الإشعاع الثقافي في “الشارقة” يتخطّى حدود الإمارات
اكتظ المشهد الثقافي في مدينة الشارقة الإماراتية منذ مطلع العام الجاري، بالعديد من الإنجازات الثقافية الفارقة، فيما استطاعت الإمارة أن تنقل قاصديها إلى فضاءات إبداعية مزدحمة بالأحداث والملتقيات والمهرجانات الثقافية التي يصعب أن تجتمع في مكان واحد لتتحول الأجواء الثقافية إلى سمة تحفظ للشارقة خصوصية متفردة وهو ما ساهم في تعزيز حضورها كأبرز مقصد للمسرحيين، والكتاب، والمنتجين، والشعراء الإماراتيين والعرب.
وأعادت جهود شارقة الثقافة بعضا من بريق الثقافة العربية، والتي أبت أن تكون حبيسة جغرافية معينة بل كانت وستظل مشروعا إنسانيا يمد جسور التواصل ويعلي قيمة الثقافة كأحد أبرز الأسلحة في وجه الجهل والتعصب، وواصلت الشارقة إشعاعها الثقافي، وتخطى تأثير أنوارها حدود الإمارات والمنطقة، ليصل إلى العالمية والتي جاءت نتاجا لجهود متواصلة لأكثر من أربعة عقود وضع أساسها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.
واستقبلت الشارقة العام 2019، كعاصمة عالمية للكتاب في إنجاز يعكس مكانة الإمارة الثقافية على المستوى العالمي، فيما شاركت كضيفة شرف في مهرجانات نيودلهي وتورنتو للكتاب، كما عن مشاركتها كضيف شرف في”معرض لندن للكتاب 2020″.
إلى ذلك .. جمعت الشارقة رموز الأدب والإبداع المحلي في أول معرض للكتاب الإماراتي، فيما أطلقت برنامجا لرعاية المواهب الإبداعية في الرواية والشعر والقصة القصيرة والمسرح، واحتضنت فعاليات مهرجان الشارقة للشعر العربي في دورته الــ 17، ومهرجان للفنون الإسلامية، ومهرجانا للشعر الشعبي.
وفي موازاة، ذلك بدا واضحا أن شغف الإمارة بالثقافة انتقل إلى جمهورها، بعد أن شهدت أغلب فعالياتها حضورا لافتا من الجماهير والزوار، وهو ما بدا جليا في فعالية البسطة التراثية في سوق الشناصية في قلب الشارقة، ومناشط أيام الشارقة التراثية التي تحولت إلى ما يشبه المسرح المتحرك، حيث جابت فرق شعبية عالمية ومحلية أغلب مدنها وسط حضور واهتمام جماهيري ملفت.
وجاء تسلم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة للقلادة الذهبية رفيعة المستوى للمنظمة العالمية للفن الشعبي امتنانا لجهود سموه في دعم الثقافة والفن والتراث في مختلف دول العالم، وتقديرا لدور سموه المتواصل في دعم المنظمات العاملة في هذا المجال، ولإنشائه عددا من المراكز التراثية والثقافية في أقطار متنوعة حول العالم.
ولا شك أن الحراك الذي تقوده الشارقة في المجال الثقافي شكل إضافة نوعية لتجربة الحراك الثقافي المحلي الإماراتي، وإثراء لصورة الثقافة العربية أمام القراء والمثقفين في مختلف دول العالم.
ولعل الاتساق والديناميكية والشمولية هي العناصر الأبرز في المشروع الثقافي للإمارة، لتبدو الفعاليات والمبادرات الثقافية المجدولة في روزنامة الإمارة كالحلقات المتسلسلة التي يكمل بعضها بعضا.
وسعت الشارقة في مشاركاتها كضيف شرف في مهرجاني نيودلهي وتورينتو إلى نقل الثقافة العربية إلى قلب العاصمة الهندية والكندية فنقلت الفن العربي بمختلف أنواعه إلى شعوب قل ما حضيت بفرصة حقيقية للاقتراب منه ومحاولة فهمه وتذوقه بشكل مباشر، والنتائج: ترجمة العديد من الكتب إلى لغات جديدة، ولقاءات نقدية مباشرة، ومعايشة لحظية لفنون الخط العربي، فيما جابت أهازيج البحارة والرقصات الشعبية الإماراتية الشهيرة والعروض التراثية شوارع وأزقة نيودلهي وتورينتو.
محليا، شكل معرض الكتاب الإماراتي الذي نظمته هيئة الشارقة للكتاب بالتعاون مع اتحاد كتاب وأدباء الإمارات بمشاركة 25 دار نشر إماراتية فرصة لتوثيق ذاكرة الأدب الإماراتي المعاصرة واستعادة لسيرة روادها المؤسسين.
في الإطار ذاته، شكل افتتاح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، للدورة الأولى من معرض الكتاب الإماراتي نقطة تعلي وترتقي بمنظومة النشر بشكل عام على مستوى الدولة بعد أن شاركت 25 دار نشر إماراتية، ونخبة من الأدباء والمبدعين الإماراتيين في نسخته الأولى، فيما شهد المعرض مناقشات وجلسات حوارية سلطت الضوء على قضايا ثقافية متنوعة، وعرضت تجارب عدد كبير من الأدباء والمؤلفين “متحف الكاتب الإماراتي” .. جولة في ثنايا الذاكرة الإبداعية المحلية.
وفي سياق متصل شكل “متحف الكاتب الإماراتي” الذي جاء ضمن معرض الكتاب الإماراتي ونظمه مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث .. جولة غاصت في تفاصيل الحياة التي عاشها نخبة من المبدعين الإماراتيين من كتاب وشعراء وروائيين ومؤرخين وفرصة للاحتفاء بمجموعة من الرواد المحليين.
وضم المتحف بين جنباته ملامح حياة وإبداعات نخبة من الكتاب الإماراتيين الرواد والمعاصرين أمثال الماجدي بن ظاهر وحميد الشامسي وسالم العويس وغيرهم، حيث قام المتحف بعرض المقتنيات الشخصية لأولئك الأدباء والمبدعين والأدوات التي كتبوا فيها قصائدهم ونصوصهم فيقدم المحابر والأقلام والمخطوطات وغيرها. إلى جانب مختارات شعرية تضمها الدواوين ومؤلفات الكتب والمقالات الخاصة بالمبدعين الإماراتيين ومجموعة من الإصدارات الصوتية التي تمثل أرشيفا المسموع لأولئك الرواد.
ولم يغب النشء عن دائرة اهتمام الشارقة لتطلق برنامجا لرعاية المواهب الإبداعية في الرواية والشعر والقصة القصيرة والمسرح، في خطوة تسعى لإتاحة الفرصة للراغبين من الكتاب الإماراتيين الذين يسعون إلى تنمية مهاراتهم الكتابية وفق برنامج تدريبي طويل المدى مبني على رؤية منهجية حديثة لتنمية المهارات وتطويرها.
ويتميز برنامج الورشة بامتداده على مدى أكثر من عام من التدريب والمتابعة والنشر من خلال عدة مراحل للمساهمة في تأسيس الكاتب وإعداده واكتشاف قدراته وصقلها ورعايته في مشواره الأدبي.
وأقامت الشارقة منذ مطلع العام الجاري كرنفالا ثقافيا شهد العديد من المهرجانات، كمهرجان النهضة التراثي الثقافي في نسخته العاشرة الذي قدم أنشطة وفعاليات جاذبة ومميزة ومعارض متنوعة للأطفال والعائلات، مستهدفا اكتشاف جماليات الماضي وتوصيل المفردات التراثية إلى الأجيال الجديدة وترسيخ ملامح الهوية الوطنية وترسيخ الموروث الشعبي في نفوس أفراد المجتمع.
إلى ذلك أطلقت الشارقة فعاليات الدورة الـ17 لمهرجان الشارقة للشعر العربي بمشاركة 42 شاعرا وشاعرة من دول عربية عدة، فيما شهدت الإمارة فعاليات الدورة الحادية والعشرين من مهرجان الفنون الإسلامية والذي تضمن معرضين فنيين “الحديقة الإسلامية” و”أفق الإمارات بين الماضي والحاضر” ويرصد المعرضان نماذج من المباني التراثية والمعاصرة في مدينة الشارقة حيث شهدت نهضة عمرانية مضطردة لونت واقعها الجمالي بمزيج من الطرز التراثية والحديثة. ويهدف المشروع الفني إلى رصد واستلهام العناصر التصميمية والقيم الجمالية في أساليب فنون البناء المحلية التراثية منها والحديثة حيث اختيرت خمسة بيوت تراثية من قلب الشارقة بالإضافة إلى الواجهة المائية في منطقة المجاز.
وتضمن المعرضان ورشا لفن الخط العربي والزخرفة وبيوت الخطاطين، منها “جماليات فن الإبرو” و”خط المرقعات” و”الزخارف التيمورية” و”جماليات الحروفية”.
وفي سياق متصل، انطلقت الدورة الـ15 من مهرجان الشارقة للشعر الشعبي الذي تنظمه دائرة الثقافة ممثلة بمركز الشارقة للشعر الشعبي بمشاركة 60 شاعرا وشاعرة من 17 دولة عربية. كما اختتمت في إبريل الماضي فعاليات الدورة الرابعة من مهرجان “الشارقة للثقافة والناس” التي أقيمت تحت رعاية قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة. والذي قدم 25 ركنا العديد للأنشطة والفعاليات التراثية والصحة والرياضة والشعرية ومعرضا للكتاب ومسابقات ثقافية ومركزا للكتابة والموسيقى والطبخ وغيرها. فيما افتتح على هامشه معرض للصور الفوتوغرافية بعنوان “التسامح” والذي يهدف إلى تجسيد مفهوم التسامح وتقبل الآخر والانفتاح على الثقافات المختلفة من خلال الصور المعبرة.
الصورة الأجمل للمشهد الثقافي للإمارة تمثلت في التفاعل المبهر لجمهور وزوار الشارقة مع الأحداث والفعاليات الثقافية، والاهتمام الملفت في النشء، وهو ما يبشر بتوفير صفة الاستدامة على مشروع شارقة الثقافة، وأملا جديدا يعيد للأمة حضورها الإنساني والثقافي عالميا.