تربية وثقافة

أجواء نابضة بالحياة في نشاطات الأطفال بـ”معرض بيروت العربي الدولي للكتاب”

“المدارنت”
شهدت نشاطات الأطفال في “معرض بيروت العربي الدولي للكتاب” الـ66، أجواءً نابضة بالحياة، حيث نظَّمت فعاليات متنوعة كالعروض المسرحية التفاعلية، وجلسات قراءة القصص، ودعم نفسي، وورش الرسم والتلوين، في إطارٍ ترفيهي وتعليمي يُراعي أعمار الأطفال ويعزز حبّهم للثقافة. ولاقت هذه الفعاليات، تفاعلًا كبيرًا من الأطفال وإشادة من الأهل، ما جعل من الطفل محورًا أساسيًا في المعرض، لا مجرد زائر.

مسرح “المريونات” يصنع سحره للأطفال
بدأت فعاليات الأطفال، بعروض مسرحية موجهة بشكل خاص الى فئات عمرية محددة، من 3 إلى 10 سنوات، لتلبي احتياجات كل مرحلة عمرية بأساليب فنية تناسبها. القاعة التي احتضنت العرض، غصّت بعشرات التلاميذ من مدارس ورياض أطفال مختلفة، حيث تفاعلوا بشكل لافت مع مسرحيات الدمى بأاسلوب “المريونات” الذي أضفى على المشهد المسرحي طابعًا ساحرًا مُحببًا. 
الكاتبة ماري مطر، التي تحمل خبرة واسعة، تجاوزت أكثر من خمسين مؤلفًا في أدب الطفل، قدمت مسرحية “صديقتي الشجرة” مع ايماءات جذابة، جعلت القصة بسيطة ومُحببة للأطفال.
تركز النصّ على قصة فتاة طفلة، تعبّر عن صداقة عميقة مع شجرة، لتزرع في نفوس الأطفال بذور الوعي البيئي. من خلال هذه العلاقة الرمزية، تحثّ المسرحية الصغار على حماية الطبيعة والحفاظ على النباتات، عبر رسالة تربوية صامتة، لكنها مؤثرة.


مطر، شرحت في لقاء خاص مع المكتب الإعلامي للمعرض، أن “قصة المسرحية مستوحاة من نصّ كتبته شقيقتها روز مطر”، مشيرة إلى أن “هدفها الرئيسي/ هو زرع شعور بالمسؤولية البيئية في قلوب الأطفال، لتكون الشجرة كائنًا حيًا يمثل الحياة اليومية وليس شعارًا بيئيًا مجرّدًا”.
وفي سياق متصل، قدمت مطر، مسرحية ثانية بعنوان: “الديك والقمحة”، التي سلطت الضوء على أهمية الغذاء والزراعة، مستعرضة بشكل مبسط فوائد موسم القمح للأطفال. هذا العمل المسرحي جذب عددًا من الطلاب الذين أبدوا إعجابهم بالشخصيات التي تمّ تصميمها بعناية، والرسائل التي تنقلها القصة بأسلوب شيق. وأكدت مطر أن “المسرحية تسعى أيضًا لتعليم الأطفال، كيفية التعامل مع صفات بشرية سلبية، مثل الطمع والكذب، من خلال تجسيد هذه الصفات في شخصيات خيالية، ما ساعد الأطفال على إدراك تلك الصفات والتفاعل معها بطريقة واعية”.
تجدر الإشارة إلى أن كل عرض مسرحي، استمر بين 20 و25 دقيقة، وكررت العروض طوال فترة المعرض، لتصل إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال، مما أسهم في خلق حالة من الحضور المتواصل والتفاعل المستدام.

“TEACH” تحوّل الخوف الى قوة
قدمت جمعية “TEACH”، عدة انشطة تفاعلية مميزة هادفة، منها جلسة قراءة قصة: “وينو خيفان؟”. افتتحت هبة محمد، منسقة اللغة العربية، الجلسة بسؤال بسيط لكنه أثار فضول الأطفال: “بتخافوا؟ من شو؟”، ليبدأ معها جسر تواصل قوي بين الأطفال والراوية، ما ساعد على كسر الحواجز بينهم.
تم تقديم القصة بصوت الراوية فاطمة كمال، التي استخدمت أسلوبًا حواريًا مشوقًا، جعل الأطفال جزءًا فاعلًا من القصة، عبر طرح أسئلة تفاعلية، وإطلاق مؤثرات صوتية تحاكي الأصوات التي يخاف منها الطفل في القصة، مثل صوت القطة، جرس المدرسة، والرعد. هذه التقنية لم تقتصر على جذب انتباه الأطفال فقط، بل جعلت الخوف شيئًا ملموسًا وفهموه بشكل أعمق.


ما ميز الجلسة حقًا هو الانتقال من القراءة الصرفة إلى نقاش عفوي، تناول أسئلة مثل: “شو منعمل بس نخاف؟”، حيث شارك الأطفال أفكارهم المتنوعة، ما خلق فضاء تعليميًا وعلاجيًا في آنٍ واحد. بعض الحلول التي اقترحوها، كالتحدث إلى الأم، التنفس العميق، وإغلاق الباب، تعكس مستوى وعيهم وتفكيرهم النقدي المبكر.
اختتم اللقاء، بتوزيع هدايا رمزية للأطفال الذين شاركوا في الحوار، إضافة إلى توزيع الحلوى، ما أضفى جوًا من الفرح والاحتفال، وعزز الشعور بالأمان والراحة التي تمنحها القصص التفاعلية.
وفي حوار خاص مع د. ديما حامد، أشارت الى بقية الانشطة والندوات التي اقيمت من قبلهم، مضيفة “نظّمنا جلسة حوارية بعنوان: “Let’s Talk” مع أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و14 سنة، ناقشنا خلالها أحلامهم وتحدياتهم، مما ساعدهم على الوعي بمشاعرهم وتعزيز التواصل مع الأهل”.
وتابعت: “شاركنا أيضًا في ورشة مع د. حمدى فرحات، حول الوسائط العلاجية كالفن والموسيقى، الموجهة الى اختصاصيّي وطلاب علم النفس. إلى جانب ذلك، أقمنا ندوة عن أدب الأطفال بمشاركة كاتبات، مثل فاطمة شرف الدين ود. سناء شباني، سلطت الضوء على الحاجة لأدب يخاطب ذوي الاحتياجات الخاصة مباشرة، وليس فقط الحديث عنهم.
من جهة أخرى، ساعدنا أطفال جمعيتنا على كتابة قصصهم ورسم تجاربهم، وسنقوم بنشرها ليشاركوا العالم رؤيتهم بلغتهم الخاصة. كذلك أقمنا توقيعًا لكتاب: “الدليل الأسري للصحة النفسية” للدكتورة هدى حسونة، وكتابًا عن “الجريمة عند المرأة” للدكتورة زهرة بدر الدين.
تضمنت الفعالية أيضًا، ندوة للدكتور ربيع بعلبكي عن الذكاء الاصطناعي، وأخرى للدكتور أنطوان شاربوني حول اختبارات إسقاطية للأطفال، إلى جانب أنشطة حركية ومعالجين لغويين، وندوة عن المرونة النفسية لدى الشباب مع الدكتور زياد أبي راشد”.

ليموناضة ومرح في دار مكتبجي
في جناح مكتبة “مكتبجي”، أقيم نشاط قصصي تفاعلي فريد بعنوان: “أطيب ليموناضة”، جذب اهتمام الأطفال والأهالي على حدّ سواء، ليصبح نقطة جذب داخل المعرض. الراوية، التي ارتدت زيًا أصفرًا ينبض بالحيوية، جسدت روح القصة بطريقة مفعمة بالحياة، فخلق ذلك أجواء من المرح والضحك العفوي الذي ملأ المكان.


القصة تتناول تجربة فتاة صغيرة تتعلم تحضير عصير الليموناضة، حيث دمجت الراوية بشكل ذكي الأرقام ضمن السرد (واحد، اثنان، ثلاثة.. ثلاث حامضات!)، مما أضفى بعدًا تعليميًا للأطفال، وساعدهم على تعلّم العد بطريقة مرحة وبسيطة. كما تطرقت القصة إلى توجيهات مهمة حول أدوات المطبخ، مؤكدة أن استخدام السكاكين غير مناسب للأطفال، في إشارة تربوية ذكية ضمن سياق الحكاية.
تفاعل الأطفال مع القصة كان شديدًا، حيث شارك البعض في تقليد أصوات بكاء الشخصية في مشاهد درامية، مما أضفى على الفعالية طابعًا حيًا وواقعيًا. جمع المشهد حوالى 15 طفلًا برفقة ذويهم، بينما تجمع عدد من المارة لمتابعة النشاط وابتساماتهم تعكس إعجابهم بسحر الحكاية وروحها.
في النهاية، دعت الأطفال للمشاركة في عصر الحامض، وسط ضحكاتهم وحماسهم، ليصبح النشاط تجربة تفاعلية ملموسة من سرد إلى تنفيذ. واختتم النشاط بتقديم أكواب عصير الليموناضة الطازجة، بالإضافة إلى توزيع بالونات صفراء على شكل حبّة حامض مع غصن شجرة، ليظل أثر القصة حيًا في ذاكرة الأطفال وأيديهم.
وفي الختام، لا تبدو نشاطات الأطفال في المعرض مجرّد فقرات جانبية لتسلية الصغار، بل مشهدًا متكاملًا يعكس تحوّلًا نوعيًا في فهم دور الطفل داخل الفضاء الثقافي. هنا، لا يُطلب من الطفل أن يصمت ليستمع، بل يُدعى ليتكلم، يشارك، يضحك، ويخاف، ويطرح أسئلته من دون خجل. إنها مساحة تنبض بالحياة، حيث يتحوّل الحرف إلى مسرح، والقصّة إلى لعبة، والخيال إلى مهارة تُصقل. وبين دفّتي كل نشاط، تُكتب فصول جديدة من الطفولة الواعية، تلك التي لا تكتفي بأن تقرأ الحاضر وتستشف المستقبل.. بل تبدأ في كتابته.

كتب داني فرشوخ/ لبنان
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى