الإسلام منهج قوام البشرية.. أصل إصلاح ذات البين/ الجزء (8)
خاص “المدارنت”..
يحرص الإسلام على تنمية علاقات تعاونية طيبة، بين الناس عموما، وبين العمال العاملين واداريين، خصوصا، كي يسهل القضاء على الفتن والفرقة والانانية، ثم منع أنواع التنازع والخصومات، بين أفراد اؤلاءك العاملين، مع واجب العمل لإحلال حال من الوئام والمصالحة، محل الكراهية البغيضة والاحقاد. لأن اساس الخير والمودة لدى ذات البين، يجمع بين التقوى والإصلاح. لقوله تعالى: “…. فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم”. الانفال/ 1.. “… والصلح خير” النساء/ 128.
وعلى هذا، يعتبر اصل ذات البين إحدى القواعد الرئيسة، وإحدى الدعائم المهمة في بناء المجتمع والاسرة على أسس من التآلف فيما بين افرادهما. لقد ابرز النص أن الإصلاح قرين الصدقة والمعروف. لقوله تعالى: “لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما”.. النساء/ 114. وهكذا، فاقرار اصل إصلاح ذات البين، في الاسلام، أشد وجوبا في العلاقات والروابط على كافة المستويات، وداخل كافة المؤسسات والإدارات التي تتكون منها وعلى أساسها يتبادل افرادها وسائل الحياة، على وجه الدّوام والاستمرار. واهمال هذا الاصل، ما هو الا انعكاس لتدهور البيوت وخرابها ثم تشرد أطفالها بين البؤس والحرمان، مما يؤدي لضعف الوطن في تحمل والقيام
بمسؤولياته، وايضا تتعرض الامة لخطر يشتد ويتفاقم إلى درجة الاشفاق عليها، ثم البكاء على اطلالها.
الإصلاح هو التوفيق بين الناس وحسم نزاعاتهم وخصوماتهم، ثم زرع بذور الألفة والحب والطمأنينة في النفوس، مع واجب العمل به، ونتائج تحقيقه لهو على درجة عظيمة من الأجر والثواب.
وهكذا.. فدور المصلح الاجتماعي، إنما يختصر الخير كله، حيث تشاع روح المحبة والتعاون والتآلف بين أفراد المؤثرين بنشاطهم العملي، كعناصر عاملة منتجة داخل مؤسسات عامة وخاصة. سواء دينية أو مدنية. كما ويؤدي إلى تعاضدهم في تقوية علاقاتهم وروابطهم، العملية والعلمية. لذلك وجب على المسؤول السعي لإصلاح وتسديد خطوات العلاقات الطيبة بين مرؤوسيه، وليس تطبيق (مقولة فرق تسد)، عن طريق زرع الاحقاد الخلاف بينهم حتى يبقى في سدة الرئاسة والزعامة، — تحقيقا لشهواته ورغباته، وإبعاد من يفكر في منافسته على ذلك المنصب– رغم أن الإصلاح يضمن نشر المحبة والألفة بين أعضاء المؤسسة، ويعطي ايضا، أفضل الإنتاج واجوده.
وقد رغب الله سبحانه تحقيق إصلاح ذات البين، فقال: “وأن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصبحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي… إنما المؤمنون اخوة فأصبحوا بين اخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون”. 9-10/ الحجرات.
لا شك إنه إرشاد الهي كريم، للعمل على حفظ علاقات إنسانية طيبة، أينما توجد، من خلال فردان واكثر، لأن الإصلاح إنما يرمي ويهدف إلى تماسك أصول قواعد النظام وحفظ الوحدة داخل عناصره. فالرئيس مسؤول ومكلف في المراقبة والملاحظة على أحوال العاملين، وكيفية تحقق العمل، وايضا يرعى المواطنين ويعتني بحقوقهم ثم واجب الاجتهاد على ردم ثغرات الخلل والاختلاف. كما وتكليف الجماعة بمراقبة بعضها البعض ثم الدفع بهم نحو عمل جماعي، وكأنهم يد واحدة، متحدين على خط تحسين العلاقات فيما بينهم وترسيخها على الخير والإصلاح والإنتاج.
الإسلام تشريع يفرض الإصلاح، على الحاكم والمحكوم على السواء، باعتباره رباط يوجب التضامن من أجل مكافحة الفساد وأسبابه، ثم الحصول الخير، مما يوجب الاخلاص في المهمة، وصدق الارادة، وتجري العدل والمساواة.
والجدير ذكره، أن واجب كل مسؤول، مهما علا كعبه أو تدنى، وعلى كافة مستوى المؤسسات، أن يبتعد كل البعد عن الغشّ والتزوير، وعليه الالتصاق بكل ما يظهر صفاء ونقاء العلاقات الإنسانية الطيبة. ومن يقوم بذلك وجب عليه، ومن يقوم بأعمال الغشّ وما دون ذلك، وجب عزله وهجرانه وخصومته، حتى يفيء ال أمر الله. لقوله تعالى: “ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا أموال الناس بالإثم وانتم تعلمون”.. البقرة / 188.
وهكذا فاصل الإصلاح ذات البين، أمر مطلوب ومحمود، أينما كان وأينما حل، بين الزوحين، بين العمال، بين الاداريين، بين المذاهب، بين الطوائف، لأنه مبعث خير ومنبت تألف ومحبة،اللذين يعتبران اساس قوة وجوده.
إذن يوجب هذا الأصل، التآلف والمحبة، في بناء جسور التواصل والعلاقات، كما ويوجب تحقق القدوة الصالحة، التي هي غريزة تكمن في نفوس البشر، كما وهي حاجة ورغبة في تقليد الخير والعمل لأجل تحققه. فعلى الحاكم والرئيس ادراك أهمية تقليده واتباع أثره في كافة الامور، بخاصة الضعيف منهم.
لذلك وجب عليه كحاكم أن يجعل من نفسه قدوة صالحة، فيها الفلاح والإخلاص والنجاح، مما يُلزٍم وضع نفسه تحت رقابة ذاتية دائمة ومستمرة، لما لذلك الأمر، من أهمية بالغة في ترسيخ علاقات ما ندعو ونصبو إلى تحققها. فيعمل انطلاقا من خلال اثبات فكرة، إنه مراقب من الله تعالى، “.. ولكل لديه رقيب عتيد”، محققا ذلك في تصرفاته وأفعاله وأقواله، فإذا أحسن ذلك، استطاع إصلاح ما أصاب الآخرين من سوء المعاملة والتعامل. لقوله تعالى: “ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف…”.. آل عمران/ 104.
فيا حكام الامة ومسؤوليها، ويا قادة احزابها وامراءها، إن كنتم تطيعون الله ورسله، أصلحوا ذات بينكم، أن الله على ما تعملون شهيد. حسبي الله ونعم الوكيل.
(يتبع)