هل هناك خطة بديلة لتوطين الفلسطينيّين في سوريا؟
“المدارنت”..
إسرائيل أثارت من خلال هذا الطرح قلق الدول العربية على أمنها واستقرارها
حاجة الإدارة السورية الجديدة للاعتراف وتأمين المساعدات لإعادة الإعمار.
مفاوضات نقل “الغزّاويّين” من أرضهم إلى مصر والأردن تتدحرج كرة ثلج لتقذف مجدداً إلى سوريا، فرصة تراها تل أبيب بيضة قبان يمكن أن تنهي كل التوترات التي تعيشها من قبل المجموعات المدعومة إيرانية، ومن جهة ثانية الفرصة التي لن تتكرر والمتمثلة في حاجة سوريا الماسة بالاعتراف الدولي والشرعي بالإدارة الجديدة برئاسة رئيس الجمهورية السورية أحمد الشرع، بعد سقوط بشار الأسد وهربه إلى روسيا.
الخطة البديلة
ويتحدث إعلام غربي عن “خطة بديلة تحاك هدفها التهجير إلى التراب السوري مقابل الاعتراف السياسي، والدعم الإقتصادي من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية”، وبحسب القناة السابعة الإسرائيلية ذلك نتيجة حاجة الإدارة السورية الجديدة الملحة للاعتراف وتأمين المساعدات لإعادة الإعمار، وإغداق الاستثمارات والمبادرات لإضفاء شرعية على الرئيس الشرع بعد حرب مدمرة لعقد من الصراع، وهي فرصة بديلة بعد الرفض المصري والأردني توطين أبناء قطاع غزة في أراضيهما.
وكان اقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بدعوة مصر والأردن في الرابع من فبراير (شباط) الجاري عقب لقاء جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو في واشنطن، لاستقبال فلسطينيي غزة أثار جدلاً واسعاً، مما شكل صدمة بإماطة اللثام عن خطة توطين 2.2 مليون فلسطيني خارج قطاع غزة، ومن ثم استثمار القطاع بمشروع أطلق عليه “ريفييرا الشرق الأوسط”.
ترمب بأسلوبه المعروف وبعقلية التاجر المحنك يسعى لتحقيق هذا المشروع بتصريحات لاحقة كان وقعها صادماً أكثر تلغي “حق الفلسطينيين بالعودة”، بموجب خطته.
محاذير وألغام على الطريق
في الأثناء لا يستبعد الأكاديمي الفلسطيني المتخصص في الشأن الإسرائيلي في جامعتي القدس وبيرزيت محمد هلسه في حديث إلى “اندبندنت عربية” تنفيذ “هذه الخطة البديلة خصوصاً أمام تأثير عسكري ومالي وبدعم أميركي”، كذلك يرى في هذه الخطة كثيراً من المحاذير والألغام، وباعتقاده ليست خطة طريقها معبد بالورد كما يصف، المسألة ليست مرتبطة بما تريده إسرائيل وأميركا بقدر ما هي مرتبطة بإمكانية تحقيقها على الأرض وتقبل الأطراف الأخرى لها.
وأضاف، “سنشهد تدخلاً أعمق من الدول العربية، وربما إقصاء ’حماس’ يدفع جانباً قضية الترحيل والتهجير للغزاويين، ولكن كفكرة ستظل قائمة وتبقى فزاعة بالحد الأدنى إن لم يتم تحقيقها كلية لكنها ستحقق جملة من الإنجازات لخفض سقوف اشتراطات الدول العربية، ولرفع مستوى تدخلها ومساهمتها. ونستذكر رسالة تل أبيب باحتلالها جزءاً من الأرض السورية وهو بأن يتشكل نظام في سوريا لا يكون في برامجه أي من أهداف مقاومة إسرائيل”.
نافذة للدخول إلى سوريا
يأتي ذلك في وقت تعاني فيه سوريا من تحديات اقتصادية ضخمة في مقدمها إعادة الإعمار، مما يحتاج إلى مشاركة وإرادة دولية. ونتيجة تواصل الإدارة الجديدة مع مسؤولين في الإدارة الأميركية والدول الأوروبية أزيلت العقوبات الاقتصادية بصورة جزئية بسبب التعامل الحذر مع الرئيس أحمد الشرع.
وأبدت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا جهوزية الصندوق لدعم سوريا، وإجراءات التواصل بدأت بالفعل مع المؤسسات الرئيسة منها مصرف سوريا المركزي، وكشفت تقارير البنك الدولي والأمم المتحدة عن كلف تصل إلى نحو 300 مليار دولار لإعادة الإعمار.
ويعتقد الباحث الأكاديمي هلسه، أن استغلال حاجات الدول العربية الاقتصادية والمالية نافذة مهمة تعتمد عليها الولايات المتحدة، وفي الحال السورية ربما يكون الأمر مضاعفاً أكثر كون النظام يحتاج إلى الاعتراف بالشرعية الدولية، ومن ثم “تعتقد إسرائيل أن التلويح بهذه القضية بعد تدمير جزء من القدرات العسكرية السورية، ومع وجود قوات لها على الأرض، قد يمكنها من فرض هذا الأمر بتنفيذ الخطة”.
في المقابل يعتقد المتخصص بالشؤون السياسة السورية، أحمد مظهر سعدو أنه حتى لو كانت المسألة متداولة في الإعلام الإسرائيلي فإن ذلك لن يحصل لأن الطرفين لا يوافقان عليه لا أهل غزة بصدد قبول أي تهجير جديد من أرضهم، ولا الإدارة الجديدة في سوريا ستقبل بذلك، ويبدو أنه تأكد حضور الرئيس السوري للقمة الطارئة في القاهرة، وسوف يعلن من هناك رفضه تهجير الفلسطينيين إلى أي بلد كان إذ لا يجوز تهجيرهم بصورة قسرية”.
وجاء في حديث خاص للخبير السياسي سعدو، أن هناك صعوبة كبرى في قبول الفلسطينيين أولاً أي عملية تهجير حتى لو كانت تحت القصف والقتل، فقد تعلموا كثيراً من الحروب التي أدت إلى تهجيرهم، وهي تعني بالضرورة محو الهوية الفلسطينية وتوزيع الشعب الفلسطيني خارج أرضه “كرماً لعيون نتنياهو”، وهو ما لا يقبله العرب في هذه المرحلة، بحسب وصفه.
انعكاسات عدم الموافقة
وعكفت تل أبيب على قصف شديد للمنشآت العسكرية السورية بعد ليلة واحدة من سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024 في دمشق وجنوب البلاد مستهدفة البنية التحتية المهمة والأسلحة الاستراتيجية، خشية أن تقع بين أيدي القوى الجديدة، وما قد تحمله من فكر أيديولوجي متشدد، وتابعت بالتوغل في أراضي سوريا بالمنطقة الحدودية من جهة القنيطرة، واحتلت أراضي سورية إضافية من جهة أراضي الجولان في محافظة القنيطرة، وبمنطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي.
“نعم سيزداد توغل الإسرائيليين في الأراضي السورية” بهذا يرد الباحث السياسي، سعدو حول انعكاسات رفض دمشق الخطة في حال طرحت على طاولة المفاوضات.
وتابع، “بل سيزداد التوغل سواء قبلت حكومة دمشق توطين الفلسطينيين أم لم تقبل، وقد بدأت ذلك إسرائيل منذ سقوط نظام الأسد وفراره إلى روسيا، ولم تنتظر أي أحد، وذلك بمباركة أميركية من إدارة ترمب، ولن يقف المشروع الإسرائيلي عند حد لا سيما في ظل غياب أي مشروع عربي قوي متماسك ومناهض للخطر الإسرائيلي أو الخطر المحدق الآخر وهو الإيراني”.
إنزال “حماس” من شجرة مطالبها
واستقبلت سوريا موجات هجرة عدة من فلسطين بعد النكبة عام 1948 إلى اليوم، ويقطنون في أحياء سكنية يطلق عليها “مخيمات” أشهرها مخيم اليرموك، ويبلغ عددهم في سوريا ما يزيد على نصف مليون النسبة الأعلى منهم (67 في المئة) تتركز في دمشق، يتوزعون أيضاً في مخيمات منها سبينة وخان الشيح والسيدة زينب وجرمانا، وفي الشمال يوجدون في مخيمي النيرب وحندرات بنسبة خمسة في المئة وفي درعا تسعة في المئة أما القنيطرة تبلغ نسبتهم ثمانية في المئة.
كما ينقسمون إلى عدة أقسام بحسب تاريخ وصولهم إلى سوريا (1948، 1956، 1967، 1970) وتحرص المؤسسات كافة على عدم تجنيسهم حفاظاً على الهوية الوطنية الفلسطينية رغم إقامتهم لعقود طويلة في البلاد.
وإلى ذلك يعد هلسه أن “إسرائيل لن تترك باباً يوصلها إلى هدفها إلا وتطرقه، من المحتمل تنفيذ هذا الهدف باستغلال المناخ والظروف اللتين خلقتهما الحرب في قطاع غزة الذي تم تحويله إلى منطقة غير قابلة للحياة، واستغلال تصريحات الإدارة الأميركية الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، وأيضاً التحولات والمتغيرات الدولية الأخرى منها الصمت العربي والدولي ومقدرتها على وقف الحرب التي تشن في قطاع غزة”.
وينبه هلسه إلى أن إسرائيل ومن خلال هذا الطرح أثارت قلق الدول العربية على أمنها واستقرارها، وهكذا تكون قد استدرجت الدول العربية لتدخل أكبر وكبح جماح حركة “حماس” وإنزالها من شجرة مطالبها وإقصائها عن المشهد السياسي والإداري في القطاع.