إلياس خوري أكثر مَن ارتبط بالقضية الفلسطينية..
“المدارنت”..
ربما لا مبالغة في القول، إن إلياس خوري، الذي غادر الدنيا قبل يومين، هو أكثر أديب لبناني، لا بل وعربي، ارتبط بالقضية الفلسطينية، حيث كانت هذه القضية حاضرة في أدبه وفي مقالاته، كونه جمع بين الأدب والكتابة الصحفية الرصينة، وكانت روايته: «باب الشمس» تتويجاً لأدبه المناصر لفلسطين وللحق والعدالة، وتلتها ثلاثية «أولاد الغيتو» التي جاءت مجسدة للتمسك بالهوية الوطنية التي يراد محوها.
يتحدّر إلياس خوري من عائلة أرثوذكسية، مقيمة في منطقة الأشرفية في بيروت، وعاش محنة الحرب الأهلية في وطنه في منتصف سبعينات القرن الماضي، ورغم الاستقطاب الطائفي الشديد الذي شهده المجتمع اللبناني يومها، فضلاً عن تسعير الكراهية تجاه الفلسطينيين من قبل القوى الانعزالية، فإن بصيرة إلياس خوري حددت أين الصحيح وأين الخطأ في هذه الحرب، هو الذي نشأ على وعي وطني وقومي شكّله تكوينه الثقافي والأدبي العميق، ولهذا، احتلت القضية الفلسطينية حيزاً كبيراً في أعماله ومقالاته حتى وفاته.
نتذكر جيداً أعداد الملحق الثقافي لجريدة «النهار» الذي أشرف عليه إلياس خوري في الفترة بين عام 1992 إلى عام 2009، الذي كنّا نحتفظ بالنسخ الورقية لأعداده، قبل أن يحل عهد المواقع الإلكترونية للصحف، لما كان عليه هذا الملحق من ثراء في الفكر وتنوع في الإبداع، ومتابعة للجديد في دنيا الثقافة، لا العربية وحدها، وإنما العالمية أيضاً، وكاد الملحق يقترب من دورية ثقافية، بخاصة أنه استقطب أقلاماً رصينة من الكتّاب والأدباء.
سبق مجيء إلياس خوري إلى «النهار» تاريخ طويل من العمل في الدوريات الثقافية، فقد أصبح عضواً في هيئة تحرير مجلة «مواقف» عام 1972، وخلال الفترة من 1975 إلى 1979 ترأس تحرير مجلة «شؤون فلسطينية» بالتعاون مع محمود درويش، وعمل محرراً لسلسلة «ذكريات الشعب» الصادرة عن مؤسسة البحوث العربية في بيروت بين عامي 1980 و1985، وكان مدير تحرير مجلة «الكرمل» من 1981 إلى 1982، ومدير تحرير القسم الثقافي في صحيفة «السفير» من 1983 إلى 1990.
ولم يكن إلياس خوري كاتباً في الثقافة فقط، وإنما كان ناشطاً ثقافياً أيضاً، فقد تولى إدارة مسرح بيروت من 1992 إلى 1998، وأصبح مديراً مشاركاً في مهرجان أيلول للفنون المعاصرة، وتقديراً لعطائه وجهوده حاز في عام 2011 وسام جوقة الشرف الإسباني من رتبة كومندور، وهو أعلى وسام يمنحه ملك إسبانيا، تكريماً لمساره الأدبي، وفاز بجائزة «اليونيسكو» للثقافة العربية عام 2011 تقديراً للجهود التي بذلها في نشر الثقافة العربية وتعريف العالم بها.
إضافة إلى ذلك، كان إلياس خوري أكاديمياً عمل أستاذاً في الجامعة اللبنانية، والجامعة اللبنانية الأمريكية، والجامعة الأمريكية في بيروت، وفي جامعات أخرى أيضاً.