مقالات

الحوار الوطني السوري.. بناء المستقبل لا البكاء على الأطلال!

“المدارنت”..
انطلق صباح أمس في دمشق، “مؤتمر الحوار الوطني”، الذي كان تعهداً قطعته السلطات الجديدة الحاكمة في سوريا، بعد سقوط نظام (الطاغية المخلوع) بشار الأسد، وافتتحه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، بكلمة، حرص فيها على ملاقاة التطلعات الكبيرة المعقودة على المؤتمر.
كان واضحاً أنه أبدى حرصاً على وضع الآمال في موازاة الآلام، مشدداً على أن سوريا «أُنقذت من الهلاك» وهي «اليوم في غرفة الإنعاش» «مثقلة بالجراح» على مستويات «اجتماعية واقتصادية وسياسية ونفسية» ولكنها اليوم «عادت إلى أهلها».

ولا مبالغة في هذا التوصيف لأحوال سوريا الراهنة، التي خلّفتها 54 سنة من حكم نظام «الحركة التصحيحية» في خراب شبه عميم شمل البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية، فضلاً عن نهب الثروات الوطنية وتفكيك العرى الوطنية وتكريس التمييز على أساس المنطقة أو الطائفة أو الولاء. ولأن أبناء سوريا أول من اكتوى بنيران هذا الخراب، فإنهم خير من يدرك الأهمية البالغة لهذا المؤتمر وما سيسفر عنه من مخرجات وتوصيات.
صحيح بالطبع أن بعض العثرات اكتنفت التحضيرات للمؤتمر، وعلى رأسها الفترة الزمنية القصيرة الفاصلة بين توجيه الدعوات وموعد الانعقاد وما نتج عن ذلك من تعذر حضور بعض المدعوين والمقيمين منهم خارج سوريا خاصة، ولكن إذا كان عدد المتغيبين لا يتجاوز 30 شخصاً من أصل 570 حضروا بالفعل، فإن التقصير مقبول في مؤتمرات من هذا الطراز.
كذلك يمكن قبول التفسير الذي أعلنته اللجنة التحضيرية حول عدم دعوة قوات سوريا الديمقراطية ـ «قسد» في أن المؤتمر صيغة مجتمعية وليست حزبية أو فصائلية أو عسكرية، و«قسد» لا تحتكر المكون الكردي السوري الذي حضر في المؤتمر من خلال شخصيات تمثل مناطق تواجد الأكراد، فضلاً عن أن اللجنة عقدت لقاءات مع ممثلي محافظات دير الزور والرقة والحسكة حيث تبسط «قسد» نفوذها.
في المقابل يُسجّل للجنة التحضيرية أنها رسمت مسار عمل ثنائياً يبدأ من الاستماع إلى السوريين، ثم ينتقل إلى وضع المعايير الناظمة لتمثيل الطيف السوري في المؤتمر، فعقدت سلسلة كبيرة من ورشات العمل والجلسات الحوارية المركزية في المحافظات.
واستمعت اللجنة إلى نحو 4,000 سورية وسوري من مختلف المكونات، قدموا أكثر من 2,000 مداخلة وقرابة 700 ورقة مكتوبة. الخلاصة كانت استخراج ستة محاور أساسية تعمل عليها مجموعات المؤتمر هي العدالة الانتقالية، والبناء الدستوري، والإصلاح المؤسسي، والحريات العامة والحياة السياسية، والمبادئ الاقتصادية العامة، ودور منظمات المجتمع المدني في تأسيس وبناء الدولة السورية.

وإذا صح أن الأعمال بالنيات، فإن مقاصد مؤتمر الحوار الوطني السوري تعكس بوضوح رغبة مبدئية أصيلة للانطلاق خطوات ملموسة نحو مستقبل أفضل على طريق جمهورية جديدة تحررت من ربقة نظام الاستبداد والفساد والارتهان الخارجي، تضمن العدالة والمساواة والكرامة والازدهار لجميع أبنائها، في ظل دولة الدستور والقانون والحقوق المدنية والحريات العامة، بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية، أو الإثنية أو المناطقية أو الطبقية.
ولعل سوريا هذه سوف تؤكد قول الشرع: «لسنا نجيد البكاء على الأطلال، ولسنا نجيد اللطم والعويل، بل نحن أمّة العمل والجدّ».

المصدر: رأي “القدس العربي” اليوم
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى