عربي ودولي

4 خطوات مطلوبة لإنها “العدوان” الروسي على أوكرانيا!

“المدارنت”
لم يكن فشل الجولة الأخيرة من محادثات السلام بين أوكرانيا وروسيا، في مدينة إسطنبول التركية في تقريب وجهات النظر بين الجانبين مفاجئًا. فقد تمسّك الطرفان بمطالبهما القصوى، مع إبداء أقل قدر من المرونة. ففي حين لا تزال أوكرانيا تطالب بوقف إطلاق النار تمهيدًا لمفاوضات السلام، تصر روسيا على ضرورة حل الأسباب الجذرية للصراع قبل تطبيق وقف إطلاق النار.
وفي تحليل نشرته مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية، يقول توماس غراهام، الباحث الزميل في مجلس العلاقات الخارجية، وأحد كبار مسؤولي إدارة روسيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي سابقًا، إنه رغم صعوبة الموقف ما زال هناك أمل في تحقيق السلام، مشيرًا إلى ضرورة اتخاذ 4 خطوات للوصول إلى هذا الهدف.
ويرى غراهام، المسؤول في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، أن الخطوة الأولى نحو السلام تتمثل في إجراء مفاوضات سرية جادة بدلًا من المحادثات العلنية التي أُجريت في إسطنبول، حيث لا يمكن التوصل إلى تنازلات حساسة تتيح الوصول إلى اتفاق إلا في السر. هذا لا يعني أنه لا مكان للمحادثات العلنية، وإنما يمكن أن تستمر في مسار موازٍ لتحقيق نتائج إيجابية في مسارات أخرى أقل حساسية، كما نجحت محادثات إسطنبول في التوصل إلى اتفاق بشأن تبادل الأسرى، والأهم من ذلك، أنها قد توفّر غطاءً للمحادثات السرية من خلال جذب انتباه وسائل الإعلام بعيدًا عن المفاوضات السرية.
الخطوة الثانية هي دمج محادثات السلام ضمن مناقشات قضايا الأمن الأوروبي والاستقرار الإستراتيجي. فالحرب ليست سوى جانب واحد من صراع روسيا الأوسع نطاقًا مع الغرب. ويستحيل تحقيق تقدم ملموس نحو إنهاء الحرب دون محادثات موازية حول هذه القضايا ذات الأهمية الإستراتيجية لموسكو.
لذلك، يحتاج الأمر إلى تشكيل مجموعات مختلفة من الدول المعنية للتعامل مع الجوانب المنفصلة لهذه القضايا. فبوضوح كامل، لا معنى لمناقشات قضايا الأمن الأوروبي دون مشاركة أوروبا. في الوقت نفسه، فإن محادثات الاستقرار الإستراتيجي ستضم روسيا والولايات المتحدة بشكل مباشر، في حين ستكون روسيا وأوكرانيا المحاورين الرئيسيين في قضايا أضيق نطاقًا، مثل تبادل الأسرى بينهما.
أما الخطوة الثالثة، فتترتب على الخطوة الثانية، وتتمثل في انخراط إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل فعّال في الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تحقيق السلام. فالقيادة الأمريكية ستكون مطالبة بتنسيق المحادثات حول الحرب، والأمن الأوروبي، والاستقرار الإستراتيجي، على الأقل لكونها طرفًا محوريًا في هذه القضايا الثلاث.
وبفضل نفوذها القوي على طرفي الحرب، تمتلك واشنطن مفاتيح وقف إطلاق نار دائم وسلام مستقبلي. فكييف بحاجة ماسّة إلى دعمها المعنوي والمادي المستمر، في حين ترى موسكو أن تطبيع العلاقات مع القوة العالمية الأبرز أمرٌ بالغ الأهمية لترسيخ مكانة روسيا كقوة عظمى. كما أن الولايات المتحدة، إلى جانب روسيا، هي الدولة القادرة على تغيير شروط الأمن الأوروبي من جانب واحد.
علاوة على ذلك، تُعد روسيا إحدى القوتين النوويتين العظميين اللتين تحددان معالم الاستقرار الإستراتيجي، ليس في أوروبا فقط، وإنما على مستوى العالم.
وتتمثل مهمة واشنطن الملحّة لإنهاء الحرب في وضع اتفاقية إطارية، ومجموعة من المبادئ والمعايير الخاصة بوقف إطلاق النار والتسوية الدائمة، بهدف تضييق الفجوة بين مواقف روسيا وأوكرانيا. وتُعتبر ضمانات الأمن لكل من موسكو وكييف، والتعامل مع الأراضي المتنازع عليها بينهما، القضايا الأشد صعوبة التي يجب التعامل معها.
والحقيقة هي أن وجود الولايات المتحدة، كضامن أساسي للأمن الأوروبي منذ الحرب العالمية الثانية، كان السبب الرئيسي لاستدامة أمن أوروبا حتى الآن. لذلك، فالضمانات الأمنية الأمريكية وحدها قادرة على التوفيق بين الطرفين للوصول إلى تسوية مقبولة من الجانبين، حتى إذا لم تكن تلبي أقصى مطالب كل طرف.
الخطوة الأخيرة تتمثل في ضرورة استمرار الدعم الأمريكي الكامل لأوكرانيا، وبخاصة الدعم العسكري. فمن المهم إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الصراع لن ينتهي بانتصاره في أرض المعركة واستسلام أوكرانيا، وإنما من خلال تسوية تفاوضية يتخلى فيها كل طرف عن أهدافه القصوى لصالح الحصول على مطالبه الضرورية بشأن الأمن. لذلك، فإن تحرك إدارة ترامب لتوفير تمويل إضافي جديد لدعم أوكرانيا من شأنه أن يُساهم بشكل كبير في تهيئة الأجواء لنجاح المحادثات، بغض النظر عن مدى حدّة انتقاد الكرملين لمثل هذه الخطوة علنًا.
أخيرًا، يقول توماس غراهام إنه حتى إذا تم تنفيذ هذه الخطوات الأربع، سيظل الطريق نحو السلام طويلًا وشاقًّا. فالوصول إلى الحلول الوسط والتنازلات المتبادلة الضرورية لن يكون سهلًا.
فأي تسوية لن تُسفر عن النصر الواضح الذي تأمله أوروبا وأوكرانيا. ففي نهاية المطاف، لن يخسر المعتدي كل المكاسب التي حققها، ولن يتم ضبط وإحضار بوتين أمام المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته كمجرم حرب، ولن تدفع روسيا تعويضات عن كل الأضرار والخسائر التي تسببت فيها الحرب.
وبدلًا من ذلك، ستضطر الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون وأوكرانيا لإيجاد طريقة للتعايش مع روسيا، لأن السلام يجب أن يكون هو الأولوية لجميع الأطراف من أجل حماية الأرواح وتجنّب المزيد من الدمار، أما العدالة فيمكن تحقيقها بطريقة تراكمية عبر الزمن، كما حدث أثناء الحرب الباردة.

المصدر: “وكالة الأنباء الألمانية”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى