17,881 شهيدًا.. أطفال فلسطين و«العالم المتحضر»!
“المدارنت”..
سلّمت فصائل المقاومة الفلسطينية، أول أمس، الخميس، أربعة توابيت تحتوي جثامين لسيدة وطفلين ورجل، قالت إنها لشيري بيباس وطفليها كفير وأرئيل والأسير عوديد ليفشتس، وذلك ضمن الدفعة السابعة من المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ 19 كانون ثاني/يناير الماضي.
أصدرت حركة «حماس» بهذه المناسبة بيانا خاطبت فيه عائلات أصحاب الجثامين قالت فيه: «كنا نفضل أن يعود أبناؤكم إليكم أحياء لكن قادة جيشكم وحكومتكم اختاروا قتلهم وقتلوا معهم 17 ألفا و881 طفلا فلسطينيا».
تبيّن لعائلة بيباس، أمس، أن الجثة التي تسلمتها من «حماس» ليست جثة السيدة، فاتهم بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة إسرائيل، الحركة بانتهاك وقف إطلاق النار ووضع «جثة امرأة من غزة في نعش» وطالب «العالم المتحضر برمته بإدانة عمليات القتل المروّعة هذه» متسائلا: «من يخطف صبيا صغيرا وطفلا ويقتلهما؟ متوحشون»!
ردّت «حماس» بالإشارة إلى «احتمال وجود خطأ أو تداخل في الجثامين، قد يكون ناتجا عن استهداف الاحتلال وقصفه للمكان الذي كانت تتواجد فيه العائلة (الإسرائيلية) مع آخرين فلسطينيين» فيما قال مسؤول في الحركة، إسماعيل الثوابتة، إن «نتنياهو هو من أصدر أوامر القصف المباشر، وهو من يتحمل المسؤولية الكاملة عن قتلها مع أطفالها بوحشية مروّعة» وقامت «حماس» لاحقا، بتسليم جثتها.
أول ما يتبادر إلى الذهن عند التفكير في هذه الواقعة هو إظهار نتنياهو، العنصرية المعتادة لـ«تفوّق الرجل الأبيض» «اليهودي» الذي يتحدث، بطلاقة، عن «عمليات القتل المروّعة» التي تعرّض لها طفلان إسرائيليان (بأوامر من جيشه) ويتساءل، بتغافل وصلافة مدهشين، عن «المتوحشين» الذين قتلوهما، وهو الذي قتل قرابة 18 ألف طفل!
تحيل حادثة «التداخل في الجثامين» وذهاب جثمان امرأة من غزة بدل امرأة أخرى من إسرائيل، إلى الأمر نفسه بشكل آخر، لأنها تشير، بداية، إلى تواجدهما في المكان نفسه الذي سقطت فيه قنابل جيش نتنياهو، بطريقة تربك مقاييس السياسات العنصرية، التي تريد وضع الإسرائيلي في مكان أعلى في سلّم الدماء والجينات والأمم والنظم، بشكل يعكس واقع «التفوّق» الإسرائيلي في القدرة على إيقاع حكم الإبادة بالفلسطينيين، وهو ما يفترض أن يتمّ تمثيله أيضا في مقاييس معايير الارتقاء والتفوق والتعالي على ذلك الشعب.
تكرّرت في الأيام الأخيرة، حوادث غريبة تفضح نظام «القيم» العنصريّ هذا، فقام إسرائيلي، يوم الأربعاء الماضي، في البلدة القديمة في القدس بالاعتداء على امرأة بفأس وهو يصرخ بها: «مسيحية» ثم بدأ مهاجمتها بوحشية داخل منزلها مما أدى إلى إصابتها بجروح خطيرة، ثم تبين أنها إسرائيلية يهودية، ولم يصدر عن السلطات الإسرائيلية تعليق رسمي على الحادثة!
قبل هذه الحادثة بأيام قام شخص يدعى موردخاي برافمان، في ميامي الأمريكية، بالتوقف بجوار سيارة فيها إسرائيليان، فأطلق النار على السيارة 17 مرة، وأصابهما معا، وحين تم استجوابه قال إنه بينما كان يقود سيارته رأى فلسطينيين فأطلق النار عليهما وقتلهما. وكي تكتمل الكوميديا السوداء للواقعة فإن أحد الإسرائيليين اللذين أصيبا كتب على وسائل التواصل الاجتماعي إنه تم إطلاق النار علي «لأسباب معادية للسامية» طالبا «مساعدته»!
ما يجعل الأمر أكثر بؤسا وتهافتا وتناقضا، أن هذه السردية العنصرية متمأسسة في سياسات وإعلام «العالم المتحضّر» الذي تحدّث عنه نتنياهو، والذي طلب المُصاب الإسرائيلي (ظنّا من القاتل إنه فلسطيني) «مساعدته» وأن هذا التفسير (غير) المعقول لكون الطفلين الإسرائيليين، وهما ضحيّتان لإجرام نتنياهو، يستخدمان كمبرر لإبادة 17881 طفلا فلسطينيا.