“الثورة الشعبية” في ميزان الشروط الموضوعية
خاص “المدارنت”..
إن أي فرد من الأفراد أو مجتمع من المجتمعات أو شعب من الشعوب أو أي أمة من الأمم، يعيش/تعيش أوضاعا متخلفة وجاهلة، وتعاني من جراء ذلك الوضع المأساوي الذي تعيشه على مستوى جميع الأصعدة الحياتية, اجتماعية ثقافية سياسية واقتصادية… إلخ, تسعى جاهدة للخلاص من حالتها تلك، والانتقال إلى مرحلة جديدة أفضل مما هي فيه وعليه وذلك عبر إحداث عملية تغييرية لذلك وبكل السبل والوسائل المتاحة لها.
من ضمن تلك الوسائل والسبل هي الثورة الشعبية السلمية على الوضع القائم, سلطة ونظاما.. تلك الثورة الشعبية ما كان لها بأن تنجح وتعطي ثمارها ومن ثم أكلها إلا إذا توفرت الشروط الموضوعية لها, أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر وباختصار شديد, ما يلي:
أولا: الشعور والإحساس, وعيا ووجدانا, بالحاجة الماسة والملحة والضرورية للقيام بها.
ثانيا: وجود رؤية واضحة لها, محددة الأهداف والغايات والمعالم الأساسية لها وذلك عبر دراسة تحليلية علمية ووفقا للمنهج العلمي التحليلي للعقبات والصعاب التي تقف أمامها ووضع التصورات العلمية المنهجية للتغلب عليها ومعالجتها, سواء كانت تلك العقبات والصعاب داخلية أم خارجية أم كليهما معا, تلك الرؤية متمثلة بالمشروع التغييري الثوري الحقيقي الشامل والكامل.
ثالثا: توفر النخبة المنظمة، تنظيما صحيحا وقويا, وليس تنظيميا, التي تأخذ على عاتقها حمل ذلك، والعمل على تحقيقه وتحويله من الإطار النظري، الحلم، إلى واقع عملي معاش وملموس، الواقع, تكون جاهزة وقادرة على الاستفادة من اللحظة التاريخية لعملية الحاجة تلك، مخططة لها ومستعدة للقيام بها وتوجيهها الإتجاه الصحيح لها, ولن تكون قادرة على إحداث ذلك والقيام به إلا إذا استوعبت وأدركت كل الشروط الموضوعية اللازمة لإنجاحاها وأمتلكت، وملكت الإرادة القوية والعزيمة الصلبة لتحقيق الأهداف والغايات لذلك المشروع، عبر التحلي بالصبر والمثابرة والوعي الذاتي والإيمان الحقيقي الصلب والقوي بنفسها وبقدرتها على تحقيق ذلك…مهما كانت العراقيل والصعاب التي تقف أمامها.
ومن دون توفر الشروط الموضوعية لعملية التغيير الثوري تلك, حاجة ملحة وماسة, رغبة حقيقية في إحداثها والقيام بها, مشروعا تغييريا ثوريا واضح المعالم والأهداف والغايات, ونخبة حقيقية قادرة على القيام بها, ولن تكون تلك العملية الثورية التغييرية، عملية ثورية تغييرية حقيقية, إلا إذا آمنت, وعيا ووجدانا قبل سلوكا, بأن الإنسان الفرد هو وسيلتها وهدفها وغايتها, وعبرت عن جميع مكونات المجتمع المختلفة.
تلك الثورة الشعبية, وبعد توفر تلك الشروط الموضوعية لها ولو بالحد الأدنى, يجب بأن تتسم بالسلمية والفعل الفصل تجاه ذلك النظام, أشخاصا وشخوصا, وعيا وثقافة وفكرا وعقلية, وحتى مؤسساتيا, من دون مهادنة أو لين أو تراخي أو تباطؤ, وبأن تكون محددة الفترة الزمنية لها، وألا تقتصر على الإعتصامات في الساحات وحدها, بل تتعداها إلى الفعل الثوري العام ليشمل كل بقاع الوطن, وأن تستهدف بالدرجة الأولى والأساسية الأماكن المهمة والحساسة للنظام.. إلخ. والأهم من ذلك عدم إصابتها بالمراهقة الثورية, بخاصة في بداياتها وقبل تحقيق مطالبها الأساسية.
من دون ذلك، تصبح أي ثورة تغييرية شعبية غوغائية فوضوية، تؤدي إلى مزيد من المأساي والنكبات والكوارث التي تضاف إلى ما سبقها على حياة المجتمع, وعرضة وفريسة سهلة للانتهازيين الذين يتربصون بها، واستغلالها لصالح أجندتهم العصبية الضيقة والمقيتة الخاصة بهم, يجيرونها وفقا لتلك المصالح العصبية الضيقة والمقيتة,وتكون الكارثة الحقيقية والطامة الكبرى والمصيبة العظمى على البلد بإنسانه وأرضه، إذا تم حرف مسارها السلمي وعسكرتها، لتدخل البلد في حرب أهلية لا يحمد عقباها,بما تجره تلك الحرب، من كوارث ومصائب وبما ينتج عنها من ضحايا, وبما يترتب عليها من تدخلات خارجية, جيرانية إقليمية ودولية… إلخ. ساعتئذ يصبح من الصعوبة بمكان القيام بعملية ثورية شعبية تغييرية جديدة إلا بعد وقت ليس بالقصير, لكنه ليس بمستحيل, هذا في حال عدم دخول البلد طبعا في حرب أهلية… إلخ.
إنه بقدر تلهفنا وشوقنا لذلك, ونضالنا وتضحياتنا في سبيل ذلك، بقدر خوفنا مما سيحمله لنا ذلك، إذا لم يبنى على أسس علمية ووفقا لمنهج علمي واضحة المعالم ومتوفرة الشروط الموضوعية له, تحترم كرامة الإنسان وتقدس حريته، تعبر عن تطلعاته وأحلامه بغد أفضل, باعتبار الإنسان الفرد هو وسيلتها وهدفها وغايتها في المقام الأول والأخير، تكون الدولة المدنية الحديثة بركائزها الأساسية، دولة الحلم، هي البديل الحقيقي, للدولة التقليدية, دولة العصبيات الضيقة والمقيتة.
إن طبيعة الإنسان الفرد، هو التخوف والتوجّس من كل شئ جديد واضح المعالم والأهداف والغايات النبيلة، فما الحال إذا كان هذا الجديد يشوبه الغموض وعدم الوضوح، ونقص الرؤية وضبابيتها.