مقالات

الإسلام منهج قَوام البشرية.. أصل المساواة.. الجزء (3)

أديب الحاج عمر/ لبنان

“المدارنت”..
لقد جاء الإسلام بأصل المساواة كي يبطل الفوارق بين الناس، من تفاخر الانتماء: إلى جنس، أو طبقة، أو قبيلة….لقوله تعالى:
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً…”/ النساء/1.
وعليه يكون اصل المساواة أحد المبادئ والأسس الأساسية لبناء علاقات إنسانية قويمة. فالمساواة توضح أن يكون الناس
أمة واحدة، بلا تمايز ولا تمييز، ولا فرق بين انسان وآخر، امام القانون، وامام تطبيق الشرع الإسلامي، مع الحرص الشديد على مساواة الأفراد وتحقيق العدل بينهم، في: التعامل وتكافؤ الفرص، وهذا الأمر يعتبر عنصرا أساسيا في تحقيق علاقات طيبة متبادلة، وتكون بعيدة عن البغضاء والحقد والحسد والغيرة.
وبهذا، الإسلام يجسد قواعد المساواة ويحقق الكرامة الانسانية، ومن جهة اخرى، يكافح التمييز العنصري ويرفضه، فاسحا مجالا واسعا ،للتنافس الحر والشريف بين أبناء البشرية عامة، وبين أبناء أمة الإسلام خاصّةً، إضافة إلى أنه يفتح باب تكافؤ الفرص بينهم، بحيث يكون التفاوت و التفاضل على قدر ما يملكه الفرد من علم ومعرفة، ومن أدب واخلاق، ومن جهد وتقوى. فالكل سواء متساوون في الحقوق والواجبات. لقوله تعالى:
“يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”.. الحجرات/13.. “وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا...” “سبا/37.. وهذا حديث الرسول (ص) “لا فضل لعربي على أعجمي… ولا احمر على اسود.. الا بالتقوى”، ونضيف قول أبي بكر (رض): “القوي فيكم ضعيف عندي حتى اخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى اخذ الحق له”.
ونلحظ، إلى أن المساواة بين التاس، ثم تطبيق القوانين بينهم
لا يتنافى ولا يتعارض، كليا، مع اعتراف الإسلام بالفروق الطبيعية بين الناس، إذ أنهم بالفطرة مختلفون، وبتوارث النسب ايضا. فالمساواة اصل واجب في الممارسات العملية اليومية، رغم أن تطبيقه بين الناس، لا بد أن يترك بصمات سلبية، ويترك خللا اجتماعيا، بسبب عدم فهم أبعاد تطبيقه، لدى الناس، ثم لأنهم اعتدوا التفريق بين البشر، كأصل سابق للتشريع الاسلامي، وهذا دليل تاسس اصل المساواة مع الشرع الإسلامي، وأصبح ثابتا ونافذا، وليس مجرد شعار يطلق، عبثيا، كدلالة مساواة حسابية، (2=2).
وهذا ما تاخذ به تلك الدول الجائرة المتسلطة، والتي تأخذ الدين رسومات صورية، لا روح فيها ولا حياة. كما ونجد الإسلام قد رفض حصر المساواة في التكوين الإنساني، فقط، كما ونفاها في غير المتماثلين ،في الصفات والأعمال. لقوله تعالى:
“أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ” ص/ 28..  “أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ…“.. السجدة/ 18.
وهكذا يذهب الاسلام ليبين وحدة الكيان الإنساني، بين الرجل والمراة، والمساواة بينهما، إضافة إلى وحدة الناس جميعا، مع البيان والتوضيح، الى ضرورة ظهور الاختلافات فيما بينها، والسبب في أن الإنسان يؤدي وظيفته العملية على قدر ما تؤهله ظروفه الفردية والجماعية
وعلى قدر ما يملك من قدرات عضوية وفكرية. والجدير ذكره، رغم ان الإسلام اقر مساواة المراة للرجل، فإنه أباح لها القيام بوظائفها واعمالها المشروعة، التي تحسن أداءها ولا تتنافى مع طبيعتها الفطرية،لقوله تعالى:
“… للرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ..” آل عمران/ 195.
ونشير إلى أن كثيرا من المؤمنات قد اشتغلن ،في التجارة والتعليم والتطبيب، كما وشاركن في الغزو والقتال، وعليه، يكون توزيع الأعمال بين الرجل والمراة، وفقا لاستعدادات كل منهما، وما يملك من خصائص وميزات. فالمساواة بينهما حق واجب في انسانيتهما، لأنهما مخلوقين من نفس واحدة، ومن جهة ثانية، فانهما مختلفين في التركيب العضوية والنفسية، فالاختلاف بينهما ضرورة حتمية، وهكذا فالبشر جميعا، متساوون بمحض ادميتهم وانسانبتهم، وهذا اصل،والاختلاف استثنائي لارتباطه بما هو عارض وطاريء.
من جهة ثانية، لما تكاثرت البشرية وازداد الخلق، أدى بلا شك إلى انقسامهم إلى مجتمعات عديدة متنوعة، وهذا الأمر يدفع إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ما للواقع البيئي وانعكاسه التكويني على المستوى النفسي والعضوي والاجتماعية. بهذه الحالة المتنوعة للبشرية، كان لزاما ضرورة وضع قواعد معيارية للتفاضل فيما بينها، والتي تلزم ايضا، وضعها على أسس عادلة هادفة، ولكي لا تضيع المعايير بين التفاوت العلمي والادراكي بين الناس، فقد حصر الإسلام معيار التفاضل في (التقوى) كما ذكر ذلك النص القرآني، ودلالة هذا المعيار إنما تنحصر بصلة أساسية تربطهم بخالقهم (الله).
وهذا يعني أن الناس متساوون بادميتهم، ومتفاضلون بالتقوى، أمام الله تعالى. ويذهب النصّ القرآني ايضا، كي يعمق الاحساس بالمساواة بين الناس ويؤكدها لديهم، فإنه يظهر بشرية الرسول الكريم (ص) لقوله تعالى:
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ..“، الكهف/110.
إذن اصل المفاضلة هي التقوى، ومع غيابها تنعدم الصلة، بين الإنسان وربه، فالتقوى يا ابن ادم، دليل ايمانك،فاحرص على أن تكون من اهلها، إذ ليس السباق إلى المساجد وفي الصفوف الاولى، هي العيار، إنما المعيار في ما تنفذه من أوامر الله ونهيه،. وهذا نداء نوح:
وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي..“، هود/ 45-46.
فالنبي نوح إنما يريد نجاة ابنه من هلاك الغرق، مع عدم تطبيق قاعدة التقوى، وهذا مستحيل في الاسلام، لأن التقوى هي المعيار الوحيد للتفاضل وخلاص الناس ونجاتهم
كما أن النصّ القرآني، لم يجعل لهذا المعيار استثناء. فوحدة المعايير للمحاسبة والجزاء، دليل واضح على تحقق اصل المساواة، أمام الله و أمام القانون. وما حال أمتنا العربية الإسلامية إلا صورة موضوعية لضياع معيار التفاضل في الأعمال والأقوال والمواقف. إذ لا يميز الإنسان ويفاضله عن غيره سوى كفاءته العلمية والعملية، لا الإسلام قد أوجب اختيار الأصلح في أداء العمل وانتاجه وما ترك من بصمات علاءقية. وبهذا المعنى يظهر الرسول (ص) ضياع الأمانة، فسالوه، وما الأمانة.؟ قال (ص): “اذا وُسِد الأمر (اسند) إلى غير اهله”. من هو أهل لموقعه المسؤول في أمتنا العربية الإسلامية؟!
المساواة اصل مؤكد في الكيان الإنساني وعلى أساسه وجدت، فالتسوية ليست حسابية، إنما هي عملية تكاملية، ناتجة عن التكليف الإلهي للبشر، لقوله تعالى:
“مًنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ..”.. النحل/97.
وهكذا تستهدف المساواة خير الإنسان، وبقاء مصالحه، واستمرار عمارة الأرض، فالتنوع في الجنس، والاختلاف في الخِلقة يقتضي المفارقة في الحقوق والواجبات، التي هي جملة من مصالح الحياة ومغانمها
ومن جهة ثةنية، يظهر الإسلام جوانب مضيءة في كرامة الإنسان مع ضرورة المساواة بين بني نوعه، حكاما ومحكومين، عمالا وأرباب عمل، فلا فرق ،في الاسلام، بين أبي بكر وبلال الحبشي(رض) فالكل سواء، هذا هو منهج الاسلام ومنطقة السليم في العمل والتعامل.
كما يقرّ الإسلام بوحدة الجنس البشري، في المنشأ والمصير، في الحياة والموت، في الحقوق والواجبات، اطلاقا من اصل خلق الله الواحد، فالاب واحد، والمصير واحد، والبعث للجميع واحد، ويوم الحساب للجميع واحد، والإنصاف في العمل الصالح والتقوى، للجميع حق وواجب. وهذا النص القطعي يظهر صور المساواة بين الحاكم والمحكوم، حيث أنكر الله تعالى على من اتخذ احبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، لقوله تعالى:
“….اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا“، التوبة/31.
مساواة الإسلام أهم ما ميز الشرع الاسلامي، عملا ومعاملة لدىالبشرية جمعاء. والنص القرآني، يبنيها ويفرضها في كل شؤون الحياة وعلى كافة الصعد، لقوله تعالـى:
“.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ..” النساء/ 135.
فالتسوية وتحققها بين الحاكم والمحكوم، من أظهر سمات المجتمع الإسلامي ومن اعظم عوامل أمنه واستقراره، كما ويعتبر أهم سبل تكوين القادة القدوة.
أن اجمل واروع ما يجسده اصل المساواة، إنما يظهر في اجتماع المسلمين عباداتهم، ففي الصلاة الكل جنبا إلى جنب، يتجهون بكياناتهم نحو قبلة واحدة، ويسجدون لاله واحد، ويريدون كلاما واحدا.. كما ويتجلى ايضا بأداء مناسك الحج، حيث يجتمعون من كل جنس ولون، وياتون من كل حدب وصوب، في مكان واحد، ولباس واحد، تتوحد حركاتهم في منسك واحد، لا تقديم ولا تأخير، لا فرق بينهم ولا ميزة لأحدهم. وتجدر الإشارة، إلى أن القوة والضعف، كما الغنى والفقر، وغيرها إنما هي عوارض تطرأ على حياة البشر، وليست سببا للاخلال باصل المساواة. لذلك من واجب السلطة، بانواعها،حماية اصل المساواة وتطبيقه بين مواطنيها، وبين من ينضوي تحت لواءها، فالناس سواسية أمام القانون، وسواسية في الحقوق والواجبات، وفي تكافؤ الفرص، إذ أن في تطبيق اصل المساواة، يتساوى الرجل بالمرأة، يتساوى الحاكم والمحكوم، يتساوى الرئيس والمرؤوس، يتساوى الصغير والكبير، يتساوى الغني والفقير، يتساوى القوي والضعيف. إنه شرع الإسلام ،فهل من يمارس ويطبق..؟ أين مدّعو العلم والفقه، وو..؟!.. أين وأين؟!
(يتبع)

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى