الحصة من أصل المحاصصة.. أين الفساد في ذلك؟!
د. جميـل علـي حمّـود
خاص “المدارنت”
اشتهر الرئيس الأميركي السابق جون كينيدي بمقولة قال فيها: “لا تسأل ماذا يقدم وطنك لك، اسأل ماذا تقدم انت لوطنك؟”.
لو عملت قوى السلطة والنخب الحاكمة في لبنان بهذه المقولة، لما عانينا من فساد وإفساد، وهدر بات بالمليارات، فيما يقبع حوالي 40% من اللبنانيين تحت خط الفقر والحاجة.
لقد اصبحت روايات الهدر والفساد تنافس حكايا شهرذاد في الف ليلة و ليلة. وما تحادث لبانيان في جلسة فنجان قهوة إلاّ وكانت قصص الفساد ثالثهما. هذا، ويتصاعد الاهتمام بمكافحة الهدر والفساد هذه الايام…، نظرا لوصول حال الوطن الاقتصادية والمالية إلى أزمة حادة، باتت توصف بمصطلحات مثل إفلاس، انهيار، هاوية و ما اليه.
إلى ذلك، فإن نظريات العلوم الإنسانية والاجتماعية تنصحنا بالعودة الى المربع الاول، وطرح الأسئلة الأساسية عند اشتداد الازمات وتعثر الحلول. وتعني هذه النصيحة، في شق منها على الأقل، عدم القبول بمسلمات لطالما تعود الانسان على اعتبارها مقدسات لا تمسّ.
إن اعادة طرح الأسئلة الأساسية يفاجئ للوهلة الاولى، وقد يتهم السائل بالجنون. لكن سرعان ما يستدرك العاقل ويقرّ بصوابية التساؤل. اسمحوا لنا من هذا المنطلق ان نسأل: هل يعاني لبنان فعلاً من فساد؟ سيكون لنا جوابنا، ونتوقع ان يكون لكم جوابكم ايضاً. لكن دعونا نستطرد بسؤال آخر، هل من العقل والمنطق بشيء أن يزرع المرء شعيراً ويتوقع أن يحصد قمحاً!؟
لا يختلف اثنان على ان بنية منظومة ادارة الشأن العام في لبنان، تقوم على محاصصة وتوزيع مكاسب بين مجموعة كيانات، يختلط في تركيبتها الطائفي مع المذهبي والاقطاعي مع العشائري. وبالتالي، فانه من الطبيعي في ظل هكذا منظومة ان تكون الدولة بكل امكاناتها قالب حلوى، تسعى الكيانات الحاكمة فيها الى اكبر قطعة ممكنة. على ان مقتضيات تكبير القطعة تستوجب مصارعة الآخرين تارة، و التوافق معهم تارة اخرى.
ان معيار النجاح والفعالية في منظومة تقاسم وتحاصص قالب حلوى الدولة، لا يكون الا بحجم القطعة التي نحصل عليها، وليس بحجم قالب الحلوى نفسه. وفي ظل هكذا معيار، لا يلام من يعمل على تكبير حصته، و لا يشعر بالذنب من يسعى الى اقتطاع حصة له.
وهكذا، فان طبيعة تناسق عناصر المنظومة، تقتضي غياب المحاسبة والشفافية، اللتين تأتيان كجسم اجنبي من منظومة مختلفة كلياً.
بناءًا على ما تقدم، نتجرأ ونقول: إنه لا فساد في لبنان. و ما نراه ليس الا افراد و جماعات وكيانات، تعمل على ضمان حصصها وتكبيرها بشكل طبيعي جداً، في كنف منظومة ادارة ارتضتها لنفسها و السلام.
حتى تصحّ مقولة كينيدي، يجب أن يكون عندنا وطن أولاً.