مقالات

“إسرائيل” و”تفكيك سوريا”!

المدارنت”
شنّ الطيران الإسرائيلي، الأربعاء (الماضي)، عدة غارات على محيط منطقة أشرفية صحنايا، استهدف في إحداها تجمعا لقوات الأمن العام السوري على أطراف بلدة أشرفية صحنايا في ريف دمشق الجنوبي ما أدى، في محصلة أولية، إلى مقتل عنصر أمن وإصابة آخرين، على خلفية اشتباكات تشهدها المنطقة منذ مساء الثلاثاء بين قوات الأمن السورية ومسلحين دروز من سكان المنطقة أسفرت عن مقتل 6 من المسلحين الدروز و16 من القوات الأمنية.
حسب بيان صادر عن مكتب بنيامين نتنياهو، فإن رئيس وزراء إسرائيل أمر جيشه بشن غارات استهدفت «مجموعة متطرفة» كانت تستعد لتنفيذ هجوم ضد السكان الدروز وذلك لنقل «رسالة حازمة» إلى النظام السوري مفادها أنه يتوقع منه منع الإضرار بالطائفة الدرزية مشددا على التزام الدولة تجاه الدروز في إسرائيل.
بدأت الاشتباكات، حسب رواية وزارة الداخلية السورية، بعد أن هاجمت «مجموعات خارجة عن القانون» من منطقة أشرفية صحنايا حاجزا يتبع لإدارتها، وذكرت بعض المصادر أن تلك المجموعات كانت في طريقها إلى مدينة جرمانا، جنوب دمشق، التي يسكنها كذلك سكان من الطائفة الدرزية، التي شهدت اشتباكات إثر هجوم مجموعات مسلحة على المدينة بعد انتشار تسجيل صوتي نُسب لشيخ درزي يهاجم النبي محمد، تبين لاحقا أنه مفبرك، وقد أدت تلك الاشتباكات إلى مقتل 17 شخصا بينهم 8 من المقاتلين الدروز، و9 من قوات النظام.
بعد تدميرها مجمل القوة العسكرية السورية إثر سقوط نظام بشار الأسد، وإعلان سيطرتها على جبل الشيخ، وتوغلها في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، تأتي الغارات الأخيرة كتطوّر لافت باعتبارها تدخّلا في قضايا داخلية تتقصّد وضع طائفة بعينها في مواجهة النظام، بشكل يفاقم الأوضاع المتهالكة أصلا ضمن الاجتماع السوريّ، الذي أنهكته الحرب الشاملة التي شنّها النظام السابق مما أدى لمصرع مئات الآلاف وإلى دفع قرابة نصف السوريين إلى اللجوء والنزوح، وانضافت إلى كل ذلك عقوبات أمريكية ودولية كبّلت الاقتصاد وأفقرت مجمل السوريين.
يجيء ذلك أيضا بعد معارك شنّها ضباط ومقاتلون من الطائفة العلوية زرعت الرعب في مناطق الساحل السوري، وتبعتها مجازر طائفية قادتها فصائل مسلّحة تابعة للحكومة الجديدة وأخرى رديفة لها حصدت قرابة 1700 شخص من العلويين، في خطوة فتحت الباب لاختراق النسيج الاجتماعي والوطني السوري، تناظرت مع ارتفاع دعوات الحماية من الغرب وإسرائيل، وأثارت المخاوف لدى الدروز وبقية الأقليات الدينية والقومية التي أقلقها صعود التيارات الجهادية السنّية.
شكّل نظام الأسد، في علاقته مع إسرائيل، مفارقة سياسية عربية وإقليمية وعالمية، فقد بنى أركان استبداده الوحشيّ ضد السوريين والفلسطينيين واللبنانيين على ذريعة عدائه المعلن لإسرائيل، وكانت الدولة العبرية، من جهتها، شديدة الاطمئنان والركون إلى هذا النظام، فقد كانت سماته الإبادية، وإجرامه اللامتناهي ضد السوريين، عناصر يمكن الاقتداء بها، كما هو حاصل عمليا في غزة، كما كانت من عدة «الاستشراق» الكولونيالية المعتادة بين إسرائيل «الحضارية» و«الديمقراطية» في مقابل العرب المتوحّشين، وفي الحالتين، كان الأسد صنفا مطلوبا وقابلا للاستهلاك الإقليمي والعالمي!
كان سقوط نظام الأسد، بهذا المعنى، خسارة كبيرة لإسرائيل، وفتحا لباب الأمل لدى السوريين في إعادة إنقاذ اجتماعهم وسياستهم واقتصادهم وبناهم التحتية وسرديتهم الخاصة التي تصل التاريخ السحيق بالحاضر الممكن. كان ذلك أيضا حلا للاستعصاء الهائل الذي شكّله سرطان النظام السوري السابق في المنطقة.
يمثّل بيان نتنياهو الأخير صيغة ملطّفة التعابير عن تصريح وزير المالية الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش قبل أيام الذي قال إن تل أبيب لن توقف حربها في غزة قبل تحقيق «أهداف استراتيجية كبرى» من بينها تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين، وتفكيك الدولة السورية، وتجريد إيران من سلاحها النووي!
الحقيقة أن الرد على سموتريتش و«أهدافه الاستراتيجية» لن يكون سهلا، فالتركة المعقّدة التي خلّفها النظام السابق، والعقوبات الدولية التي تنهك البلاد، والضعف الهائل في البنى التحتية، والنزوح واللجوء، وقضايا العدالة الانتقالية، تتشابك كلّها مع تحدّيات سياسية وازنة يحتاج النظام الجديد إلى مشاركة الاجتماع السوري كلّه في حلّها، وهو ما يحتاج الخروج من السياسات العصبوية إلى شجاعة وبراغماتية كبيرة.

المصدر:  “القدس العربي”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى