أعسانهم تدلّ على أغسانهم!
خاص “المدارنت”..
في الأيام القليلة الماضية، دخل لبنان في عتمة شاملة بسبب توقّف معامل الكهرباء عن إنتاج الطاقة، لعدم توفّر الفيول. ولم يكن الأمر إلا لأن الموجودين في مواقع المسؤولية ليسوا أهلًا لها، أو هذا ما نعتقده نحن المحدودي التفكير.
فهذا البلد عبر تاريخه القديم والحديث لم يأتِ إلّا بقلة قليلة من السياسيين غير الفاسدين، وهذا نتيجة لزرع الفساد في نفوس “المتواطنين اللبنانيين” لضمان عودتهم في كلّ مرة إلى السلطة حتى أصبح الشعب في معظمه يشبههم في ما يفعلونه، وأكثر من هذا أنّ الشعب لاءمه الفساد فاتّخذه شعارًا في حياته بقوله: “الشاطر ما يموت”، فتفوّق عليهم فيه، حتى بات من أعسانهم – والأعسان الآثار – التي تدلّ على أغسانهم – والأغسان الأخلاق والعادات – ونسوا أن كلّ امرئ “راعٍ وكلّ راعٍ مسؤول عن رعيته”.
والمؤكّد أنّهم لم يقرأوا قول شارل بودلير: “وبكلّ هشاشتك لا يحق لك أن تميل، لأنّ ثمّة من يتّكئ عليك”. هذا الاتّكاء الذي من المفروض أن يكون من المواطنين الطبيعيين، على ساسةٍ أُمَناء يؤمّنون لهم حقوقهم ولا يتمنّونها، أيًّا كانت ظروفهم الخاصّة والشخصية، لأنّ من يدخل المجال العامّ يجب أن يكون على علم مسبق بأنّ المسؤوليّات التي ستُلقى على عاتقه لا تحملها إلّا الجبال. وأن يكون على يقين تامّ بأنّ العكس ليس هو الصحيح، حيث يكون هو مرفّهًا ومرتاحًا ويعيش في رخاء، ويتحمّل هؤلاء الطبيعيون ما تنوء بحمله الجبال.
أطلّ علينا منذ أيّام وزير الطاقة في لبنان (د. وليد فيّاض)، ليبرّر سبب انقطاع الكهرباء عن المناطق كافّة، وكأنّنا كنّا نتنعّم بها على مدار الساعة، ولا تُقنَّن أكثر من 22 ساعة في الـ24، وكان ممّا قال أنّ المدير العامّ لمؤسسة كهرباء لبنان (كمال الحايك) في إجازة خارج البلد وتلفونه مقفل، ولا نستطيع الوصول إليه.
هذا الأمر ينسحب على أمورنا كلّها – نحن المواطنين – والمواطنون فقط الذين لا يدينون لأحد بشيء والذين يطبّقون القانون بحذافيره رغم أنّه مداس بأقدام الرعاع ومسؤوليهم وزعمائهم، الرعاع الذين يبرّرون لأسيادهم جميع خطاياهم. نحن نعيش بحسب مزاجية كل مسؤول – الذي يعتبر وجوده في موقع المسؤولية تضحية منه ونعمة في حياة الناس، ومسؤوليته تشريف لا تكليف – وبحسب ما يراه في منامه وبحسب علاقته بزوجته وبحسب النقص الموجود داخله… وحياة البشر ليست من أولويّاته، وأكثر من هذا يعتبر أنّهم موجودون لخدمته ولراحته ولرفاهه، حيث يكفي أن يكون هو وعائلته وحاشيته في نعيم، ليعيش اللبنانيون ليس مهمًّا كيف، المهم أنّهم في قيد الحياة، فهو الذي تقع على عاتقه مسؤولية أخذ القرارات الكبرى التي تتعلّق بتعطيل عمل مؤسّسات الدولة وتدميرها، ونهب خيراتها وسلب أموال الناس وإفقارهم وحجزهم في السجن الكبير – بلدهم – من طريق عدم إصدار جوازات سفر لهم، أو إصدارها بـ “القطّارة”… والإسهام في إقفال المستشفيات والمرافق الطبية وعدم استيراد الأدوية عمومًا وللأمراض المستعصية خصوصًا… أو سرقتها إن وُجِدَت، ورفع أسعار الموادّ الأساسية والغذائية، وزيادة الضرائب على الناس ليتمكّن من الصرف على رحلاته الترفيهية وعلى معيشته المكلفة وعلى التحف والتذكارات التي يشتريها من الخارج وعلى يخته وسياراته وفيلاته وقصره وشققه… لأنّه إن لـم يفعل فكيـف يكون مسـؤولًا وزعيمًا؟
بعد سرقةِ أموالِنا وتركِنا على الحديدة – ليتهم تركونا على شيء طريٍّ نوعًا ما – خرج علينا الزعماء والمسؤولون – وما أكثرهم! – والوزراء والنوّاب… – وهم في معظمهم حُجّاج ومتديّنون – يتقاذفون كرة المسؤولية ويرميها كلٌّ منهم في ملعب الآخر، ويتبجّحون بإنجازاتهم تجاه الوطن والمواطن، هذه الإنجازات التي لم تُبقِ ولم تذرْ، والتي لم نرَ نحن – عامة الشعب – الذين لا نفقه شيئًا في علم السياسة ولا نتمتّع بحنكتهم ولا بذكائهم الذي لا تقاس نسبته بالمئة بل بالألف كملوحة البحر الميت – هم الذين حباهم الله نعمًا لا يراها الناس العاديون أمثالَنا – ولم نُدرك الهدفَ منها، الهدف الذي يتجسّد في حمايتها من القصف الإسرائيلي”، حيث هدّدت “إسرائيل” في أكثر من مناسبة أنّها ستقصف لبنان ومؤسساته وستُعيده إلى العصر الحجري.
وكان جلّ ما فعلوه أنّهم أعادوا لبنان واللبنانيين إلى ما قبل العصر الحجري، كي لا تجد “إسرائيل” ما تقصفه، وبهذا يكونون قد خدعوها وتفوّقوا عليها بكل ترسانتها العسكرية وتفوّقها “التكنولوجي”، ومنعوها من الاعتداء علينا.
لله درُّكم أيّها السياسيون اللبنانيون، كيف تعيش دول العالم الأخرى وليس عندها أمثالكم؟!