أين الفلسطينيون في «الشرق الأوسط الجديد»؟!
“المدارنت”..
يواصل جيش “إسرائيل”، منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023 حربه على الوجود الفلسطيني، وقد خلّف عدوانه على قطاع غزة حتى اليوم أكثر من 152 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على عشرة آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
تشير الاعترافات الأخيرة لضباط وجنود إلى أن الجيش الإسرائيلي يتصرّف في غزة كعصابات مسلّحة لا تلتزم بأي شرع، بما في ذلك القوانين العسكرية نفسها، وأن قتل المدنيين الفلسطينيين من دون الرجوع لأي قوانين او تعليمات صار هو الأمر الاعتيادي.
حسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية فإن قائدا عسكريا في قطاع غزة صنّف محور نتساريم بأنه «منطقة قتل» وسمح بإطلاق النار على كل من يدخل إليه. في تطبيق لهذه السياسة أشار أحد الضباط إلى إرساله، حسب الأوامر، صور 200 فلسطيني تم قتلهم، و«تبيّن أن 10 منهم فقط من حماس» ونقلت الصحيفة عن قائد عسكري قوله إنه بعد إطلاق النار على الفلسطينيين «تترك الجثث لتأكلها الكلاب» خالصا إلى القول: «نحن في مكان بلا قوانين وحياة البشر فيه لا قيمة لها»!
تحوّل كل الفلسطينيين، في هذا الانفلات الوحشيّ الإسرائيلي، إلى هدف للقتل، وصار عدد الذين يتم قتلهم منهم هدفا للتفاخر ولـ»سباق بين الوحدات لرفع أعداد القتلى» بحيث أنه «إذا قتلت الفرقة 99 مئة وخمسين شخصا، فإن الفرقة الأخرى ستحاول الوصول إلى 200 قتيل»!
يجري هذا رغم أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرتي اعتقال بحق بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، ورئيس دفاعه السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وأن محكمة العدل الدولية أصدرت أواخر كانون ثاني/ يناير من هذا العام حكما أوليا في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا يأمر إسرائيل باتخاذ جميع التدابير في حدود سلطتها لمنع الأعمال التي يمكن أن تندرج تحت اتفاقية الإبادة الجماعية، وأن دولا عديدة انضمت للدعوى بينها تركيا ونيكاراغوا وفلسطين وإسبانيا والمكسيك وليبيا وكولومبيا وأيرلندا (التي انضمت مؤخرا فعاقبتها إسرائيل بإقفال سفارتها في دبلن).
يمثّل تحوّل إسرائيل إلى جهاز رسميّ لإبادة الفلسطينيين مثالا شديد الفظاظة إلى حال العالم اليوم. تعزو مجمل التحليلات هذا إلى الدعم الأمريكي للدولة العبرية، وكان آخر أمثلته الفاضحة إعلان واشنطن رفضها تقرير منظمة «هيومن رايتس ووتش» الذي يصف ما تفعله إسرائيل بالإبادة الجماعية، وإذا كان هذا هو الحال مع إدارة جو بايدن الراحلة، فما الذي نتوقعه من إدارة دونالد ترامب القادمة، والذي كان آخر تصريحاته تهديدا لـ«حماس» ومهلة منذرة لها؟
ما يمكن التأكد منه، في النهاية، ورغم كل هذا الإجرام غير المسبوق، أن حكومة الإرهاب الإسرائيلية، وراعيها الأمريكي، سيدركان أن الفلسطينيين باقون، وأن لا حلّ «إباديا» لقضيتهم، وأن «الشرق الأوسط الجديد» لا يقوم من دون حل سياسي لهذه القضية.