مقالات

هل تستطيع «حماس» رفض المقترح الأميركي؟!

“المدارنت”
أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت أن حكومة إسرائيل وافقت على مقترح المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف حول وقف إطلاق النار لمدة 60 يوما، وتبادل الأسرى في غزة، وهو اتفاق رأت فيه وسائل إعلام إسرائيلية انحيازا أكثر لتل أبيب من المقترحات السابقة.

يتضمن الاتفاق ثلاثة عناصر رئيسية: الرهائن، والمساعدات الإنسانية، والأنشطة العسكرية الإسرائيلية، وفيما يتركز اهتمام إسرائيل على إطلاق عدد من الأسرى في حيز زمني سريع (7 أيام يطلق فيها 10 أسرى أحياء و18 متوفين)، وعلى أن يتم التفاوض على الباقين بعد انتهاء المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، فإن ما يهم الجانب الفلسطيني هو في المرحلة الأولى من المقترح أن يتضمن وقف الهجمات، وانسحاب القوات الإسرائيلية ودخول المساعدات وإطلاق أسرى فلسطينيين.
ما حصل أن مقترح ويتكوف يترك الأمور مفتوحة للاحتمالات بحيث يشمل إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي في الجزء الشمالي من القطاع وفي ممر نتساريم، وتتبع ذلك، بعد إطلاق الدفعة الثانية من الأسرى، إعادة انتشار في الجزء الجنوبي «بناء على خرائط يتفق عليها»، فيما تعمل الفرق الفنية على تحديد حدود إعادة الانتشار النهائية.
كانت «حماس»، بعد تدخل من رجل الأعمال الأمريكي بشارة بحبح، قد وافقت على مقترح يتضمن سحب القوات الإسرائيلية من المناطق حتى حدود 2 آذار/ مارس 2025، مع تعهد أمريكي بموجبه بقيادة مفاوضات تفضي لوقف شامل للحرب، وعدم العودة للحرب في حال تعثرت المفاوضات، كما يتم إدخال المساعدات بشكل غير مشروط وفق البروتوكول الإنساني (الذي اتفق عليه في هدنة المرحلة الأولى في 17 يناير/ كانون الثاني 2025).
تدخل المبعوث الأمريكي، بعدها، لتعديل المقترح بما يتفق مع الخطط الإسرائيلية اللاحقة، وهذا يفسر قول باسم نعيم، أحد كبار مسؤولي «حماس»، إن «الرد الصهيوني (الأخير) يعني في جوهره تكريس الاحتلال واستمرار القتل والمجاعة»، لكنه عقّب بالقول إن الحركة ستدرس الاقتراح «بكل مسؤولية وطنية».
مع الإعلان الأمريكي عن موافقة إسرائيل على المقترح، يواجه رئيس حكومة إسرائيل هنا احتمالين: الأول هو أن يتمكن من إقناع شريكيه المتطرفين يمينيا في الائتلاف بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير بالقبول بهذا الاتفاق باعتباره يؤمن عودة عدد من الأسرى من دون أن يغلق باب العودة للحرب، ويعطي حكومته مهلة زمنية للخروج من الضغوط الداخلية والخارجية، والثاني هو إعلانهما الانسحاب ما يعني احتمالات تفكك الحكومة وإجراء انتخابات جديدة وعدم تمكن نتنياهو من ضمان نجاح حزبه في حصد المقاعد الكافية في الكنيست لتشكيل حكومة جديدة..
يمثل المقترح أيضا حلا مناسبا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي اضطر، بعد أن رفع سقف طموحات حكومة إسرائيل المتطرّفة باقتراحاته الخرقاء حول تحويل قطاع غزة إلى ريفييرا وخروج الفلسطينيين منه، إلى «النزول عن الشجرة» والضغط على نتنياهو للقبول باتفاق هدنة وذلك بعد التغيير الكبير الذي طرأ على استراتيجيات الإدارة الأمريكية والذي انعكس باعتماد خيار التفاوض مع إيران بدل الحرب معها (وإعلان وقف التنسيق معها لمنعها من الهجوم على إيران، أمس)، ووقف إطلاق النار مع حركة «أنصار الله» الحوثيين في اليمن، والدفعة الكبيرة التي تلقاها الرئيس الأمريكي من زيارته إلى دول الخليج العربي التي عزّزت أجندة الاستقرار في المنطقة العربية، وتجلى ذلك في التغير السياسي الكبير المتمثل بلقاء الرئيس السوري أحمد الشرع وإعلان أمريكا رفع العقوبات عن سوريا.
تقوم إدارة ترامب، عبر مقترحها الآنف، بالمراهنة على إدخال إسرائيل ضمن الإطار العام لاستراتيجية إعادة تشكيل الشرق الأوسط، والذي يتضمن، في نهاية الأمر، العمل على خروج حركة «حماس» من المعادلة الفلسطينية، ومقايضة قبول إسرائيل الخطة العربية لقطاع غزة مقابل انفتاح باب التطبيع مع العديد من الدول العربية.
ليس مضمونا، بالتالي، أن ينهي المقترح مساعي نتنياهو إلى محاولة ضبط التوازنات الحادة ضمن الحكومة، والإسرائيليين أنفسهم، للعودة الى استراتيجية تدمير المشروع السياسي الفلسطيني، بما في ذلك السلطة الفلسطينية.
في المقابل، وفي ظل الاستراتيجية الأمريكية الآنفة، والضغوط الأوروبية التي تتضمن اعترافا قريبا من فرنسا وغيرها من الدول بدولة فلسطين، يمكن لـ»حماس» أيضا اعتبار الاتفاق مهلة زمنية مطلوبة لوقف الإبادة، مع المراهنة على تزايد احتمال التصدع في الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، وكذلك المراهنة على احتمال حصول اتفاق مع إيران، وتزايد مطالب الاستقرار في المنطقة، وهي احتمالات قد يصعب على «حماس»، في الظروف الراهنة، رفضها، وبالتالي، رفض الاتفاق، رغم عيوبه.

رأي “القدس العربي” اليوم
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى