مقالات

“الإسرائيليون” محبطون.. فهل يريدون وقف الحرب؟.. ليس بالضبط!

“المدارنت”..
بعد مرور ما يقرب من عام على ‏‏الهجوم الأكثر فتكا‏‏ في تاريخ إسرائيل، ما يزال الجيش الإسرائيلي يشن حرباً مدمرة في قطاع غزة من دون نهاية واضحة في الأفق. وهناك الآن أدلة وفيرة على أن كبار الشخصيات السياسية والأمنية الإسرائيلية فشلت‏ في الاستجابة للتحذيرات‏‏ في الفترة التي سبقت هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) الذي قادته “حماس”، كما اعترف الجيش أيضاً بأنه كان بطيئاً جداً في الاستجابة. ‏‏وأكدت التحقيقات‏‏ أن كبار القادة فعّلوا خلال الهجوم “توجيه هنبعل” سيئ الصيت، الذي يسمح للقوات الإسرائيلية بتعريض حياة الرهائن للخطر من أجل الحيلولة دون اختطافهم أحياء.
ومنذ ذلك الحين، عاد من الرهائن في أكياس الجثث أكثر من أولئك الذين حررتهم العملية العسكرية في غزة، وقتل في المعركة جنود بمعدل يزيد على واحد في اليوم منذ بدء الغزو البري. وما يزال عشرات الآلاف من الإسرائيليين مشردين من المجتمعات القريبة من الحدود اللبنانية وفي “غلاف غزة”. وتواجه إسرائيل ‏‏تهمة ارتكاب إبادة جماعية‏‏ وجرائم حرب -مع ‏‏إمكانية إصدار مذكرات اعتقال‏‏ لقادتها- في لاهاي، كما خفضت وكالتان أميركيتان رئيسيتان التصنيف الائتماني للبلد.‏
‏‏مع ذلك، تظهر استطلاعات الرأي أن الإسرائيليين ما يزالون ‏‏يؤيدون استمرار الحرب بأغلبية ساحقة‏‏، ولو أن ذلك ليس بلا ‏‏محاذير‏‏ -بل ‏‏ويعودون‏‏ إلى الوقوف وراء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.‏
‏‏في محاولة لفهم الشعبية التي تحظى بها الحرب في إسرائيل وفهم المزاج السائد بين الجمهور، أجرت “مجلة 972+” حوارًا مع إحدى مؤسسيها، داليا شيندلين -المستشارة السياسية، ومحللة الرأي العام ومؤلفة كتاب “عيوب الديمقراطية في إسرائيل”. تم تحرير المقابلة من أجل الطول والوضوح.‏
– فلنبدأ بالصورة العامة: ما الاتجاهات الرئيسية في الرأي العام الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)؟‏
الاتجاهات الأساسية التي أتعقبها تتعلق بالسياسة الإسرائيلية، وجوانب مختلفة من الحرب، والقضية الكبرى المتمثلة في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وأنا أستخدم “البيانات الطولية” (تتبع الموضوعات نفسها على مدى فترة طويلة من الزمن)، وعبر المقارنات مع بلدان أخرى.
إن ما نتوقع رؤيته في زمن الحرب هو تأثير “الالتفاف حول العلم”، وبين اليهود الإسرائيليين رأينا هذا بالضبط: ثمة ‏‏دعم كبير جداً وكاسح‏‏ للحرب. وتجدر ملاحظة أن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل أظهروا باستمرار مستويات دعم أقل بكثير لهجوم الجيش.‏
كما رأينا أيضاً ترويج وتعميم بعض المواقف المتطرفة للغاية بين اليهود الإسرائيليين في ما يتعلق بالحرب، بما في ذلك ‏‏معارضة وصول المساعدات الإنسانية‏‏ والتبرير المطلق لجميع أنواع الأعمال العسكرية تقريباً. وتشمل الآراء الشائعة أيضاً الحجة القائلة إن إسرائيل يجب أن ‏‏تضرب “حزب الله” ولبنان بقوة‏‏، وإن إسرائيل يجب أن ‏‏تحتل غزة‏‏ وتعيد بناء المستوطنات اليهودية هناك.
‏في الوقت نفسه، انخفض الدعم لحل الدولتين إلى ‏‏أدنى مستوى له على الإطلاق‏‏. وقد انخفض مجموع التأييد العام له إلى حوالي 40 في المائة، وبين اليهود الإسرائيليين فقط، انخفض إلى أقل من ذلك -إلى حوالي 30-35 في المائة.
‏بينما يغلب أن يرى المرء في بلدان أخرى تحت تأثير “الالتفاف حول العلم” دعماً قوياً للقيادة، في إسرائيل رأينا العكس. انخفض الدعم للقيادة بين اليهود الإسرائيليين إلى ‏‏أدنى مستوياته على الإطلاق‏‏‏‏، وهو أمر غير معتاد على الإطلاق في الأشهر الأولى خلال زمن الحرب. وكان هذا الاتجاه ثابتاً للغاية.
‏حصل نتنياهو وحزبه، “الليكود” على تقييمات مريعة، حيث خسروا حوالي 50 في المائة من دعمهم. وخسرت الحكومة (ككل) ثلث دعمها، وانخفضت المسائل العامة حول ثقة الجمهور بالحكومة إلى أقل من 20 في المائة، إلى جانب الإيمان بقوة المجتمع الإسرائيلي نفسه.
– ولكن، الآن بدأ دعم نتنياهو في الارتداد نحو الصعود، أليس كذلك؟‏
نعم، نحن نرى الثقة في الحكومة تتعافى بثبات في جميع الاستطلاعات -بدءاً من نيسان (أبريل) (عندما اغتالت إسرائيل قائداً إيرانياً لفيلق القدس في دمشق، ‏‏وردت إيران بهجوم صاروخي‏‏). أظهرت سلسلة من استطلاعات الرأي في الأسابيع الأخيرة أن حزب “الليكود” سيفوز بأكبر عدد من الأصوات إذا أجريت الانتخابات اليوم، وأن نتنياهو نفسه عاد ليتصدر مرة أخرى في استطلاعات الرأي المباشرة في مقابل زعيم المعارضة، بيني غانتس. إنه ليس في وضع ممتاز، لكنه حيث كان قبل الحرب، أكثر أو أقل.‏
يرتبط هذا التعافي بالتهديدات الجديدة من إيران و”حزب الله” في أعقاب ‏‏الاغتيالات الإسرائيلية في بيروت وطهران‏‏. وقد عزز هذا الوضع الشعور بين اليهود الإسرائيليين بأن إسرائيل محاطة باستمرار بالأعداء. ‏
ومع مرور الوقت، شاهدنا أيضاً المواقف تجاه الحرب وهي تصبح أكثر تشككاً. ولم يكن ذلك بسبب الافتقار إلى الرغبة؛ إننا نرى بالتأكيد أعداداً ثابتة من الناس الذين يعتقدون أن الحرب مبررة. ولكن عندما يتعلق الأمر بالأسئلة التي تُطرح عما إذا كانت إسرائيل قادرة على تحقيق “نصر كامل”، نرى انخفاضاً في الثقة، حيث ‏‏ يرفض حوالي ‏‏الثلثين‏‏ مزاعم نتنياهو بأن مثل هذه النتيجة في متناول اليد.‏
‏وبالمثل، نرى استقراراً -بل وانتعاشاً طفيفاً- لبعض المسائل طويلة الأجل التي نختبرها فيما يتعلق باتفاقات السلام. وليس هذا لأن الناس يعتقدون أن السلام أصبح قاب قوسين أو أدنى، لكنه مقياس: إنه يعكس حقيقة أن الناس كانوا في مزاج متطرف للغاية في الأشهر الستة الأولى من الحرب، وهم الآن يعودون إلى شيء يشبه مواقفهم السابقة.
– ماذا تفهمين من الاتجاهات بشأن بدعم إبرام صفقة لاستعادة الرهائن؟ هل الناس مستعدون لتقديم تنازلات -مثل وقف إطلاق النار- حتى يتمكن مواطنوهم من العودة إلى ديارهم؟ وكيف يرتبط هذا بالأهداف العسكرية المعلنة المتمثلة في تحقيق “النصر الكامل”؟
‏‏ هناك دائماً أغلبية أو أكثرية تؤيد عقد صفقة لإعادة الرهائن. حتى عندما يتم اقتراح وقف كامل لإطلاق النار، ‏‏لديكِ أغلبية‏‏ تفضل دفع الثمن. والحقيقة هي أنها لا توجد صفقة رهائن من دون وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وعودة الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة، وإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين رفيعي المستوى.
‏من الصعب رسم اتجاه واضح، لأنه في كل مرة يتم طرح أسئلة مختلفة على الجمهور الإسرائيلي. لا أحد يسأل “هل تريد إطلاق سراح الرهائن؟” لأن النتيجة ستكون 100 في المائة “نعم”. وبالمثل، لم أر سؤالا يسأل: “هل تؤيد أو تعارض الحرب؟” أو “هل تعتقد أن عدد الضحايا الفلسطينيين له ما يبرره كوسيلة للضغط على ’حماس‘؟”. ما يتم طرحه فقط هو ما يتعلق بالتنازلات: “ما الثمن الذي ستكون على استعداد لدفعه مقابل صفقة رهائن؟”‏.
– هل رأيتِ تغييرات تحدث في مواقف اليهود الإسرائيليين تجاه المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، والعكس؟‏
‏• كانت بعض استطلاعات الرأي قد أجريت حول هذا الموضوع في بداية الحرب، لـ(قياس) ما إذا كانت أعمال شغب داخلية يمكن أن تحدث، ولكن حتى الآن لم يكن هناك أي شيء. لا أستطيع أن أتذكر الكثير من استطلاعات الرأي منذ ذلك الحين. كان هناك شك في اليهود الإسرائيليين بين المواطنين الفلسطينيين بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، ‏‏والكثير من الخوف‏‏، وربما ‏‏عدم الارتياح لما فعلته “حماس”‏‏. هناك يأس بين المواطنين الفلسطينيين بشأن المستقبل: كيف ‏‏سيستمرون في العيش في هذا الوضع‏‏؟‏
– ما الاتجاهات التي ترينها تنتشر بين اليهود الإسرائيليين في ما يتعلق بالتجنيد في الحملة العسكرية في مقابل الرفض أو الفرار؟
‏هناك استجابة عالية جداً ونزعة تطوعية (للجيش). وفي الوقت نفسه، سمعت عن قدر كبير من المصاعب -قصص مكثفة جداً عن أشخاص تنهار سبل عيشهم، أو الذين يعانون من صدمة ما بعد إرسالهم لجولة أو جولتين من الخدمة العسكرية.
‏سمعت أن السجون العسكرية ممتلئة، لأن هناك إسرائيليين يحاولون الخروج من الخدمة ليس لأنهم دعاة سلام أو يساريون مناهضون للحرب، ولكن لأنهم لا يستطيعون التعامل معها. أعتقد أن هناك مشكلة حادة للغاية في الروح المعنوية، على الرغم من أنني أعرف أن (الدعم النشط للمجهود الحربي) يبدو مرتفعاً حتى الآن. ولكن، هناك مشاكل تتعلق بالإجهاد والمصاعب المالية لأن الخدمة الاحتياطية طويلة جداً.
– كيف تفسرين انخفاض مستوى العصيان المدني بين الإسرائيليين -خاصة عند أخذ ‏‏المظاهرات الكبيرة ضد الانقلاب القضائي‏‏ في العام 2023، والمعارضة الجماهيرية ضد حرب لبنان، وحتى معارضة العمليات السابقة في غزة، بعين الاعتبار؟ يبدو الأمر وكأنه كان هناك على كل المستويات -سواء كانت احتجاجات الشوارع، أو وجود شخصيات عامة مستعدة لتوجيه النقد- صمت وتواطؤ‏‏ من السكان اليهود الإسرائيليين.‏
كان 7 تشرين الأول (أكتوبر) لحظة فاصلة أذهلت اليهود الإسرائيليين، وتم استغلالها وتصنيمها لتحقيق مكاسب سياسية منذ حدوثها. لا أرى معارضة كبيرة للعناصر الوحشية للحرب بين الجمهور اليهودي الإسرائيلي لأنه لا يوجد تغيير حقيقي في منسوب التعاطف معها. ربما توجد نسب أكثر تواضعاً تعارض إيصال المساعدات الإنسانية، ولكن هذا كل شيء. كما قلت، الشيء الوحيد الذي تغير هو ثقة الجمهور بقدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها الحربية. ‏
‏في الوقت نفسه، كانت هناك مظاهرات كبيرة ضد الحكومة، أو من أجل استعادة الرهائن، لا أتذكر أنني رأيت مثلها أبداً في زمن الحرب. بين المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، هناك ميل أقل إلى الاحتجاج مما لدى اليهود بسبب ‏‏الخوف من الاضطهاد‏‏.‏
‏تظهر استطلاعات الرأي قدرًا يُعتد به من الإحباط: الجمهور اليهودي الإسرائيلي لا يعتقد أن الحكومة تتابع خوض الحرب للأسباب الصحيحة. ويريد جميع اليهود الإسرائيليين تقريباً “تدمير حماس”، لكن ‏‏أكثر من نصف‏‏ الإسرائيليين يعتقدون أن نتنياهو يطيل الحملة العسكرية من أجل الإبقاء على نفسه في السلطة. هل يعني هذا أنهم يريدون فعلاً وقف الحرب؟ ليس بالضبط.

المصدر: دانا ميلز/ ترجمة: علاء الدين أبو زينة/ “الغد الأردنية”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى