التحريض ضدّ اللاجئين السوريّين في لبنان…”عقاب جماعي” واستثمار سياسيّ!
“المدارنت”/ العنصرية تجاه اللاجئين السوريين في لبنان، ليست ظاهرة جديدة، إذ تُستغلّ كل أزمة لتسليط الضوء على ورقة اللجوء السوري، سواء لتحقيق مكاسب سياسية وشعبوية أو لتحويل انتباه الجمهور عن القضايا الحقيقية.
“روحوا من هون ما إلكن مدرسة وتعليم يا سوريين فلوا”، بهذه العبارة توجّه أحد الشبان المشاركين في اعتداء على مجموعة طلاب من النازحين السوريين في مدرسة سدّ البوشرية، إلى أم أحمد وأبنائها أثناء مرافقتها لهم للتوجّه إلى دوام بعد الظهر من يوم الثلاثاء الماضي.
الشبان الذين قيل إنهم ينتمون الى “جنود الربّ”، تعرضوا للتلاميذ السوريين قبل دخولهم إلى حرم المدرسة، ووجهوا إليهم الشتائم والإهانات، وحاولوا منعهم من إكمال طريقهم. وبحسب شهود عيان، فإن أطفالاً تعرضوا أيضاً للاعتداء على أيدي المجموعة المذكورة، ما دفع المدرسة الى إبلاغ الأهالي بعدم إرسال أبنائهم إلى المدرسة ريثما تهدأ الأمور.
تقول أم أحمد في حديثها لـ“درج”، إنها اليوم تعيش في خوف شديد على عائلتها وترقّبٍ للمجهول، إذ تعرض زوجها قبل أيام من حادثة “جنود الربّ” للترهيب على يد مجموعة من شبان المنطقة، بعد اعتراض طريقه وتوجيه مسدس حربي إلى خاصرته، وتهديده بالقتل في حال عدم مغادرته المنطقة. وكانت العائلة دخلت إلى لبنان عام 2017، والزوج مطلوب للنظام السوري لانشقاقه عن الجيش.
“زوجي عم يخطّط لنسافر بالبحر، ما في محل نرجع عليه، هون صارت الروحة عالمدرسة فيها خطر على حياتنا وحياة أولادنا، ما رح ابعت الولاد عالمدرسة قبل ما ترجع الأمور لطبيعتها”، تقول أم أحمد التي تعجز الآن عن نقل أطفالها إلى مدرسة أخرى، لأن المدارس التابعة للأمم المتحدة التي يتعلم فيها السوريون عددها قليل في المنطقة، وبعيدة من مكان سكن العائلة.
يضاف إلى ذلك أن الوضع المادي لعائلة أم أحمد لا يسمح بتسجيل الأطفال في مدرسة خاصة، ما يعني أن الأطفال الذين يبلغ أصغرهم الثامنة من عمره، قد يخسرون عامهم الدراسي. تقول أم أحمد: “الأولاد كانوا بالأساس يكرهوا المدرسة من ورا المعاملة العنصرية من المعلمات، هلق صاروا خايفين ومستحيل يرجعوا عالمدرسة”.
العقاب الجماعي
تندرج هذه الحادثة ضمن سلسلة من الانتهاكات والمضايقات والتعنيف التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في الآونة الأخيرة، والتي ارتفعت حدّتها بشكل كبير عقب حادثة مقتل منسق حزب “القوات اللبنانية” في جبيل باسكال سليمان، بعد خطفه على يد عصابة سرقة سورية وفق ما أعلنته قيادة الجيش اللبناني في الثامن من هذا الشهر.
هذه الاعتداءات التي بدأت كرد فعل أولي على الحادثة، تحولت إلى نمط ممنهج من التضييق على السوريين في بعض المناطق اللبنانية التابعة للنفوذ المسيحي، في محاولةٍ لإخراجهم منها وعدم السماح بوجودهم فيها تحت أي ذريعة.
وتخلّلت هذه الحملة الشرسة من العنصرية حالات اعتداءات جسدية وإهانات وطرد للسوريين من منازلهم وتحطيم ممتلكاتهم، في ظل موجة من التحريض الرسمي والإعلامي الذي يساهم في إضفاء شرعية للعقاب الجماعي الذي يتعرض له النازحون في لبنان.
العنصرية تجاه اللاجئين السوريين في لبنان ليست ظاهرة جديدة، إذ تُستغلّ كل أزمة لتسليط الضوء على ورقة اللجوء السوري، سواء لتحقيق مكاسب سياسية وشعبوية أو لتحويل انتباه الجمهور عن القضايا الحقيقية. ولم يعد هذا الأمر مقتصراً على الخطاب السياسي الذي تنتج منه الكراهية والعنصرية ضد اللاجئين السوريين، بل وصل إلى حدود الاعتداءات والانتهاكات التي تهدّد حياتهم.
في هذا السياق، تشير المحامية الحقوقية منار زعيتر في حديثها لـ “درج”، إلى أن لبنان ُملزم بعدم إعادة أي فرد إلى بلد قد يتعرض فيه لخطر التعذيب أو الاضطهاد، وذلك وفقاً لمبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي الإنساني.
تؤكد منار زعيتر: “ما يحدث هو انتهاك لحقوق الإنسان، ويجب مساءلة الدولة أولاً على تقصيرها في إدارة ملف النزوح السوري، وعلى عدم تنسيقها وتسجيلها والسيطرة على معابرها”.
تشير زعيتر إلى أن ما يحدث الآن هو نتيجة سنوات من التقصير، وليس بسبب جريمة كان من الممكن أن يرتكبها أفراد يحملون أيّ جنسية أخرى. وتضيف: ”الدولة تعمل على انتهاز أي فرصة لتحميل اللاجئين مسؤولية كل ما يحدث في لبنان واتباع نهج العقاب الجماعي”.
وتنبّه زعيتر إلى أن الترحيل القسري لا يمكن أن يكون حلاً، بل يجب أن تتحمل الدولة مسؤوليتها في تأمين العودة الآمنة للاجئين، خصوصاً أمام عدم وضوح مصير العائدين الذين يجهلون ما ينتظرهم عند عودتهم بسبب عدم التزام النظام السوري بتأمين عودة آمنة لهم. لذلك يجب على الدولة “التحرك بشكل فعال لوقف الاعتداءات والتحريض والترحيلات القسرية، وضمان حقوقهم في الحصول على الحماية والمساعدة الإنسانية اللازمة”.
أول مرة قالوا معهم أمر من البلدية بالإخلاء من (هون لأسبوع، تاني مرة، إجوا عناصر من البلدية، وصاروا يصرخوا علينا، ويقولولي ارجعي ع بلدك، ليش بعدك هون، بدنا نرميكِ إنتِ وولادك برّا، وجرّبوا يفوتوا عالبيت، يقتحموه، حاولت منعهم، لأن زوجي ما كان بالبيت)
الحبس المنزلي
منذ اليوم الأول لإعلان مقتل سليمان، وما عقبه من ضرب لشبان سوريين في الشوارع، وتجوّل مجموعات تستخدم مكبرات الصوت تطالب السوريين بالإخلاء المستعجل لمنازلهم، اضطر السوريون الموجودون في بعض المناطق لملازمة منازلهم خوفاً من تعرضهم لأي اعتداء.
يقول محمد الذي يعمل بخدمة التوصيل “دليفري” في نطاق منطقتَي جونية وكسروان، إنه توقف عن العمل منذ بداية الحملة العنصرية، وحاول قدر الإمكان عدم مغادرة المنزل، ولكنه وأثناء محاولته إحضار زوجته وأطفاله من منزل أخيه في ذوق مكايل حيث اختبأوا لأيام عدة، اعترضت طريقه يوم الأحد 14 من الشهر الحالي مجموعة شبان واعتدت عليه.
يقول محمد: “كان معي بنتي عمرها 3 سنين، ومرتي (زوحتي) حامل بالشهر التاسع، نزلوا مرتي (زوجتي) والبنت عن الموتسيكل (الدراجة النارية) ودفشوني (ودفعوني)، وكسرولي (حطموا الدراجة) “الموتسيكل” وضربوني”.
تعرض محمد للضرب على أيدي المجموعة ولسيل من الشتائم والتهديدات بإخراجهم كسوريين من البلد بكامله، وقد أنقذه تدخل أحد الشبان الموجودين.
تقول سلمى، لاجئة سورية، لـ”درج”: “هجموا علينا عالبيت، الوضع صعب كتير، ما فينا نضل هون وما منعرف لوين بدنا نروح، تعرّضنا للضرب وللذل”. هذا الاعتداء حصل في اليوم التالي لمقتل سليمان، إذ اقتحم شبان عدة منزل سلمى في برج حمّود، وضربوا زوجها وحطموا بعض أثاث المنزل، وطردوهم عنوةً من المنزل، فاضطرت العائلة للمغادرة فوراً إلى منزل أحد الأقارب.
“ما عم نسترجي نضهر”، تقول آية، إحدى صديقات سلمى التي تعيش في منطقة برج حمّود منذ أكثر من ست سنوات، وتعمل في خدمة التنظيف المنزلي. وهي الآن مضطرة للاختباء في منزلها منذ تلك الحادثة، ولا تخرج إلا للضرورة القصوى، ما منعها من التوجه إلى مكان عملها الذي يشكل مصدر رزقها الوحيد.
العدد الأكبر من اللاجئين السوريين في لبنان هم من عمّال المياومة، أو أصحاب مصالح صغرى، لذا فإن استمرار الوضع على حاله يهدد لقمة عيش الآلاف من العائلات، التي باتت عاجزةً عن القيام بأي خطوة من دون وجود خطر محدق بها.
إستثمار سياسي
بعد استثمار الأحزاب اليمينية المسيحية الحادثة لتصفية حسابات سياسية، عمد مناصرو حزب البعث في عرسال الى مزيد من التضييق على السوريين المعارضين للنظام السوري، من خلال إصدار قرار بمنع تجول السوريين بعد العاشرة مساءً، والتعرض بالضرب للعاملين منهم في المحلات التجارية في المنطقة.
يقول أيمن (اسم مستعار) في حديثه لـ“درج”، إنه تعرض للضرب أثناء عمله في أحد المحلات في عرسال، بعدما افتعل أحد مناصري تيار البعث شجاراً معه، فجاء غاضباً وأصرّ على وجود طلبية بإسمه، وهو ما لم يكن صحيحاً.
يضيف أيمن أنه على رغم محاولة الشبان العاملين في المحل احتواء الموقف من خلال تقديم عرض بإعداد الطلبية على الفور، إلا أنه غادر، وعاد بعد فترة زمنية قصيرة وضربه بأداة حادة على رأسه، ما استدعى نقله إلى المستشفى، حيث خضع للعلاج بثمانية غرز، وهو الآن يختبئ في منزله للتعافي ريثما تهدأ الأمور.
يتابع أيمن: “ضربني وقلي إنتو السوريين خربتوا علينا، ومش لازم نكون هون، هو نفسو لي اعتدى عليي عمل هيك مع كتير شباب سوريين من العمال، وهاد 1 في المية من لي عم يصير بعرسال”.
لا يكتفي مناصرو البعث بهذا الشكل من المضايقات، فهم وفق أيمن، يركنون سياراتهم أمام خيم اللاجئين في المنطقة، ويشغلون الأغاني ليلاً بصوت مرتفع، وينتظرون خروج أحد للاعتراض كي يعتدون عليه بالضرب.
تمرّ هذه الانتهاكات اليومية التي يتعرض لها السوريون في عرسال مرور الكرام، حيث لا دولة حاضرة ولا محاسبة أو مساءلة للمعتدين، وفي غياب تام لأي تغطية إعلامية بإمكانها تشكيل أي ضغط على المعنيين للتدخل.
معاناة متكررة
أخذت حملة الكراهية ضد السوريين طابعها الرسمي مطلع العام مع إعلان النائب غسان حاصباني عن تطبيق “تبليغ” وإطلاق “مبادرة كل مواطن خفير”، ما نتجت منه ممارسات عنصرية من البلديات والعناصر التابعة لها، غير مستندة الى أي مسوغ قانوني.
في هذا السياق، تروي ياسمين لـ “درج” عن تعرضها وعائلتها للترهيب والاعتداء اللفظي والطرد التعسفي من منزلها في منطقة الدكوانة قبل أربعة أشهر من البلدية، إذ استمر عناصرها في التضييق عليهم إلى حين مغادرتهم للسكن في خلدة.
تقول ياسمين: “أول مرة قالوا معهم أمر من البلدية بالإخلاء من هون لأسبوع، تاني مرة إجوا عناصر من البلدية وصاروا يصرخوا علينا ويقولولي ارجعي ع بلدك ليش بعدك هون، بدنا نرميكِ إنت وولادك برا، وجربوا يفوتوا عالبيت ويقتحموا وحاولت منعهم لأن زوجي ما كان بالبيت”.
تدخل أحد جيران ياسمين من اللبنانيين وتحدث مع عناصر البلدية محاولاً إعطاء العائلة مهلة للعثور على منزل جديد، لكنهم رفضوا وألزموا العائلة الخروج خلال ساعتين، إذ انتقلوا إلى منزل في خلدة تكلفة إيجاره تفوق القدرة المادية للعائلة، وهم اليوم يعيشون حالة صعبة بعد تعرّض الزوج لحادث سير أقعده من دون عمل بسبب الإصابة.
تعمد الدولة بأجهزتها الرسمية والإعلامية التابعة لها، إلى استخدام ورقة النزوح السوري للتغطية على تقصيرها في ضبط الوضع الأمني المتخبط الذي يعيشه لبنان، وتحميل اللاجئين السوريين في لبنان مسؤولية تردّي الأوضاع الداخلية للبلاد، ومعاقبتهم جماعياً على جرائم ارتكبتها فئة منهم، وهي بذلك تعمق من معاناتهم التي يعيشونها، في ظل عدم قدرتهم على العودة إلى سوريا وعدم وجود آلية لتنظيم وجودهم وحمايتهم من الخطر والعنف الذي يتعرضون له.
المصدر: موقع “دَرَج” اللبناني