إلى أميرة _ زوجتي في عيد ميلادها!
“المدارنت”/ من سوء حظّك يا أميرة، أنّني لست من أولئك الذين يكنسون ما في بيوتهم ليواروه تحت السّجادة، كلّما طرق بابهم طارق.
وقد ابتليتِ يا حلوتي بشريك كاتب، لا يسوؤه أن يكتب كلّ شيء، ويروي للنّاس تفاصيل حياته بلا حرج، لدرجة أنّني، وكما يحلو لك تسميتي: “كاتب فضيحة”.
لكنّها فلسفتي في الحياة يا شريكة عمر؛ قضيناه معاً نبعد كلّ الذي قد انهار إثر فشلنا؛ لنكمل الطّريق.
ولا أدري لم نصرّ على إكمال طريقٍ أتخمت بفشلنا، حتّى بلغنا قمّته في كلّ ما فعلناه معاً.
يا أميرة..
أنا ما نسيت كم كلّفتنا الطّريق حتّى التقينا.. ولا كم كلّفتنا، وما زالت حتّى بقينا معاً.
وأعلم أنّه ما مرّت أيّام دون أن نبلغ ذروة شجاراتنا التي جرّبنا فيها كلّ قسوتنا وحِرَابنا في نيلنا من بعضنا البعض.
وأعلم حجم التّهم التي أحملها؛ وتليق بي، وكميّة الأسباب التي تحتّم علينا إسقاط هذا الزّواج..
لكنّني ورغم كلّ ذلك لا أخفيك أنّني كنت وفي كلّ ذروة من شجاراتنا، أفكّر في نصّ أكتبه لك، وقد دنت منّا فرصة للتعبير عن حبّ لطخناه بدماء القلب.
فلكأني كاتب ينتظر أن يموت من يحبّهم؛ ليخبرهم عن حبّه، وأنا الذي قضيت شطرًا طويلاً من عمري أتحدّث فيه إلى الموتى. وأظنّني من أكثر الكتاب الذين كتبوا لأمّهاتهم ولآبائهم ولإخوتهم الذين قد ماتوا، وما ماتوا فيه.
أعلم أنّي أناني متعجرف يعتقد أنّك لا تقرئين ما يكتب.
وما نسيت يا نصفي الأحلى إذ كنتُ منشغلاً في تأثيث موقعي ككاتب، وحضوري في مدن الكتابة، أنّك قضيت العمر معي لا تجدين وقتاً كافياً لالتقاط أنفاسك بين المجلى ومواعين الطبخ وأسرّة بيتك التي ما سألنا أنفسنا أنا وأولادي ولو لمرّة واحدة: ترى من رتبها بعد أن غادرناها.
خزانة ملابسنا لا ينقصها شئ. حمامنا جاهز عند الطلب.. طعامنا.. غرفة ضيوفنا.. و…
جعلتِ كلّ ذلك خارج دائرة صراعنا معاً.. وبقيت تنجزين مهامك بدقّة، وأنا أنجز بدوري مهامي الكتابيّة كرجل نزق متبجّح بدقّة متناهية أكثر.
لذا كتبت أنا مئات النّصوص، وجليت أنت آلاف الصّحون، وغسلت ما لا يحصى من ملابسنا، وطبخت عشرات المئات من الطّبخات، وكنست زبالتنا كذكور آلاف المرات.
وأصرّيتِ على أن تكوني مرآتنا التي لا ترينا إلا كلّ جميل.
ولأني أخشى -أنا المنشغل في الكتابة إلى الموتى- أن يكثروا من حولي، وألا أجد وقتاً للكتابة لأحياء أحبّهم، وأنت على أوّل قائمتهم.
ورغم كافّة المعارك التي خضناها ضد بعضنا البعض، فهزمتنا معاً، ما زلت أحبّك.
أنا يا متعتي كاتب يؤرّقه الموت.. ليس خشية منه. إنّما لأنّني أتألم كثيراً حين يختفي من أحببتهم حيث لا أعلم أين، ولا كيف؟
وإلى الآن لا أدري كيف استطعت تحمل الحزن الذي استعدته عشرات المرات خلال الكتابة؟!
لذلك أفرّ منه بحثاً عن نصّ أحيا فيه، ويكون عصيّاً على الموت.
وها أنا وفي مناسبة من عشرات المناسبات التي كنتُ فيها بعيدًا عنك، أفر ومجدّداً إلى نصّ، أعوّل عليه، علّنا ننجو معاً من الحزن والفشل والموت.
نص أكلّفه بعناقك.. واحتضانك.. والهمس بلساني: أنّي وبالرغم من ثلاثين عامًا من الزّواج الفاشل؛ أنا على استعداد لإعادة تجربة الفشل هذه معك وإن بفشل أشد قسوة.
ليس لأنّي مريض نفسي فقط، بل لأنّي أحبّك وأحبّني، فاشلان يتّكئان على ما تبقى من حبّ.. ليمشيا ما ظل من طريق نهايتها الفشل في هذا الشّرق الذي لا يبالي بأعداد الفاشلين فيه.
كلّ عام وأنت معي.. نصرخ في وجهينا معاً.. يشتم أحدنا الآخر معاً.. نبكي معاً.. ننهار معاً.. نسقط معاً.. ثمّ ننهض معاً لنحاول ومعاً ألّا نفوت ما تبقى لنا من حبّ وفشل.
أحبّك.. ومن نعم الحياة أن تمنحنا من يحبّنا، ويتحمّل فشلنا.