السلاح الأميركي.. والبعد الإقليمي لحرب غزة!
المدارنت”..
يرى المتابعون لتطورات الأحداث في غزة، التي يرتكب فيها الجيش “الإسرائيلي” (الإرهابي الصهيوني) جرائم بشعة في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، أن سعي واشنطن إلى تجنّب امتداد الصراع نحو بؤر أخرى في المنطقة، ينِمّ عن نفاق سياسي كبير، لأن ما يجعل الحرب في غزة تتحوّل فعلاً، إلى حرب إقليمية هو السلاح الأمريكي المتطوّر الذي ما انفكت أمريكا تقدمه إلى “إسرائيل” (كيان الإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة)، فضلاً عن التزامها غير الأخلاقي بأن تجعل القدرات العسكرية لتل أبيب متفوقة على القدرات العسكرية لجيرانها مجتمعين، وبالتالي فقد سمحت طائرات «إف 35» الأمريكية لـ”إسرائيل”، بالإسهام في تعجيل تحوّل حرب غزة إلى حرب إقليمية.
وما يثير الاستغراب في السلوك الأمريكي أن واشنطن تضع ضوابط صارمة لكل الدول التي تصدّر لها أسلحتها، بشأن كيفية استعمالها، باستثناء “إسرائيل” التي تسمح لها باستخدام السلاح الأمريكي لممارسة عمليات القتل الجماعي للشيوخ والأطفال، في فلسطين، وما زالت شحنات الأسلحة الأمريكية، ومنها القنابل الثقيلة زنة ألف رطل تصل حتى الآن للجيش “الإسرائيلي” بكميات كبيرة، على الرغم مما يقال عن الخلاف المزعوم بين إدارة (الرئيس الأميركي جو) بايدن وحكومة (الإرهابي الصهيوني بنيامين) نتنياهو؛ وكأن الأسلحة الأمريكية قدّر لها أن تمارس دوراً غير إنساني في العديد من مناطق العالم، في تعارض صارخ مع الدروس الأخلاقية التي تعمل إدارات البيت الأبيض المتعاقبة على تقديمها لكل الدول.
ويمكننا في هذه العجالة أن نقدم أمثلة واضحة عن التاريخ غير المشرِّف للأسلحة الأمريكية، فقد أصرّت أمريكا على استعمال القنبلة النووية ضد اليابان في هيروشيما وناغازاكي، رغم انتهاء الحرب الحرب العالمية الثانية، واستعداد طوكيو للاستسلام، وكان الهدف غير المعلن هو القضاء بشكل نهائي على معنويات الشعب الياباني، تماماً مثلما فعلت طائرات قوات التحالف في أوروبا عندما تعمّدت قصف الأطفال الألمان العائدين من المدارس لتجتث بشكل كامل كل نزعة قتالية لدى الشعب الألماني؛ وقامت قنابل النابالم الأمريكية بحرق مدن وقرى فيتنامية بأكملها، وتسبّبت هذه الأسلحة بمقتل الآلاف من العراقيين بعد غزو العراق سنة 2003، كما دمّرت العديد من القرى الأفغانية بدعوى محاربة «طالبان» و«القاعدة»، وأسهمت في احتلال أفغانستان طيلة عشرين سنة، لتسلِّم واشنطن بعد ذلك الجمل بما حمل لطالبان، تاركة لها ترسانة حربية كاملة.
ومن المفارقات العجيبة أن أمريكا التي ما زالت تحتل مرتبة الصدارة في مجال تصدير الأسلحة في العالم، بعد أن بلغت حصتها سنة 2018 ما نسبته 68,4 من حجم الصادرات العالمية من الأسلحة، والتي تحرص على ترسيخ تفوقها في مجال إنتاج وتصدير الأسلحة الفتاكة بمختلف أنواعها، حيث خصّصت لميزانية جيشها 886 مليار دولار خلال السنة الجارية؛ لم تسهم كل أسلحتها المتطورة في حسم أي معركة من المعارك التي خاضتها في فيتنام والصومال، والعراق، وأفغانستان، ولم ينتصر جنودها من أصحاب الجنسية المزدوجة الأمريكية والإسرائيلية، حتى الآن، في غزة المحاصرة منذ أكثر من 8 أشهر، وأكثر.
لا أحد يشكّك في كفاءة الأسلحة الأمريكية التي تملك قدرة هائلة على تدمير البشر والحجر، لكن المشكلة تكمن في الأهداف الاستراتيجية التي تريد أمريكا، وحليفتها إسرائيل، تحقيقها على أرض الواقع؛ إذ إن أمريكا صاحبة أكبر ترسانة أسلحة في العالم فشلت في كل الحروب التي خاضتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لأنها كانت تريد غزو شعوب، وحرمانها من حريتها؛ والسلاح عندما يوظف لكسر إرادة الشعوب ذات السيادة يجعل القوة تتحول إلى ضعف، بحسب تعبير برتراند بادي في كتابه «ضعف القوة»، لذلك فقد أحدث السلاح الأمريكي، ويُحدث أيضاً عندما يستخدمه الجيش “الإسرائيلي” دماراً كبيراً، لكنه لا يحسم المعركة النهائية لمصلحته، لأن القوة التكنولوجية لا يمكنها أن تتساوق مع الهشاشة الاستراتيجية؛ ولم يؤد «مكر العقل والتاريخ» فقط إلى فشل السلاح الأمريكي، ولكن أيضاً إلى جعل تكنولوجيات التواصل الاجتماعي، تتحوّل إلى منصات توثق معاناة الضحايا عوض أن تخدم أجندات صنّاعها.
أما بالنسبة إلى البعد الإقليمي لحرب غزة، فيقول الكاتب فابريس بالانش بشأنه، إن “إسرائيل” كانت تريد من خلال استهدافها للقنصلية الإيرانية أن تذكّر العالم بأن الحرب في غزة تتجاوز إطار المواجهة مع “حماس”، وهي تحاول بذلك، بعد أن طالبها مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار، أن تُلفت انتباه حلفائها إلى الطابع الإقليمي لحربها، مذكّرة إياهم بالحرب الباردة الجديدة التي تضعهم في مواجهة مع المحور الأوراسي، ممثلاً في إيران، وروسيا، والصين.
ويمارس هذا التحليل- في اعتقادنا- الحذلقة السياسية، ويتناسى أن القنابل الأمريكية التي تستعملها “إسرائيل”، تقتل العزّل في غزة، ولا تؤثر في المحور المعارض للغرب، ومن ثم، فإنه وعوض محاولة إقحام الشعب الفلسطيني في لعبة محاور جيو/ سياسية تتجاوزه، فإنه يمكن للمجتمع الدولي وقف معاناته من خلال تطبيق قرارات الأمم المتحدة الداعية إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة؛ ويبقى من ثم أن الحرب الإقليمية ممكنة إذا ما واصلت “إسرائيل” حربها، وجرائمها، وإذا ما واصلت الولايات المتحدة دعمها العسكري اللا محدود لـ”إسرائيل”.