مقالات

الاستبداد السياسي وعلاقته “بالنظام الأبوي”

د. محمد الحسامي/ اليمن

خاص “المدارنت”..
إن “ظاهرة الاستبداد السياسي” ليست خاصة ومقتصرة على بلد محدد من بلداننا العربية، إنما هي ظاهرة عامة في كل بلدان أمتنا العربية، ظاهرة متجذرة في الوعي الجمعي الاجتماعي عموما والنخبوي منه على وجه الخصوص وفي جزء كبير منهما… إلخ.
وهذا ما يحاول علم الاجتماع تفسيره عبر ما يسمى بـ”النظام الأبوي”…
حيث يعرف النظام الأبوي من قبل الكثير من علماء الاجتماع وغيرهم في إطاره الأسري الضيق أو الاجتماعي والسياسي المجرد وفقا للسيطرة الذكورية وهيمنتها على مقاليد الأمور في الأسرة والمجتمع والدولة على حساب دور المرأة في ذلك, بأنه (هو نظام اجتماعي في العادة يرتكز على العادات والتقاليد حيث يشكل أكبر الذكور أو الأب أو الأهل سلطة (مطلقة أو جزئية) على الزوجة أو الأولاد وبالأخص الفتيات، ويشكل الأخ كذلك سلطة على أخته أو والدته أحياناً، وكذلك على صعيد ولي الأمر حيث يكون هو السلطة. يشير هذا المصطلح سياسيا إلى حكومة مشكلة بأكملها من قبل الذكور، كذلك يشير إلى هيمنة الرجال على الأنظمة الثقافية والاجتماعية، كما يمكن أن يشمل كذلك الألقاب الاسمية التي تُحمل عبر تسلسل الذكور).
أما غيردا ليرنر في كتابها: “نشأة النظام الأبوي”، فتقول بأن النظام الأبوي هو “التجلي التام للهيمنة الذكورية على النساء والأطفال في الأسرة، وتوسيع الهيمنة الذكورية على النساء في المجتمع بعامة. وهذا التعريف وفقا لبيرنر ان الرجال يتولون السلطة في جميع مؤسسات المجتمع المهمة، وأن النساء محرومات من سلطة كهذه”.
لكن بالمقابل هناك الكثير من المتخصصين في هذا المجال لا يحصرون النظام الأبوي في الظاهرة المجردة للسيطرة الذكورية المجردة على مقاليد الأمور في الأسرة والمجتمع والدولة على حساب دور المرأة وتهميشه, وإنما يرون بأن ذلك أوسع وأشمل من مجرد السيطرة الذكورية المجردة بكثير حيث يتعدى ذلك إلى القيم والنظرة إلى الأنا باعتبارها الأصفاء والأفضل وإلى تكوين صورة نمطية سلبية عن الآخر… بما يتشكل نتيجة لذلك من وعي استبدادي تسلطي ليس في إطار الأسرة فقط وإنما في إطار المجتمع والسلطة وجميع المناحي الحياتية… إلخ.
ويُعتبر الدكتور/ هشام شرابي من أحد وأهم المفكرين والكتاب العرب في هذا الشأن.. حيث يشير في كتابه القيم: “النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي”، الصادر عن “مركز دراسات الوحدة العربية” في بيروت، إلى أن “مفهوم البطركية الذي استخدمه في بعض كتاباته هو مفهوم قريب من مفهوم الأبوية مع توضيحه لجوانب الاختلاف والاقتراب، فالأبوية تاريخًا وبنيويًا تختلف عن البطركية بكونها النظام الأولي الذي انبثق منه النظام البطركي ويرتسم على شكله. إلا إن مفهوم الأبوية أضيق شمولية من مفهوم البطركية، فهو محصور في بنية العائلة والبنى المتفرعة من العائلة كالعشيرة والقبيلة، بينما يضم مفهوم البطركية البنية الاجتماعية بكاملها بما فيها البنية الأبوية ومتفرعاتها”.
ولا يعني ذلك ان هشام شرابي لا يقصد بالنظام الأبوي الهيمنة الذكورية بل ان مصطلح النظام الأبوي أوسع بالنسبة اليه ويشير الى الهيمنة المطلقة للأب في صورتها البيولوجية أو الاجتماعية على مستوى العائلة/ الاسرة، أو الرجل في مقابل المرأة، أو الأب في صورته السياسية ممثلا بالحاكم. أي إنه في المجال الذي تسود فيه القوة على حساب الحجة. بل ان هشام شرابي يرى ان حجر الزاوية في النظام الأبوي والنظام الأبوي المستحدث هو استعباد المرأة، فالمجتمع الأبوي مجتمع ذكوري لا وجود فيه للأنوثة إلا تأكيد تفوق الذكر وهيمنته ليصل به الى القول: “ففي غياب المساواة بين الرجل والمرأة يغيب مبدأ المساواة في المجتمع ككل”.
يقوم مفهوم النظام الأبوي او البطركية لدى هشام شرابي على أساس وجود روابط تراتبية بين افراد المجتمع، يخضع بموجبها البعض للبعض الآخر، يسمّيها ذهنية أبوية تأخذ نزعة سلطوية شاملة ترفض النقد ولا تقبل بالحوار الا أسلوبا لفرض رأيها فرضًا. ويفرق شرابي بين النظام الأبوي والنظام الأبوي المستحدث او الجديد، تعبيرًا عن التطورات والتحولات التي لحقت بهذا النظام لاسيما في الحالة العربية.
فالنظام الأبوي الجديد كمفهوم يشير إلى البنية الاجتماعية، السياسية، والنفسية التي يتميز بها المجتمع العربي المعاصر. إنه مفهوم ذو ازدواجية نظرية مهمة لأنه يعبر عن تشكيلة اجتماعية هجينة ناتجة عن الانتقال من نظام تقليدي إلى نظام حديث دون استكمال عملية التحول أو الانتقال بصفة نهائية. وهو الأمر الذي جعل المجتمع العربي المعاصر يبدو في هذه الصيغة التي يجمع فيها بين التقليد والحداثة دون أن يكون أي منهما. إنه نظام يعيش الماضي في الحاضر والحاضر في الماضي، إنه مزيج بين التراث والمعاصرة، “نظام غريب يختلف عن أي نظام” على حد تعبير شرابي.
إن مفهوم النظام الأبوي بالنسبة لهشام شرابي ذا طبيعة مزدوجة؛ فالأبوية كمقولة اجتماعية اقتصادية كلية (تحيلنا للمجتمع، الدولة، الاقتصاد) وجزئية (تحيلنا للعائلة والشخصية الفردية) من جهة، وكمقولة نظرية تحليلة او نموذج مثالي من جهة أخرى.
وهناك العديد من المفكرين الذين ينهجون نفس النهج الشارابي لمفهوم النظام الأبوي ,الذي يسمية بـ”النظام الأبوي المستحدث,, ومنهم الكاتب العراقي إبراهيم حيدر وذلك في كتابه,, النظام الأبوي وإشكالية الجنس عند العرب”.
حيث يعرف النظام الأبوي- البطريركي بأنه “بنية اجتماعية وسايكولوجية متميزة تطبع العائلة والقبيلة والسلطة والمجتمع وتكون علاقة هرمية تراتبية تقوم على التسلط والخضوع اللاعقلاني الذي يتعارض مع قيم المجتمع المدني واحترام حقوق الانسان نتج عن شروط وظروف تاريخية واجتماعية وثقافية وعبر سلسلة من المراحل التاريخية والتشكيلات الاجتماعية والاقتصادية المترابطة فيما بينها حيث ترتبط كل مرحلة منها بمرحلة انتقالية تسبقها حتى تصل الى مرحلة النظام “الأبوي الحديث”.
الخلاصة:
في الختام، يمكننا القول بأن النظام الأبوي هو ذلك النظام القائم، وعيا وسلوكا, قولا وعملا, على أساس العقلية الاستبدادية التسلطية والطغيانية، والتي وفقا لها وفي إطارها يتم النظر إلى الآخر والتعامل معه وفقا للصورة النمطية السلبية، بما تقتضيه وتفرضه تلك الصورة من التعامل معه الخ…
حيث يقول الفيلسوف الألماني هيجل: “إن الحاجة هي وعي النقص بالشيء..”.
فمتى شعرنا واحسسنا بوعي النقص تجاه الحرية والتحرر من النظام الأبوي، بكل سماته وخصائصه ومظاهره، وبكل أوجهه، وأهمها السمة والصفة الاستبدادية، فإننا في هذه الحالة فقط سوف نقوم بالخطوة الأولى في سبيل التخلص منه والتحرر.. إلخ.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى