“إسرائيل” بين «لا قوة في العالم تصدّنا»… و«نحن ضحية»!
“المدارنت”..
تصدر “محكمة العدل الدولية” اليوم، الجمعة، (الواقع فيه 24 أيار/ “مايو” الجاري) حكمها بشأن طلب جنوب افريقيا، إصدار أمر بوقف الهجوم “الإسرائيلي” (الإرهابي الصهيوني) على رفح في قطاع غزة من أجل ضمان بقاء الشعب الفلسطيني، وهو إجراء طارئ في إطار الدعوة الأكبر التي رفعتها بريتوريا وتتهم فيها “إسرائيل” (كيان الغرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة) بارتكاب إبادة جماعية.
رغم أن المحكمة لا تملك قوة تنفيذ قراراتها، لكن صدور هذا الحكم عن هذه المؤسسة التابعة للأمم المتحدة، المختصة بالنزاعات بين الدول، يحمل ثقلا قانونيا وسياسيا ورمزيا عالميا كبيرا، مما سيزيد الضغط على تل أبيب لحصوله بعد إعلان ثلاث دول أوروبية جديدة، أول أمس الأربعاء، قرار اعترافها بدولة فلسطين، وقبلها بأيام، إعلان المدعي العام للجنائية الدولية، المختصة بمحاكمة الأفراد بتهم ارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، التقدم بطلب إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء “الإسرائيلي” (الإرهابي الصهيوني) بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه (الإرهابي الصهيوني) يوآف غالانت.
تتضمن الإجراءات الطارئة التي طلبتها جنوب افريقيا حماية رفح، والسماح لمسؤولي الأمم المتحدة والمنظمات التي تقدم مساعدات إنسانية وللصحافيين والمحققين بالوصول إلى غزة من دون عوائق، وهو ما ردّ عليه المتحدث باسم الحكومة “الإسرائيلية” (الإرهابية الصهيونية)، مستبقا صدور القرار بأنه «لا توجد قوة على الأرض يمكنها أن تمنع إسرائيل من حماية مواطنيها وملاحقة «حماس» في غزة».
يعبّر التصريح الآنف عن غطرسة هائلة تهيمن على عقلية المسؤولين الإسرائيليين، غطرسة يسندها إحساس بالنفوذ السياسي الهائل الذي تمتلكه تل أبيب ضمن الكونغرس، والمؤسسات الأمريكية والغربية، وكذلك النفوذ الإعلامي والمالي، إضافة إلى ترسانتها العسكرية، والأساطير التي تنسجها عن مخابراتها الخارجية، والآلة الجهنمية للتحكم بحيوات الفلسطينيين الخاضعين لاحتلالها، عبر القوانين والسجون والاستيطان ومتاهات الحواجز العسكرية وأشكال العنصرية والإرهاب والتضييق.
نواجه هنا سرديّة القوة الهائلة، التي عبّر الناطق “الإسرائيلي” عنها بوضوح، والتي تهدد زعماء العالم والأمم المتحدة، بمن فيهم الرئيس الأمريكي والأمين العام للأمم المتحدة ومحكمة العدل ومدعي الجنائية الدولية! فيما تشن هجمات على بلدان الإقليم وسكان الجوار وأهالي فلسطين.
رغم الغطرسة والعربدة “الإسرائيلية” على العالم والمسلمين والعرب والفلسطينيين، فإنها تقوم في الوقت نفسه، باستخدام سردية هائلة مناقضة تعتبر الدولة اليهودية ضحيّة. سردية تستثمر في المؤسسات النافذة ليهود العالم دون أن تكف عن رفع شعار «معاداة السامية» وتغذية الخوف منها.
سردية يظهر فيها الفلسطينيون باعتبارهم إرهابيين مجرمين معتدين، في حرب بروباغاندا مناظرة تصاعد مفعولها خلال الحرب الأخيرة على غزة، وكان آخر أشكالها بث شريط “فيديو” لكيفية اعتقال فصائل المقاومة الفلسطينية لمجندات “إسرائيليات”، وفرض مشاهدته على سفراء النرويج واسبانيا وأيرلندا، عقابًا لهم، على ما يبدو، على قرار اعتراف بلدانهم بفلسطين، وضمن ذلك قصّة عن “اغتصاب” عناصر من «حماس» لـ”فتاة إسرائيلية”، وهو ادعاء ما يزال الناطقون باسم “إسرائيل”، يروجونه، رغم تراجع الشخص الذي نشر القصة عنها، كشفت الأمر “وكالة اسوشيتد برس” مؤخرا، وقد شارك نتنياهو شخصيا في رواية الحادثة عدة مرات أمام قادة غربيين.
بإعلان القوة الهائلة تسعى “إسرائيل”، لإظهار نفوذها على العالم الغربي وإرهاب المنظومة الدولية والأممية، وبإعلان مظلوميتها تحوّل الفلسطينيين إلى معتدين، وتجرّدهم بالتالي من إنسانيتهم، وتحرمهم من الدفاع عن كيانهم وحقوقهم ومعناهم في الوجود.
هذا التناقض المكشوف والتلاعب السياسي الهائل لا يقتصر على “إسرائيل”، بل تم تبنّيه من قوى اليمين المتطرف في العالم، وحتى من بعض قوى اليسار، لكن أحداث العالم تدلّ على تعرض هذا التناقض لانتكاسات هائلة تفضح اللعبة الزائفة لجمع “إسرائيل” سرديّتيّ القوة الهائلة والضحية الكبرى معا.