وقف إطلاق النار.. أحلام الغزّيين البسيطة!
“المدارنت”..
يسجّل غدا الأحد، الذي سيبدأ فيه اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، اليوم رقم 469 على عملية «طوفان الأقصى» الحدث الذي كان أشبه بمفاعل نووي أطلق، منذ ذلك التاريخ، سلسلة تفاعلات أدت بالنتيجة إلى حصول تغيير هائل في منطقة المشرق العربي، والعالم، بحيث لم يعد ممكنا فصل مُخرجات الحدث الفلسطيني المهول في غزة، عما جرى في سوريا، ومن ثم في لبنان، من دون أن نعلم، بشكل نهائي، التداعيات اللاحقة الممكنة في مجمل المنطقة، وإن كان يمكن استشعار آثارها البعيدة المدى، في العراق، واليمن… وإيران.
وإذا قصرنا الأمر على غزة، تشير التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، ومؤسسات حقوقية وإغاثية، ومصادر أخرى إلى أن ما حصل في غزة يتجاوز بكثير ما حصل لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، ويتجاوز ما حصل في اليابان أيضا التي تعرّضت لقنبلتين نوويتين. مسحت إسرائيل أكثر من 95٪ من القطاع الزراعي الذي كان يُطعم الغزيين، وهدمت 69٪ من إجمالي المباني في القطاع، ودمّرت المدارس والجامعات والمعاهد والمراكز التعليمية ودور العبادة، وتهدمت وتضررت أغلب المستشفيات.
ما لا تلمسه هذه التقارير، أن فلسطينيي غزة، بعد الهدنة، سيحاولون استجماع بعض الأنفاس بعد أن كانوا مهجوسين طوال هذه الأيام والليالي الرهيبة بمحاولة النجاة من القتل الإسرائيلي بأشكاله المتعددة، من القصف بالقنابل الأمريكية (الغبية والذكية!) التي يصل وزن بعضها ما يقرب من 2000 رطل (حوالي 900 كغ) والقنص المقصود، والمطاردة بالمسيّرة الجهنمية «كواد كبتر» إلى الموت جوعا وبردا.
وثّق مراسل «القدس العربي» في غزة بعضا من المشاعر البسيطة جدا التي حُرم الغزاويون منها، فنقل عن أحدهم، وهو نازح مثل الأغلبية الكبرى من سكان القطاع، قوله إنه «سيظل سهرانا يمشي في الشارع حتى الفجر» فيما قالت أخرى: «نفسي أشوف أولادي يلهون في الشارع بلا خوف» وقال ثالث إنه يتمنى أن ينام ليلا هادئا «لا أخشى فيه ألا أصحو» وحلمت شابة جامعية بالنزول الى البحر كي «ترى فضاء واسعا» وقال آخر إنه يحلم بلقاء أشقاء له ما زالوا في مدينة غزة، «اشتقت لأرضي، حتى لو جرى تخريبها وتدميرها. سأعاود زراعتها من جديد» أما الصحافي سامي أبو سالم، فقال إنه سيكتفي من الهدنة بأن يبحث عن جثمان أخيه، وإيجاد مكان لدفنه، والبحث عن طريقة لإبلاغ أمه، ثم «البحث عن مكان دافئ يؤويهم لنبكي».
يوجّه التقرير الآنف النظر إلى مسألة كبرى لا تكترث لها عادة تقارير مراكز البحث، وسياسات الدول، وتنظيرات التحليل الاستراتيجي المهتمة بتقدير «حسابات النصر والهزيمة» وموازنة «المكاسب والخسائر». يختفي البشر أنفسهم، الذين لا يتبخّر حقهم في الحياة والوجود فحسب، بل تُمنع أضأل رغباتهم الإنسانية البديهية، مثل لعب أطفالهم في الخارج، أو المشي في الشارع في الليل، أو النزول إلى البحر، أو دفن جثامين أحبابهم.
في تعليقها على اتفاق وقف إطلاق النار، التقطت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار، بعضا من أحاسيس الفلسطينيين فوصفته بـ«راحة مريرة طال انتظارها» معقبة أنه «لم يبق (لدى الغزاويين) إلا القليل للاحتفال به» كما لخصته دعاء الحرازين، إحدى ساكنات القطاع بقولها: «باختصار تغيّرنا للأبد. لن يعود شيء أبدا إلى ما كان، ولا نحن».