كان الأب يصطحب ابنه إلى مجالس شيوخ المحلة أو كبارها.
كانت أيامّاً قد حذفت فيها الأنثى من معظم الوظائف، باستثناء وظيفتها الجنسية وخدمة الأسرة.
لكننا بلغنا زمناً غالبية الأمهات وربات البيوت فيه متعلّمات أكثر من أزواجهن، ويحملن شهادات عالية في التربية والتنمية والمعارفة.
أمهات بات لهن رأي باللون، والحركة والنغمة والحرف والشكل والمضمون.
أمهات دفعهن وعيهن بالجمال إلى كثير من مجالات الحياة.
لذا قد يعيش النقد ما عاشت المساحات الفارغة في الصّحف والمواقع التي تبحث عن كم.
غير أنّه ما عاد نقداً يواكب ما يكتب كل يوم.
قرأت في الصباح، رثاء إبداعياً للشاب السوداني، يعقوب عبد العزيز في أخيه الذي قتلته الحرب هناك.. في ذلك البلد الذي يزداد سواداً على سواد بشرة أبنائه في القارة السوداء.
كان نصاً عميقاً لشاب كتب ويكتب بكلّه، وليس بما تعلمه من المدارس والكتب فقط، قد تكون الحرب مدرسة في الجمال، وقد يكون الموت أعظم معلميها.
وتضج وسائل التواصل ودور النشر الذكية بكثير من النصوص المدهشة.
التي ما عاد للنقد من قدرة على مواكبتها.
كنت في نقاش مع الصديقة الشاعرة حكمت حسن، حول ظهور دور نشر تقوم على رأس مال وكاتب مفلسَين جمالياً.
تدفع الأول إلى الثاني نزعة مرضية للوجود، وتربط الثاني بالأول المساحة المتبقية خارج أبواب دور النشر المحترمة.
إنها علاقة مختلّة بين مال يسهم بغباء في تمويل تفاهة تحسب على الكتابة والإبداع.
فلا ماله يثمر، ولا كتاباتهم تغيّر. وهي طفرة طفيلية وحتماً إلى زوال.
أمام هذا الكم الهائل مما ينشر بغثه وسمينه، صار الناقد هو المتذوق نفسه، فهو الذي سيقرر استمرار هذا الكاتب وهذا النوع من الكتابة، أو توقّفه.
أمّا حفلات التوقيع وما تحويه من ضيافة، ومؤثرات وكرت دعوة مزخرف، وقائمة طويلة بأسماء المتحدثين، ومئات أحضرهم الفراغ والمجاملات، فكل ذلك لن يزيد في عمر كاتب ونص ميّتيَن ساعة.

الكاتب عمر سعيد/ لبنان
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى