الإسلام منهج قَوام البشرية.. أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر/ الجزء (7)
خاص “المدارنت”..
هذا الأصل، أمر لازم لإقامة الحدود والاحكام، لدى التشريع الإسلامي، الذي يذهب به إلى حتمية التحقق الضرورية. لأنه يتناول الحياة الاجتماعية اليومية للناس، كما لأن مقصده وغاية تحقق إنما يتمثل ويتمحور حول مفهوم الصلاح والإصلاح، على كافة المستويات الدينية والخُلُقية والاجتماعية…
والسبب في وجوبه مرتبط بحال الناس المتغير، الذي لا يبقى على حال ثابتة واحدة في المجتمعات الإنسانية، لأنها خاضعة لتغيرات، الزمان والمكان، من حيث التقدم العلمي والتقني، وكل ما يتعلق بمفهوم الحضارة، ارتقاء أو تراجعا، إضافة لما تعكسه المؤثرات والعلاءق الاجتماعية والبيئية، من إشكالات في المفاهيم والمصطلحات. ولبيان هذا الأصل ولزومه مع وجوب التكليف به، قوله تعالى:
“… وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ.آل عمران/ 104.
وهذا يعني أن الصلاح في جوهره، هو العمل بالمعروف ثم تطهير اعمال الدنيا من كل إثم وكل منكر. إنه منهج قويم يقود البشرية إلى خير مصالحها، ومن ثم تسديد مسّار حياتها المعيشية
وإصلاح كل ما يتعلق بها ويتفرع عنها.
تفرض الضرورة عدم ترك منكر أو التساهل به، من دون تسديد أو اصلاح، إنه أمر واجب على كل مسؤول، في أي موقع وجد، فعليه واجب إزالته ومنع تكراره، مع واجب تصويب مساره وتصحيحه. لقد وُضِع قانون العقوبات لتصحيح الحالات المرتكبة ،وعدم انتشارها وتمددها، ومنع عدواها داخل المجتمعات، حيث يصعب، بعد ذلك، إصلاحه وانهاءه، إذ يصبح لهذا المنكر اهله، على كافة الصعد والمستويات، فيبررونه ويمارسونه، بحجج واهية كاذبة، فينتشر بين الناس ثم يجر غيره من المنكرات والآفات، فتختل الموازين الأدبية والأخلاقية، ثم تنهار المجتمعات وتعوم داخل وُحُول التفاهة والسفاهة اللاخلاقية.
لذلك فإننا نحتاج إلى جرأة واعية مدركة لتحقيق هذا الأصل بكل ما يحتاجه من عناية ودراية خاصة لفهم الحكمة من تحققه وبيان حدود التكليف به، وتوضيح كيفية ممارسته وتطبيقه على النحو الذي يظهر أثره الايجابي الحسن في وفي الإدارات والمؤسسات.
من العلم أن الإسلام قد وضع للمجتمع البشري عامة، تشريعا، كاملا متكاملا، يطال جميع نواحي حياته، المادية والروحية، كما وبيّن له طرائق أطراد نموه وثبات تقدمه في ظل منهج سماوي الهي.. لذلك اهتم الشرع الإسلامي بوضع قواعد وقوانين، تكفل تقدم واستمرار صلاح المجتمع الإنساني وتلاؤمه مع كل المتغيرات الطارئة، من ظروف بيئية وتجدد مصالح، ومن عادات وتقاليد واعراف.
ومن أهم هذه القواعد والأصول، وكان لها الأثر الطيب في الإصلاح عبر التاريخ العربي الاسلامي، إنه اصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي بمقتضى تحققه، يتوفر ديمومة إصلاح أمور المجتمع والمؤسسات، في كل ما يتعلق بشؤونها الدينية والمدنية.
والجدير بالذكر، أن وجوب وجود جماعة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، مع البيان والتوضيح، أن ذلك الأمر والنهي، لا يقوم بهما إلا ذو سلطة وسلطان. أي سلطة تجتمع فيها عناصر وحدتها واتحاد وحداتها، وتترابط متكاملة متمسكة بحبل الله المتين. فيقتضي الذهاب إلى تحقيق منهج الله تعالى في حياة وعلاقات البشر عامة، إضافة إلى وجوب الطاعة المدركة والتنفيذ فيه، حتى تستطيع الجماعة الخيٍرة، صيانة نفسها من أن يعبث بها كل ذي هوى، وكل ذي نزوة، وكل ذي مصلحة. إنه تكليف وليس تشريف، وليس بالهيٍن تطبيقه، ولا بالسهل، إذ أنه لا شك سيصطدم بسيل من الشهوات والنزوات، والمنافع الخاصة، والكبر والغرور… الخ.
لا شك أن المجتمع الإنساني، لا يثبت على حال، إذ هو متحرك الصعود والهبوط، دائم التغيير، لما هو طارئ فيما يتعلق بأحوال الناس، الذين يتأثرون، وباستمرار، بما يحيط بهم من ظروف بيئية وثقافية، مادية ومعنوية. إذ يتأثرون بسعة الحياة وضيقها، وبتقلب الايام في الحرب والسلم، وبسيرة الحكام واهل السلطة، فهم أهل شورى وإصلاح أم أهل نفاق واستبداد؟ كما يتأثرون بالأفكار المتوالدة بين أفراد المجتمع الواحد، أو تلك الوافدة إليهم.
فكل تطور متقدم إلى الافضل، إنما هو نتيجة الاستفادة من الظروف والأفكار، الجديدة والمستحدثة، حضارة وتقدما.
والانطلاق السليم يدفع الإنسان الفرد إلى إصلاح نفسه اولا، ثم منه ينتقل الإصلاح إلى ما هو بحاجة اليه، من مجتمع ومؤسسات، ومن دول وأمم. ولا يصلح ذلك إلا هذا الأصل الشرعي الذي هو في جوهره فريضة دينية تميّز بها الإسلام.
لقوله تعالى:
“كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ…”.. آل عمران. 110″… يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر” الأعراف/ 157.
“كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون”.. المائدة/ 79.
الاستقامة هي سبيل التمسك بحبل الله، وعدا ذلك، عوج وانحراف، أي كل تفلت منه ،تفقد الموازين سلامتها، ويصيب الخلل والداء كل شيء، وعليه فقد انبثقت المؤسسات الاسلامية من منهج الله تعالى، كي تؤدي في هذه الدنيا، دورًا خاصًا، ينهض بها، ووجودها منوط به، ممارسة وتطبيقا، مع ضرورة إظهار تحققه في صور عملية ذات معالم منظورة، بحيث تترجم النصوص، إلى حركات عملية علمية، وإلى مشاعر وجدانية واخلاق، وإلى مواقف وعلاقات إيجابية.
وهكذا هي حال امتنا، وواجب توجهها العملي، إذ على هذه القواعد والأصول قد اوجدها الله تعالى، واختارها كي تقود البشرية قيادة التصور الصحيح، قيادة الإعتقاد السليم، قيادة النظام والتنظيم، ماديا ومعنويا، إذ أن سبيل هذا التحقق السليم، تنمو العقول، وتتفتح الأفكار نحو آفاق العلم والمعرفة، فيتحقق كمال الإنسانية جرٌاء تحقق أصول التشريع الإسلامي من حرية وعدل ومساواة وأن اختلاف مناهج الحياة الاجتماعية، واختلاف نظرياتها الفكرية، وتعدد منابعها، والذي أدى إلى التعصب لكل ممن انتمى لإحدى فروعها، مما يفرض علينا عرض الأصول الإسلامية وأبعادها التشريعية وبيان صلاحها وإصلاحها، لأنها دليل قوام البشرية جمعاء، ولأنها تمثل نوافذ الحلول لمشكلات الإنسانية، ولكل مشكلة على كافة المستويات الحياتية، الدنيوية والاخروية، على مدى وجود التاريخ الإنساني.
لذلك نعتبر مؤكدين أن التشريع الإسلامي إنما يمثل خشبة خلاص البشرية، كما ويمثل منهج قوامها، انطلاقا من إصلاح الأفراد والمجتمعات على السواء. إنه منهج الهي، كامل متكامل، مُبرّأ من كل نقص أو عيب، والمطلوب الحق من الفرد، الفهم الصحيح ثم العمل به. إنه اصل حفظ حياة البشرية، وسبب ارتقاءها بانسانيتها. فليعلم الجميع، وأخص ممن يدعي القيادة والمسؤولية، على المستوى الديني والمدني، احزابا ومؤسسات وادارات، أن أمة العرب، افرادا وجماعات، زعماء ومسؤولين، اُخرِجَت لتكون طليعة في زرع الخير، وقدوة في تطبيق الإنسانية، كما وينبغي لها أن تعطي ما لديها، لأنها تملك ما تعطيه من عناصر حاجات الناس وبهذا الأمر، فقد اختارها الله كي تقود وتصون الحياة الانسانية، من كل شرّ وفساد، لذلك وجب عليها العمل كي تملك السلطة، إلى جانب العلم والمعرفة، حتي يكون لديها قدرة تنفيذ اصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ السبيل إلى ذلك، مصدره الأخذ بنصّ المُشرٍع وتحقيقه بالإيمان القوي الراسخ.
(يتبع)