واخجلتاه من التاريخ
حسين أبو علي/بولندا
خاص “المدارنت”..
واخجلتاهُ من التاريخِ إن نَطَقا
يَومًا وَقارنَ ما فينا بِما سَبَقا
حَتمًا سَيَخجَلُ في الإفصاحِ عن كَمَدٍ
أعيا الكتابَ وأبكى الحِبرَ والوَرَقا
ماذا عساهُ لقومٍ مثلنا سَيُري
غيرَ التقاعُسِ في من هَمَّ أو لَحِقا
نَبني العزائمَ من نَصرٍ نخلّدُه
يوماً ونصنعُ دَهرًا كاملاً حَمَقا
ما أنصفَ الدهرُ قومًا إنْ هُمُ
قَعدوا ولا سَقَاهُمُ مِن غيثٍ مَتى وَدَقا
شرُّ البريّةِ في الأقوامِ إن حَكَموا
سَدّوا المنافذَ والأبوابَ والطُرُقا
وَلّوا المَناصِبَ للخصيانِ مِن فِرَقٍ
أضحَتْ بهِم أبدًا أوطانُنا فِرَقا
عاثوا الفسادَ وعافوا الأرضَ مَفسَدةً
ذو المالِ نالَ بِها وذو العِقالِ شَقا
ما أنصفَ الدَّهرُ شعبًا كانَ حاكِمُه
بالإبتسامةِ للمُحتلِّ قد غَدَقا
أو بالأرُزِّ وبالأزهارِ مُحتَفيًا
بإسمِ الضيافةِ جيشَ الغزوِ قد رَشقا
أمّا الذينَ لهُ الأرواحَ قد نَذَروا
لا يملكونَ على ما قد فَدوا أُفُقا
لا يملكونَ سوى ماضٍ يُعلّلُهم
بالأمنياتِ وحلمٍ عُمرَهُم سبَقا
لا يملكونَ سوى ذكرى بها وطنٌ
أسقوهُ من دَمِهِم حينَ السخاءُ سَقا
أعطوهُ بَهجةَ أعمارٍ بلا مَنَنٍ
أعطوهُ مُهجةَ ما بالصَّدرِ قد خَفَقا
أعطوهُ صُحبةَ أترابٍ وفرحتَهم
أعطوا عصارةَ عِشقِ القلبِ مُذ عَشِقا
أعطوا الترابَ سُهادَ الجَفنِ إنْ هَجَعوا
قبلَ النَّجيعِ أفاضوا الكدَّ والعَرَقا
هذي البلادُ بها الأبطالُ تُوئدُهم
وتوقدُ النارَ بالصدقِ الذي إحتَرَقا
تُعلي المقامَ لأسيادٍ بها غدروا
وتوهِبُ النصرَ للواشي ومن أَبِقا
صارَ المُقاومَ مَن في عُنقهِ غَلَلٌ
أو مَن رأيتَ بهِ الخِذلانَ والخَرَقا
النَّصرُ يُنسبُ للخصيانِ مَكرُمةً
والسُّحتُ يُنسبُ للهِ الذي رَزقا
وَيحَ القبائلِ كَيفَ اليومَ فارسُها
لا يعرفُ الخيلَ أو للسيفَِ ما إمتَشَقا
هذي البلادُ بلادٌ لا حياةَ بها
إلا لِمَن أَلِفوا في عُهرِها الغَرَقا
والفِسقُ حينَ يسودُ الفِسقُ في أممٍ
تَلقى الغواةَ على آثارِ من فَسَقا
يُعلونَ شَأنهُ إذْ ذَلَّتْ مَشيئَتُهُم
للهِ شَأنُهُ في ما شاءَ أو خَلَقا
إنّي كتَبتُ إلى التاريخِ مُعتَذرًا
عمّن تَخاذَلَ من قَومي ومَن مَرِقا
عَادَت إليَّ من التاريخِ موعِظةٌ
قالَت عليكَ بذا التاريخِ أنْ تَثِقا
إنّي أدَوِّنُ في كتبي وذاكِرَتي
رغمَ التكاذُبِ بعضُ الحقِّ ما زُهِقا
تلكَ البلادُ لها شَعبانِ ما انْصَهَرا
فكَيفَ أَصهُرُ مَن أعطى بِمَن سَرَقا
تلكَ البلادُ صحارى حَيثُ تبصِرَها
فيها السَّرابُ وفيها الليلُ قد وَسَقا
فيها الرمالُ بِحارٌ ما يزيّنها
إلا النخيلُ على الواحاتِ إنْ بَسَقا
فيها النُّجومُ قَناديلٌ ولو خَفتَتْ
تبقى الدَّليلَ إذا ما بَدرُها مَحَقا
والحُرُّ حُرٌّ ولو في السِّجنِ مَرتَعُه
والعَبدُ عَبدٌ إذا ما إنْقادَ أو عُتِقا
والأرضُ تغدقُ بالجرذانِ مُذ وُجِدَتْ
أمَّا البَوَاشِقَ فالنَّذرِ الذي بَشَقا
والأرضُ تعرفُ أن الخيرَ بِذرَتُها
بعدَ القمامةِ دَومًا تُنبِتُ الحَبَقا
فاكتُبْ فرُبَّ أتى التاريخُ مُعتَذراً
عَمّنْ أساءَ وعَمّنْ إرثَهُ سَحَقا
عَمّنْ تَخاذَلَ عَمَّنْ باعَ أثلَتَهُ
عَمّنْ أَسالَ دَمًا في سَيفِهِ
رَهَقا أكتُبْ لَعَلّكَ في شِعرٍ تُصَوّبُني
فإنَّ بَعضَ ندًى بَعضَ اليَبابِ سَقاُ
وإنَّ أحسَنَ شِعرٍ أنتَ قائلُهُ
شِعرٌ يُقالُ إذا أنشَدتَه صَدَقا…
.