الذكاء الاصطناعي.. والغباء الطبيعي!
خاص “المدارنت”..
قال وليم شكسبير: “أستطيع أن أسامحك على عشرة أخطاء مختلفة، ولكن لن أسامحك على الخطأ نفسه مرتين”.
وقال ألبرت أينشتاين: “الغباء هو فعل الشيء نفسه مرتين بالأسلوب نفسه والخطوات نفسها، وانتظار نتائج مختلفة”.
وقال نجيب محفوظ: “إن لم تتعلّم من الضربة الأولى، فأنت تستحقّ الثانية”. فكم ضربةً يستحقّ الشعب اللبناني على عدم تعلّمه آلاف المرات من آلاف المواقف؟! ومن يستطيع أن يقنعه بأنّ مَن يتبعهم كل مرّة لن يتغيروا، وأنّ:
مَن يغرسِ الحمقَ يحرث في مواسمه ملامــــــــةً، ولحـــــرث الــزرع إبّــــانُ؟!
ومَن ذا الذي سيسامحه على الخطأ نفسه وقد أنعم في ارتكابه مرّات ومــرّات؟!
إنّ شعبًا كهذا لن تقوم له قائمة، ولا على مثله تُبنَى الأوطان والأمم!
قبل توسُّع الحرب الدائرة بين “حزب الله” و”إسرائيل”، كثُر المحلّلون والمطبّلون والمزمّرون والمدافعون والمنافحون والممانعون والمهلّلون و”الرعديّون” و”العمّاريون” و”الوهّابون” و”الحجازيّون” و”الدرّيون” و”القنديليون” و”الفرنسيسيون” و”الفيصليون” و”الزهرانيون”… الواعدون بالنصر المؤزّر المبين لنا، والمتوعّدون بالويل والثبور وعظائم الأمور للعدو “الغاشم”، وملأوا شاشات التلفزة بطلّاتهم البهية، وناءت “كابلات النت” بكلامهم البليغ الموزون، حتى لتظنّ أحدهم:
“فصيحُ اللسانِ بديعُ البنانِ رفـــيــــعُ السنانِ ســــريـــــــع القلم
يكيلُ الـــــــرّجــــالَ بأقــــــــدارها ويرعى البيوتات رعيَ الحرُم”
وخرجوا علينا بتصريحاتهم التي تبشّر بحفظ الكرامات، وحدوث المعجزّات والذود عن الحرمات وعدم المس بالمقدّسات…
فمن جملة ما قيل على لسان أحدهم، أن كرامات النازحين كلهم محفوظة ولن يُهانوا ولن يُذلّوا، فالجهة المعنية والمسؤولة عنهم متكفّلة بهم جميعًا، ولن يحتاجوا إلى شيء، فالبيوت مؤمَّنة والتموين جاهز إذا حصل تهجير، وقد قُسِّمت المسؤوليات وعُيِّن المسؤولون على مساحة لبنان. وكلّ مسؤول يعرف مَهمته جيدًا، وما عليه أن يفعل والأشخاص الذين سيكونون تحت إشرافه.
لقد وقعت الواقعة يا هذا، وأخذ النازحون يأكلون الكرامة ويفترشون الذل ويلتحفون الهوان ويتدفأون بالعزّة، ويتنعّمون بالوعود والعطايا وقد صدّقوا ما قلت. لقد سمعوا جعجعة ولم يروا طحينًا، إلا بيوتهم التي خرجوا منها وأصبحت هباءً منثورًا.
يا هذا، ثمّة مثل مصري يقول: “وعدتني بالحلق، خرّمت وداني”. وهؤلاء النازحون كان يمكن أن يسيروا على بركة الله، ويعيشوا أيامهم كما كانوا يعيشون من دون وعود جوفاء، فقد علقوا آمالًا كبيرة على ما ادّعيت، فبئس ما صنعت أنت! ولا حبّذا ما وعدت! فقد قلت شططًا! فهل كنت تظنّ أنت وأمثالك أن الانتصار والصمود يحصلان بالكذب والدجل والكلام المعسول، إن كان هذا هو ظنّك فهذا – لعمري – هو الغباء الذي لا يضاهيه غباء الأعرابي في قصّته مع التمر.
لقد حلّت الطامة، ولم يجد النازحون المسؤولين الذين سيهتمون بهم – لعلهم نزحوا معهم، وأصبحوا في حاجة إلى مَن يعيلهم – فلجأوا إلى المدارس الخمس نجوم يتنعمون بالمقاعد الدراسية الوثيرة والألواح الخضر والملاعب الفسيحة والشبابيك التي استعملوها مناشر للغسيل… بل وجدوا تبريرات لحنثك بالوعد لا تسمّن ولا تغني من جوع، ووجدوا غباء لا يُقدّر بثمن؛ غباءً طبيعيًّا ممزوجًا بالكذب والادّعاء!
يا هذا، لا يستوي الأعمى والبصير، ولا يستوي العلم والجهل!
يا هذا، العدو “الغاشم” يحاربنا بالذكاء الاصطناعي، فهل ينفع أن نحاربه بالغباء الطبيعي؟!