اختبار لبناني جديد!

“المدارنت”..
إصرار “إسرائيل” على البقاء في خمس نقاط حدودية على الأراضي اللبنانية، بغض النظر عن الذرائع التي تسوقها، يضع لبنان أمام اختبار حقيقي إزاء كيفية التعامل مع انسحاب إسرائيلي غير مكتمل، ويبقي المشهد اللبناني مفتوحـاً علـى كل الاحتمـالات.
ثمة ما يشبه الإجماع في لبنان على أن بقاء الجيش الإسرائيلي في تلك النقاط الخمس هو احتلال لجزء من الأراضي اللبنانية، ناهيك عن أنه يمثل انتهاكاً صارخاً لاتفاق وقف إطلاق النار بإقرار الأمم المتحدة وقوات «اليونيفيل». لكن من الواضح، أن إسرائيل لم تكن لتبقي قواتها في تلك المناطق من دون موافقة الولايات المتحدة، التي هي أيضاً أحد أهم رعاة الاتفاق، وهو ما يطرح سؤلاً جوهرياً حول حدود الدعم الأمريكي للعهد اللبناني الجديد، خاصة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.
كما أن بقاء إسرائيل في تلك النقاط الخمس، يضيف إلى النقاط الحدودية ال13، العالقة منذ ما قبل 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ومعها تلال كفر شوبا ومزارع شبعا المحتلة، نقاطاً جديدة، وهو ما يعقد المفاوضات التي يفترض أن تجري بشأنها بموجب الاتفاق ذاته.
هذه القضايا مجتمعة تضع على كاهل العهد الجديد أثقالاً ليست سهلة طالما أنه آثر الدبلوماسية لحل هذه المشاكل، وتدخله في اختبار حقيقي تجاه تحرير كل الأراضي اللبنانية، في ضوء المعرفة المسبقة بالتعنت الإسرائيلي الذي لا يعبأ كثيراً بالضغوط الدبلوماسية والقرارات الأممية. وبالتالي فإن مقياس نجاح العهد من عدمه يعتمد على الضغوط التي يمكن أن تمارسها الولايات المتحدة للجم إسرائيل، وهو ما لا يبدو متوفراً حتى الآن.
وفي المقابل، ثمة عوامل أخرى لا بد من أخذها في الحسبان، فمن ناحية، يمنح احتلال إسرائيل بعض الأراضي اللبنانية، شرعية قانونية ودولية لمقاومتها، ومن ناحية ثانية، لا يوجد ضمانة تمنع أهالي القرى والبلدات الحدودية اللبنانية، من تشكيل مقاومات محلية، خصوصاً وأن إسرائيل تهدد باقتحام هذه القرى في أي وقت تشاء، كما أنها تصر على ما تسميه بـ«حرية الحركة» ليس فقط في البلدات الحدودية، وإنما على امتداد مساحة لبنان، وهو ما يبقي احتمالات انفجار الصراع مفتوحة.
ثمة أمر آخر لا ينبغي تجاهله، وهو أن إسرائيل تنطلق في حساباتها من أنها أضعفت «حزب الله» وأنه لم يعد يشكل تهديداً لها، خصوصاً وأنه بات مقيداً بالتوازنات الداخلية. وقد يكون ذلك صحيحاً جزئياً، لكن هناك من يعتقد أن «حزب الله» يعمل على استعادة قدراته ويعيد ترتيب صفوفه، وبالتالي، فإن إسرائيل قد تغامر أيضاً في حساباتها، خصوصاً وأن عودة سكان مستوطنات الشمال يفترض أن تبدأ أوائل الشهر المقبل، ولا توجد ضمانة لمنع انفلات الأوضاع مجدداً. والسؤال الآن، إذا كان لبنان لا يحتمل حرباً جديدة، فهل ستنجح الدبلوماسية في نزع فتيل الأزمة والانتقال به إلى بر الأمان بلا حروب ولا أزمات؟ ذلك ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.