هل يكرّر المسيحيون (في لبنان) تجربة “الحلف الثلاثي” العقيمة؟!
“المدارنت”..
كثرت في الآونة الأخيرة محاولات جدية في صفوف القوى المسيحية الحزبية والمدنية على حد سواء لإحياء فكرة “الحلف الثلاثي”، الذي أسهم في غابر الزمان في إسقاط “النهج الشهابي”، وذراعه الأمنية والسياسية المتمثلة في “المكتب الثاني”، لكن هذه التجربة أثبتت لاحقاً عقمها إذ أدخلت البلاد في أتون صراعات لم تنته مفاعيلها لغاية اليوم، فهل تكرر القوى هذه التجربة فتقضي على ما تبقى من “نفوذ مسيحي” في السلطة؟
عندما اجتمع رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” الراحل الشيخ بيار الجميل مع رئيس حزب “الوطنيين الأحرار” الرئيس الراحل كميل نمر شمعون، وزعيم حزب “الكتلة الوطنية” الراحل العميد ريمون اده، كانت البلاد تمر في ظروف مختلفة جذرياً عن المخاض الذي تعيشه في هذه الأيام، وإذا كان الهدف في ذلك الوقت القضاء على “الشهابية”، والتخلّص من “المكتب الثاني” الذي كان يحكم بقبضته الحديدية على الحياة السياسية في لبنان، فإن السؤال المطروح اليوم، على من تريد القوى المسيحية القضاء؟ هل على المنظومة السياسية التي شكّلت هذه القوى جزءاً لا يتجزأ منها أم على ما يسمّونه “هيمنة سلاح حزب الله”؟
وتقول مصادر مسيحية منخرطة في نقاش داخلي وفي بعض الأحيان علني، حول طرح تشكيل “تحالف ثلاثي” يضم حزب “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” (التيار العوني) وحزب “الكتائب”، إن هذه النقاشات تجد قبولاً لدى معظم المشاركين فيها، غير أن المعنيين مباشرة بالأمر مثل رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل لا يبدي موقفاً واضحاً منها لا بل في معظم الأحيان يكون مستمعاً ولا يبدي رأيه.
وتضيف المصادر لموقع “لبنان الكبير”: “لقد كان لتحالف الجميل وشمعون واده نكهة فيما مضى ونجح في القضاء على الشهابية لكنه لم يقطف أي ثمار أخرى فبوصول الرئيس سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة في العام 1970 على الرغم من ترشح الجميل واده للرئاسة، أثبت أن اليد الواحدة لا تصفق، ففرنجية كان في تكتل الوسط وفاز بفارق صوت واحد على المرشح في حينه الرئيس لاحقاً الياس سركيس مرشح النهج الشهابي”.
وتؤكد المصادر أن فوز فرنجية كان بمثابة درس أول للقوى المسيحية أنها “لا تستطيع أن تحكم لبنان بمفردها وعليها التعاون مع الشريك المسلم الذي يجب أن يكون هو أيضاً مقتنعاً بضرورة التعاون مع الشريك المسيحي في إدارة البلاد”.
وعلى الرغم من أن محاولات إحياء “الحلف الثلاثي” ليست موجهة بالضرورة ضد المسلمين اللبنانيين، إلا أن الغاية منه كما تقول المصادر، توجيه رسالة إلى “حزب الله” بالتحديد ومعه شريكه في الثنائي القابض على الدولة، أنه لا يمكن القبول باستمرار الوضع القائم منذ اتفاق الطائف لغاية اليوم والذي تكرّس فعلياً بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وإذا كان رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع ذهب بعيداً في معارضة “حزب الله”، ولاقاه في منتصف الطريق رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل، إلا أن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، كان حليفاً موثوقاً من “حزب الله” منذ العام 2006، بعدما وقع معه ما عرف باتفاق “مار مخايل”، لكنه ابتعد قليلاً عنه في الفترة التي تلت نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون بسبب موقفه من الانتخابات الرئاسية.
وتشير المصادر إلى أن “هذا هو بيت القصيد، فالرسالة التي يجب توجيهها إلى “حزب الله” هي أنه بعدما تمكن من استمالة الطرف المسيحي الأقوى على الساحة السياسية والشعبية اللبنانية في الفترة الماضية، إثر الخلاف معه حول ترشيح رئيس “تيار المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، فإنه استغنى عن الطرف المسيحي إذ أصبح همه الوحيد اليوم هو استمالة القاعدة السنية الغارقة في ضياع بعد إعلان زعيمها الأقوى الرئيس سعد الحريري تعليق عمله السياسي”.
وتعتبر أن “هذا التعاطي من “حزب الله” مع المسيحيين لم يعد مقبولاً، وعلينا أن نوجه اليه رسالة قوية بهذا المعنى وهو توحد المسيحيين ضد هذه السياسة”.
لكن علاقة النائب باسيل بـ“حزب الله” ليست مقطوعة بالكامل، كما أن نهجه الانفتاحي الأخير الذي جعله يجول على مختلف المناطق اللبنانية ويلقى قبولاً شعبياً وسياسياً تميّز بالتعاون مع الحزب “التقدمي الاشتراكي” ومع قوى “سنية” كان اختلف معها في السابق، تجعله متردداً في الدخول في تحالف كهذا، خصوصاً وأن أفقه المستقبلي غير مضمون النتائج وربما كانت انعكاساته ومضاره أكبر بكثير مما يعتقد المروّجون له.
واستناداً الى هذا الواقع، تطرح المصادر سؤالها الشرعي: “هل يرضى النائب باسيل بالانضمام إلى مثل هذا التحالف الذي يجعله يقبع على يمين غريمه التقليدي سمير جعجع؟”.
واستطراداً تقول المصادر إن مثل هذا التحالف محكوم بالفشل سلفاً كما أنه سيكرر الأخطاء نفسها التي ارتكبها التحالف الأول بقيادة الثلاثي الجميل – شمعون – اده، والتجربة المماثلة الثانية التي قادها عون – جعجع – الجميل في مقاطعة الانتخابات النيابية في العام 1992 والتي أبعدتها عن المشاركة الفعلية في السلطة كما في القرار السياسي.
الأيام المقبلة كفيلة بتبيان الدخان الأبيض من الأسود.