الحركات الإسلامية بين الواقع والطموح.. (الجزء الثاني والأخير)
خاص “المدارنت”..
إن صاحب مصطلح ظاهرة اليقظة أو الصحوة، اسلاميا، هو مفكر شديد التفاؤل نحو تحقيق صورة ايجابيات الماضي، ولكن بصورة انسانية جديدة، أو أنه مِمن يحقدون على الإسلام والمسلمين، فإذا كان من خارج أهلها وممن يرصدون كل صغيرة وكبيرة في حياة المسلمين، نقول عنه، ما أشد ذكائه وأوسع حيلته، فإذ ما تركه من بصمة مؤثرة بين أفكار اهل المجتمع الاسلامي، الّا عملية وهم وخيال لطموح بالغ التفاؤل، إن صح التقاء هذين الضدين.
ونبيّن أنه من جهتنا كمسلمين، لا نزال نتمسك بالماضي ونعمل جادين إلى استحضاره، ليحيا فيه حاضرنا، من دون التفريق بين منطق التآلف والتوافق والتوحّد، وبين المدسوس من اساطير وحكايات واسرائيليات، اي من دون التفريق بين النافع والضار، وعلى سبيل الدليل الشاهد، نطلق جملة تساؤلات ،تبين الإجابات عليها، مدى حال الطموح الواهم في تحقيق نوع من اليقظة أو الصحوة أو النهضة.
ألسنا ما نزال نحيا آثار حادثة، في صدرالإسلام، ولم نستطع التخلص منها؟ ألم نحيا موقفا باردا من ثورات الشعوب ضد استبداد أنظمتها في بعض البلدان الاسلامية؟ كيف نتحدث عن الطموح المتفائل ونرى تقاطع البلدان الاسلامية، بحدودها الشاءكة الملتهبة، بين اجزائها الصغيرة؟ كيف نتحدث عن تفاؤل اليقظة ونرى الدماء تتقطر انهارا لدى الأكثرية على أطراف دولها، ولدى الأقليات، داخل حدودها؟ وبعيدا عن السياسة.
نتساءل ايضا: الم يحن الوقت كي نتخلص من الأمية التي تجاوزت ثلاث ارباع سكان الدول الإسلامية؟ هل استطعنا تحقيق الحد الأدنى الحضاري، ليس بما تمثله التقنية الإلكترونية والتكنولوجيا، انما في السلوك الحضاري والتصرف الإنساني، الذي هو في شرعنا وتقاليدنا؟ هل استطعنا التخلص من الأنانية والفردية ،واتجهنا نحو إقامة حوار بنّاء بيننا، بين الشعب والانظمة؟ أنه القمع وليس الحوار، نعم لا للحوار، كيف النهوض ولا نكاد نجد مشروعا اسلاميا نجتمع عليه؟ وهذه فلسطين العربية، قضية العرب، قضية المسلمين، قضية المؤمنين، قضية العالمين ،لقد تخلينا عنها، بل تامرنا عليها.
وهكذا فالاسئلة كثيرة، كثيرة، ولكن علينا تجاوز كل ذلك، ولنتبصّر الواقع، ولنزرع بذور الإيمان في النفوس، ولنتمسك بحبل الله المتين. وكمؤمنين نخلص قوله تعالى:
“… وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)… لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ … “الزمر” (53).
لا شك أن في قوله تعالى دليل امل وتفاؤل، وإخلاص عمل وديمومته، لكن من دون حجب الحقائق الضخمة الواضحة، عن أفكارنا وعقولنا، بحيث لا نستطيع حجب أشعة الشمس بقطعة قماش شفاف، كما لا نستطيع اتقاء حرها، فالواجب علينا مواجهة الحقيقة، ثم نعمل بما تمليه علينا، كما ونتمسك بضرورة التلاقي والاتحاد والتحاور، للخروج من آثار أزمة الواقع الذليل، وإلا نختلف، فيما بيننا، على التسميات. وجوهر ما يجب الاتحاد عليه، والعمل به، انما يتلخّص في كيفية تحويل مظاهر التململ إلى يقظة دائمة ونهضة فاعلة.
أن التحول من عتمة التململ إلى نور اليقظة، ثم الانتقال إلى شعاع النهضة، انما يحتاج لاعادة النظر ـ بتقديري ـ إلى ثلاثة أمور أساسية:
1 – الأمر التنظيري الذي يلتقي عليه مفكرو العالم الإسلامي.
2 – الأمر العاطفي الذي تلتقي عليه الجماعات الإسلامية.
3 – الأمر العملي الحركي الذي تتحرك فيه الجماعة الإسلامية فوق سبل مشتركة، تصب في الهدف العام. وبهذه الأمور يتفاعل ويتفعل السعي الجماعي، ويتعطل التفرد بالاهتمامات الذاتية. وهنا ينبغي تفصيل، بعض الشيء، لتلك الأمور.
اولا: أمر التنظير
يعتمد هذا الاصل على القرآن والسنة، ولكن امر التنظير، وحسب المعتقد الديني، يناقضه بالمعنى العام، لا النص القرآني دلل على اكتمال الدين وتمام نعم الله تعالى لقوله تعالى:
“… الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3].
لا يحول هذا الأمر دون التعمق في الفهم وإلادراك، وهذا أمر إلهي، شرط عدم مخالفة النصوص القرآنية، وعمّا اجمع عليه الإجماع.
وللبيان نستنتج حاجة هذا الأمر الى:
1 – تدبر وفهم الدستور الاسلامي، الإلهي والنبوي، وأيضا التاريخي الذي هو المليء بتجاربه المتنوعة، كما ويمثل ثروة فكرية انتهجها الإسلام.
2 – ضرورة استخدام هذا الأمر أساليب جديدة في التنظير والأداء والصياغة، اي استخدام لغة العرض الواضح، كي تتفاعل مع ما يشاع، من مفاهيم ومصطلحات.
3 – ضرورة اقتران أمر التنظير بالمسلمات الأساسية للفكر الاسلامي، اي إلا يحيد ولا يبتعد عن النص القرآني، ولا عن أسسه وتفاصيله.
4 – ضرورة استخدام المقارنة بين ما شرّعه ونظّر إليه الاسلام، وبين غيره من النظريات التي كانت لها السيادة السابقة.
ثانيا: الأمر العاطفي
لا شك أن العقيدة، أو الفكرة، هي الأساس لكل بناء حضاري، وهذا لا يكفي، انما يحتاج إلى أن يخالطه الوجدان بعواطفه ومشاعره، التي تضفي إلى وحدة العقيدة جدلية الاتحاد مع وحدة العواطف، وهذا ما اظهره الإسلام من حيث أن المسلمين اخوة، وعليه فالحركات الإسلامية تلتقي على منظومة من العواطف المشتركة التي تعتمد على المعتقد الإنساني، الذي من خلاله ينطلق الإسلام إلى إنقاذ العالم من تخبطه واضطرابه وعزله عن الأمراض الاجتماعية، وهذا هو الدور الحضاري الذي قام به المسلمون، إلى تلك المدنية التي حققوها، ضمن أطر التبصر لواقع المسلمين، البائس والمضطهد، وعلى الرغم من ذلك، فالمسلمون اهل لحمل الأمانة ومتابعتها، بجميع ابعادها الحضارية والانسانية، والمبنية على العدالة والحق، وعلى الخير والجمال. وهذا ما تشع به عواطفنا من خلال مثلنا العليا.
ثالثا: الأمر الحركي العملي
من المهم أن تقترن الفكرة بالعاطفة، والابلغ أهمية أن يقترنا معا بالعمل. فالعمل الصالح ثمرة الإيمان الصادق. فاصل العمل واجب ضروري لعملية الاستنهاض، إذ العمل إثارة الفاعلية ثم تنظيمها. اي أن جوهر هذا الاصل، هو النظام. يعني أنه يحوٍل الأفراد من ارقام إلى حياة متحركة فاعلة، ومن أفراد وأجزاء متقطعة إلى جماعة متحدة متواصلة، تجمعها تطلعات مشتركة، ترسخ قانون اقتران الإيمان بالعمل، إذ لكل عمل أجره وأثره داخل المجتمع. لذلك وجب الاتفاق على سيادة المفاهيم المعاصرة التي تؤمن بها الإنسانية كلها، ثم تحقق وجودها الأفضل. وعليه وجب الجهاد لإزالة كل تناقض مدسوس بين الحاكم والمحكوم، كما يجب العمل لنفي كل تناقض، ثم السعي لإيجاد توازن بين الأنظمة والناس، كشعب، اي ضرورة إحقاق روح النظام السياسي الإسلامي.
وعلى هذا، نخلص إلى ضرورة تحقيق دورة كاملة متكاملة، من الفكر الى الشعور ثم الى الارادة، وأن لم تتحقق تلك الدورة، فلا بد إلا أن تصطدم بالواقع، من دون فهم له، ومن دون ادراك لابعاده، ومن دون تخطيط لحلّ مشكلاته كلها. وعلى الدنيا السلام.